تركيا في ليبيا.. استراتيجيات التوسع العسكري والاقتصادي وتحولات العلاقة مع حفتر

تركيا في ليبيا.. استراتيجيات التوسع العسكري والاقتصادي وتحولات العلاقة مع حفتر

تركيا في ليبيا.. استراتيجيات التوسع العسكري والاقتصادي وتحولات العلاقة مع حفتر


15/04/2025

تستغل تركيا حالة الانقسام السياسي والأمني في ليبيا لتوسيع نفوذها عبر أدوات متعددة، تراوحت بين الدعم العسكري إلى التفاهمات الاقتصادية، حتى تحولت أنقرة إلى لاعب رئيسي في المشهد الليبي، مستفيدة من هشاشة الدولة وانقسام مراكز القرار.

وقد بات الحضور التركي يتجاوز حدود المصالح التقليدية، ليأخذ شكل مشروع جيوسياسي طويل الأمد. فالتوغل التركي لم يأت فقط لحماية حكومة معينة، بل لبناء نفوذ قابل للاستمرار في مفاصل الدولة، عبر الشراكات الأمنية، والعقود الاقتصادية، وتوظيف أدوات دينية وأيديولوجية.

وتلعب تركيا على التناقضات الداخلية الليبية بمهارة، وتوظف الإسلام السياسي، والمليشيات، وحتى الاستثمارات المدنية لتثبيت حضورها، وبينما تنادي بحل سياسي شامل، تواصل تثبيت مصالحها ميدانيًا، في ظل غياب توازن دولي حازم أمام تحركاتها.

محاولة إعادة التوازن عبر العلاقات المتغيرة

وفي خطوة مثيرة للجدل، قام صدام حفتر، نجل القائد العسكري خليفة حفتر، بزيارة إلى تركيا في وقت حساس من الأزمة الليبية، ولم تكن الزيارة مجرد حدث دبلوماسي عابر، بل حملت رسائل متعددة عن تغير في التوجهات السياسية التركية، خاصة في ظل توسع نفوذها في ليبيا. 

نجل القائد العسكري خليفة حفتر: صدام حفتر

وتأتي هذه الزيارة في وقت حساس، حيث كان الدعم التركي لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس يتناقض مع تحركات حفتر العسكرية المدعومة من أطراف أخرى في الشرق الليبي، فيما يرى مراقبون أن الاستقبال المثير للجدل يعكس ربما رغبة تركيا في إعادة التوازن لعلاقاتها مع مختلف الفاعلين في الساحة الليبية، خاصة بعد أن باتت تسيطر على جزء كبير من المشهد السياسي والعسكري في الغرب الليبي.

ويُرجح أن يكون لهذه الزيارة تداعيات على موقف تركيا من القوى العسكرية الليبية الأخرى التي لم تتلقَّ الدعم التركي المباشر. وبدلًا من أن تكون هذه الزيارة مدفوعة بالاعتراف الصريح بحفتر، قد تمثل محاولة من تركيا للتفاعل مع جميع الأطراف، بما في ذلك الشرقية التي كانت دائمًا في منافسة مع حكومة الوفاق الوطني. 

ويعتقد محللون أن هذه المناورات السياسية قد تكون محاولة لبناء جسور جديدة وإعادة تشكيل الحلفاء على المدى الطويل، في إطار استراتيجية تركيا المتجددة في ليبيا، التي تهدف إلى التكيف مع الظروف المتغيرة والتوسع في النفوذ العسكري والاقتصادي، مع الحرص على الحفاظ على علاقات مع مختلف الأطراف الفاعلة في البلاد.

اللعب على أوتار الانقسام والأيديولوجيا

في الأثناء، تعتمد تركيا بشكل أساسي على قوى الإسلام السياسي في ليبيا، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين وبعض التوجهات السلفية. هذا التحالف الأيديولوجي يتيح لها حشد دعم شعبي وشبه عسكري، دون تحمل كلفة ميدانية مباشرة في غالب الأحيان.

كما تستثمر أنقرة في الانقسام الجهوي والقبلي، فتقارب مصراتة كمركز نفوذ اقتصادي وعسكري، وتدعم شبكاتها الإعلامية داخل غرب ليبيا، بما يخدم مواقفها. هذا التموضع يضعف خصومها ويعمّق التشرذم، مما يُبقي الحاجة إليها قائمة لدى بعض الأطراف.

يعتقد محللون أن هذه المناورات السياسية قد تكون محاولة لبناء جسور جديدة وإعادة تشكيل الحلفاء على المدى الطويل

بالمقابل، تُبقي تركيا خطابها الرسمي ملتزمًا بالحل السياسي الليبي-الليبي، مما يسمح لها بالظهور بمظهر الداعم للشرعية، في حين تُوظّف تناقضات الواقع لصالح نفوذها. هذه الازدواجية تمكّنها من اللعب على الحبلين الداخلي والدولي.

وكلما ظهرت بوادر تقارب بين الفاعلين الليبيين أو تراجع للدور الدولي، تفعّل أنقرة أدواتها الإعلامية والسياسية لتأجيج التوترات، ما يطيل أمد الحاجة إليها كوسيط أو كضامن. بهذا، تحوّلت تركيا إلى لاعب يربح كلما تأجل الحل النهائي.

تعزيز الوجود العسكري وتوسيع نطاقه 

وفي تطور جديد، بدأت تركيا في بناء علاقات اقتصادية قوية مع الشرق الليبي، بما في ذلك مشاريع استثمارية ضخمة مثل إنشاء مصنع للحديد والصلب في بنغازي، والذي يُعد من أكبر المشاريع في المنطقة. كما أبدت تركيا اهتمامًا بعروض من طرابلس لتنفيذ عمليات استكشاف للطاقة في المياه الليبية.

هذا وتشهد ليبيا مؤخرًا محاولات جديدة من تركيا لتوسيع نفوذها، من خلال تحركات عسكرية واقتصادية وسياسية متزامنة، ففي خطوة لافتة، زادت تركيا عدد قواتها في ليبيا إلى نحو 3000 جندي، مع تزويد القوات الموالية لحكومة طرابلس بأسلحة ومعدات متطورة، في إطار تعزيز نفوذها العسكري في البلاد.

كما تسعى الشركات التركية إلى تنفيذ مشاريع بنية تحتية كبرى في ليبيا، بما في ذلك إعادة بناء مطار طرابلس الدولي. هذه المشاريع تعزز من الحضور التركي في البلاد وتفتح آفاقًا جديدة للتعاون الاقتصادي.

تسعى الشركات التركية إلى تنفيذ مشاريع بنية تحتية كبرى في ليبيا، بما في ذلك إعادة بناء مطار طرابلس الدولي

وتستند تركيا إلى الاتفاقية البحرية الموقعة مع حكومة الوفاق الوطني في عام 2019، والتي تمنحها حقوقًا في التنقيب عن النفط والغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط. وعلى الرغم من الجدل القانوني حول هذه الاتفاقية، إلا أن أنقرة تواصل الاستفادة منها لتعزيز مصالحها في المنطقة.

هذه التحركات تُظهر أن تركيا تسعى إلى ترسيخ نفوذها في ليبيا من خلال مزيج من القوة العسكرية والتعاون الاقتصادي والاستفادة من الاتفاقيات الدولية. هذا التوسع التركي يُعد جزءًا من استراتيجية أوسع لتعزيز دورها في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط وشمال إفريقيا.

النفوذ العسكري كأداة تمكين سياسي

وقد اعتمدت تركيا في بدايات تدخلها الليبي على دعم حكومة الوفاق عسكريًا، عبر طائرات مسيّرة ومستشارين وقوات غير نظامية. هذا التدخل غيّر موازين القوى في معركة طرابلس، وأوقف تقدم قوات حفتر، مما جعل أنقرة الطرف الأقوى في المعادلة الليبية الغربية.

من خلال هذا التموقع، أبرمت تركيا اتفاقيات عسكرية طويلة الأمد، تتيح لها استخدام قواعد بحرية وجوية في مصراتة والوطية. هذا الوجود لم يكن لحماية حكومة فقط، بل لتثبيت الحضور التركي كقوة ضامنة لأي صيغة حكم قادمة في طرابلس أو الغرب الليبي عمومًا.

كما ساعد الوجود العسكري على فرض معادلات تفاوضية جديدة، حيث أصبحت أنقرة تُستشار في تفاصيل المشهد الليبي، حتى تلك التي لا تخص مناطق نفوذها المباشر. حضورها على الأرض منحها ورقة ضغط على الخصوم وعلى حلفائها في آنٍ معًا.

تعتمد تركيا بشكل أساسي على قوى الإسلام السياسي في ليبيا وخاصة جماعة الإخوان المسلمين وبعض التوجهات السلفية

لكن الأهم أن أنقرة ربطت هذا الحضور بمؤسسة الدولة عبر عقود تدريب وتجهيز أمنية، تُبقي الأجهزة الأمنية المحلية معتمدة على الدعم التركي. وبهذا، تحوّل التدخل العسكري إلى أداة هندسة نفوذ سياسي طويل الأمد، يتجاوز طبيعة التحالفات الظرفية.

توظيف الاقتصاد والشراكات المدنية

إلى جانب التموقع العسكري، تسعى تركيا لفرض نفوذ اقتصادي واسع في ليبيا. وقّعت شركاتها عقودًا لإعادة الإعمار، وركزت على البنية التحتية، والطاقة، والموانئ، والاتصالات. هذه الأنشطة تمنح أنقرة سلطة تأثير غير مباشرة على القرارين الإداري والمالي في ليبيا.

الاتفاقيات الموقعة خلال فترة حكومة الوفاق، وخاصة اتفاق ترسيم الحدود البحرية، مكّنت تركيا من إدخال ليبيا ضمن صراعاتها على الغاز شرق المتوسط. فصارت ليبيا بالنسبة لها ليس فقط شريكًا اقتصاديًا، بل ورقة ضغط جيواستراتيجية ضد خصومها الإقليميين.

كما عملت أنقرة على إدماج رجال أعمال أتراك مع نظرائهم الليبيين، واستقطاب كوادر محلية لإدارة مشاريع مشتركة، ما أوجد طبقة من المستفيدين المرتبطين بالمصالح التركية. وهذا الارتباط خلق بيئة داخلية تدافع عن بقاء النفوذ التركي.

إضافة إلى ذلك، ركّزت تركيا على دعم التعليم والتكوين، وإرسال بعثات ليبية إلى جامعاتها، مما يجعل التغلغل الثقافي والأكاديمي جزءًا من بناء النفوذ. فالعلاقة لم تعد محصورة في المصالح الظرفية، بل في إعادة تشكيل نسيج النخب الليبية الناشئة.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية