تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا على الملف السوري

تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا على الملف السوري


09/03/2022

ظهرت روسيا في سورية في السنوات الأخيرة ليس بوصفها قوة عسكرية فحسب، وإنما بكونها الطرف الوحيد الذي يتمتع بعلاقات وقنوات مع جميع اللاعبين المؤثرين على الساحة السورية، وهو ما سمح لموسكو أن تكون نقطة ارتكاز في شبكة معقدة من المصالح والعلاقات. وبعبارة أخرى، فقد تحوَّلت روسيا إلى لاعب ارتكاز تعتمد عليها العديد من الدول، مثل تركيا وإسرائيل ودول عربية، لضمان مصالحها في سوريا والتواصل مع اللاعبين الآخرين، ممَّا صيَّر روسيا وسيطاً في الكثير من المواقف. 

لكن اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا سوف يُهدِّد هذا الدور الفريد من نوعه، وأصبح احتفاظ موسكو بدورها في سورية على ما كان عليه مرهوناً بنجاح روسيا وبعض الدول المنخرطة مثل تركيا وإسرائيل والولايات المتحدة في فصل الساحة السورية عن الساحة الأوكرانية.

التداعيات على جبهات القتال والتوازنات السياسية

كلما امتدت الحرب الروسية في أوكرانيا وأصبحت أكثر دموية ارتفعت احتمالات ربط الساحة السورية مع الأوكرانية، وازداد الضغط على تركيا وإسرائيل من قبل الحلفاء الغربيين لأخذ موقف معادي لروسيا.

وحتى الآن، لا يبدو أن موسكو ترغب في التصعيد في سورية أو نكث التفاهمات السابقة، وهو أيضاً توجُّه أنقره وتل أبيب، ولكن في الوقت نفسه فإن بقاء الوضع الراهن غير مضمون أبداً، وإذا تغيَّر لسبب أو لآخر وتأزمت العلاقات الروسية مع تركيا وإسرائيل والولايات المتحدة في سورية، فيُحتمَل أن يؤدِّي ذلك إلى تقارب بين روسيا وإيران والنظام السوري. بمعنى أن حصار روسيا في سورية وتحجيم دورها سيقربها من معسكر القوى المحاصَرة أساساً كإيران والنظام السوري، وسيكون لذلك تداعيات ملحوظة على الصعيد العسكري. 

أحد التداعيات سيكون على التفاهمات الروسية-الإسرائيلية بخصوص حرية إسرائيل في قصف مواقع إيرانية داخل سوريا، وحتى قد يُغيِّر قواعد اللعبة بين طهران وتل أبيب (والمصالح الغربية بشكل عام) في سوريا.

وأيضاً، فإن أي اختلاف روسي-تركي من شأنه أن يشعل جبهة إدلب من قبل النظام السوري بمؤازرة إيرانية وغطاء جوي روسي، ممَّا سيُعرِّض أمن القوات التركية الموجودة في جبهات إدلب للخطر، ويدفع مئات الآلاف من الناس نحو الحدود التركية كوسيلة ضغط على الطرف التركي.

أما فيما يتعلَّق بالجبهة الشرقية، أي مع "قسد"، فالحسابات تبدو أكثر تعقيداً بسبب كثرة اللاعبين المنخرطين والوجود الأمريكي على الأرض. وثمة أكثر من سيناريو ممكن لتطور الأحداث هناك؛ إذ يمكن أن تتأثر المنطقة إما من محاولات أمريكية لاستغلال الحرب في أوكرانيا لاستقطاب تركيا تجاه حلف الناتو، والذي سيتطلب من الولايات المتحدة تقديم تنازلات في الملف الكردي في شمال شرق سورية. ويمكن أيضاً لروسيا أن تحاول استقطاب تركيا من خلال زيادة الضغط على الإدارة الذاتية في شرق الفرات لتقديم تنازلات سياسية وميدانية ممَّا سيُرضي الطرف التركي ويَزيد الضغط على الولايات المتحدة.

وعلى أي حال، لن تكون مصداقية روسيا ودورها في سوريا هما نفسهما قبل وبعد الحرب الأوكرانية، ولكن تحييد الملف السوري قد يصون الدور كنقطة ارتكاز إلى حد ما ويمنع انزلاق روسيا إلى الحلف الأكثر راديكالية سياسياً، أي إيران والنظام السوري.

التداعيات على العملية السياسية 

إذا لم يتم فصل الملف السوري عن الأوكراني ستكون تداعيات الحرب على العملية السياسية في سوريا ملحوظة؛ فبعد أكثر من عقد من الزمن، لا توجد عملية سياسة جدية تستطيع أن تثمر حلاً للقضية السورية، بل هناك عدة مسارات. وأهم هذه المسارات فُتح بعد مجيء إدارة جو بايدن ولقاء الرئيسين بايدن وبوتين الذي أثمر عن تشكيل مسار أمريكي-روسي تجلى في عدة لقاءات في جنيف.

ومن المرجّح أن التصعيد الذي تلا الحرب في أوكرانيا سوف يؤدي إلى تجميد أو موت مسار الحوار الأمريكي-الروسي في جنيف. والتقييم نفسه ينطبق على مسار أستانا الذي يجمع بين روسيا وإيران وتركيا؛ فعلى الرغم من أن التواصل بين الطرفين التركي والروسي لم ينقطع، وهناك محاولات متبادلة لتحييد الصراع السوري، إلا أنه يصعب تصوُّر أي اجتماع في سياق مسار أستانا في الوقت القريب. والوضع الراهن أيضاً سيؤثر على مسار جنيف المتمثل في اللجنة الدستورية، التي في الأساس لم تُثمر أي نتائج فعلية.

وعدا ذلك، فإن تطورات الأحداث في أوكرانيا ستُؤثِّر على المحاولات والجهود الكبيرة في السنوات الماضية من قبل روسيا ودول عربية سعت إلى إعادة سورية إلى الحضن العربي وتحجيم الدور الإيراني في سوريا كمخرج للقضية السورية تتفق عليه الدول الإقليمية ويتمتع بمباركة إسرائيلية وحتى أمريكية ضمنية. لذلك، فإن أي تقارب في مواقف إيران وروسيا في سوريا، بسبب أن تحجيم دور الأخيرة وتراجُع العلاقات بينها من جهة وتركيا وإسرائيل بالتحديد من جهة أخرى، أمور سوف تُقلِّل حظوظ نجاح الجهود الداعية لإعادة سوريا إلى الحضن العربي. 

التداعيات على الوضع الاقتصادي والإنساني

سيلحق الشعب السوري، فيما يتعلق بالأمن الغذائي والمساعدات الإنسانية، تداعيات مؤلمة بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا. وتستعد سلطات العديد من الدول بما فيها السلطات السورية، التي تعتمد على القمح الروسي بشكل كبير، لارتفاع في أسعار القمح والنقص في العرض بالأسواق العالمية. وسوف يؤدي ارتفاع الأسعار والنقص المتوقع في إمدادات القمح على الصعيد العالمي، وتدهور إمكانيات النظام السوري، إلى تداعيات اقتصادية واجتماعية بطبيعة الحال، ولكن قد تؤدي إلى احتجاجات ومظاهرات وسط تردي كبير في المستوى المعيشي والاقتصادي داخل مناطق سيطرة النظام.

وعلى الصعيد الإنساني، هناك مخاوف مبنية على تجارب سابقة بأن تضخم الأزمة الإنسانية في أوكرانيا القريبة من أوروبا ستؤدي إلى تغيير في سياسة المانحين وتحويل أمول مخصصة لأغراض إنسانية من صراعات أخرى، كالصراع السوري، إلى أوكرانيا، ما سينعكس سلباً على الاقتصاد السوري بشكل عام، نظراً لأن المساعدات الخارجية جزء لا يتجزأ من الاقتصاد، وسيؤثر على الطبقة المعدومة التي تعتمد على المساعدات الإنسانية. 

عن "مركز الإمارات للسياسات"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية