تحوّل جديد ينتظر ملف المقاتلين العائدين في أوروبا .. ما هو؟

تحوّل جديد ينتظر ملف المقاتلين العائدين في أوروبا .. ما هو؟


29/02/2020

لا يبدو أنّ معضلة الإرهاب العالمي، الذي يمثله تنظيم ما يسمى "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، المعروف اختصاراً بـ "داعش"، قد انتهت إلى غير رجعة، وأنّ صفحة التهديدات التي كان يمثلها على أمن أوروبا الداخلي قد طويت بشكل نهائي، بل إنّ الخطر الإرهابي الذي جسده هذا التنظيم المعقد، ولا يزال، يستمر في طرح نفسه كتحدٍ كبير.

اقرأ أيضاً: الجهاديون العائدون.. خطر من نوع جديد
صحيح أنّ التنظيم مني بهزيمة مدوية؛ أدت إلى اجتثات وجوده في المناطق التي كان يسيطر عليها منذ عام 2014 في العراق وسوريا، بعد تلقّيه ضربة قوية من التحالف الدولي في آذار (مارس) 2017، أنهت وجوده الفعلي على الأرض، وصحيح أيضاً أنّه تلقى ضربة رمزية تُضاف إلى الضربة المادية، وربما كانت أكثر أثراً من الناحيتين التنظيمية والسيكولوجية، تمثلت في القضاء على زعيم التنظيم "أبو بكر البغدادي" العام الماضي، عندما قتل في العراق، لكنّ هذين الحدثين المهمين في مسار التنظيم الإرهابي الأكثر بشاعة منذ بداية القرن الواحد والعشرين، لن يؤديا أبداً إلى اختفاء التنظيم؛ ذلك أنّ القضاء عليه على الأرض سوف يدفعه إلى التخفي بشكل أكبر، واللجوء إلى الأقبية السرية، والسرية هي المشتل الذي تنتعش فيه الحساسية الإرهابية، والتوجه الأيديولوجي الأكثر عدوانية، وبالمثل؛ فإنّ مقتل البغدادي نتج عنه صعود خليفته الذي ربما كان أكثر تطرفاً منه، بل إنّ مقتل البغدادي سوف يمنح التنظيم حالة جديدة من الاستعداد للأخذ بالثأر، والثأر في أعراف التنظيمات الجهادية المسلحة، من العوامل المهمة في تعزيز الصف الداخلي وتضخيم النفوذ الأيديولوجي على الأتباع.

تتخوف الحكومات الأوروبية من أن تؤدي عودة مقاتلي داعش إلى إشعال الوضع الأمني الداخلي بدلاً من أن يكون فرصة للتهدئة

ولا تغيب هذه القضايا عن وعي المسؤولين الأوروبيين؛ الذين باتوا ينظرون بعين سلبية إلى موضوع العائدين من مناطق القتال، بعد تشتت مقاتلي التنظيم وسقوط العديد منهم في أيدي قوات سوريا الديمقراطية الكردية، فالحكومات الأوروبية تتخوف من أن تؤدي عودة هؤلاء المقاتلين إلى إشعال الوضع الأمني الداخلي، بدلاً من أن يكون فرصة للتهدئة، وأن يُمثّل ذلك بداية تحوّل التهديد الإرهابي لتنظيم داعش من المستوى الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط إلى المستوى الداخلي في عقر الديار الأوروبية، بحيث تتحول نهاية داعش في العراق وسوريا إلى البداية الفعلية له على الصعيد الأوروبي.

اقرأ أيضاً: هل يبقى ملف "الإرهابيين العائدين" ساحة للمناكفات السياسية؟
لقد كانت الحكومات الأوروبية، خلال الأعوام الثلاثة الماضية، ترفض استقبال هؤلاء المقاتلين، سواء كانوا من الأوروبيين الأصليين، أو من الجيل الثالث أو الرابع من أبناء المهاجرين؛ الذين صاروا أوروبيين بالتجنس، وفيما رفضت بعض الدول الأوروبية استقبال الصنفين معاً، ذهبت دول أخرى إلى التهديد بإسقاط الجنسية عن الصنف الثاني، في محاولة للتخلص من التبعات الأمنية المترتبة على استقبال هؤلاء.
بيد أنّ ذلك الأمر طرح أسئلة حرجة في الساحة السياسية والثقافية الأوروبية، بعضها قانوني وبعضها الآخر أخلاقي؛ فمن الناحية القانونية، برز من يُشكك في مصداقية النوايا الأوروبية، على اعتبار أنّ التهديد بمحاكمة هؤلاء داخل بلدانهم ووفقاً للقوانين المحلية ينافي العدالة، في رأيهم، لكون هؤلاء لم يقاتلوا فوق التراب الأوروبي بل في مناطق بعيدة، باستثناء الأشخاص الذين قتلوا أشخاصاً آخرين ينتمون إلى البلدان الأوروبية.

اقرأ أيضاً: إسقاط جنسيات "الإرهابيين العائدين"..إنهاء للتهديد أم دفع نحو "القتال الفردي"؟
أمّا من الناحية الأخلاقية، فإنّ التهديد بتجريد هؤلاء من جنسياتهم الأوروبية ينافي الديمقراطية وحقوق الإنسان، في رأيهم مرة أخرى، على اعتبار أنّهم أوروبيون، وأنّ الحكومات الأوروبية تكون قد تصرفت تجاههم بنوع من الانتهازية، والتحلل من المسؤولية؛ لأنّ هؤلاء المقاتلين العائدين يحملون الجنسية الأوروبية، ونشأوا في البيئة الثقافية الأوروبية وتعلموا في مدارسها، وبالتالي فإنّ المسؤولية تجاههم تقع على عاتق الحكومات الأوروبية، لا على عواتق البلدان العربية التي ينحدر منها آباؤهم أو أجدادهم من المهاجرين الأولين.

محاكمة مقاتلي داعش داخل بلدانهم تنافي العدالة وفقاً للقوانين المحلية لكون هؤلاء لم يقاتلوا فوق التراب الأوروبي بل في مناطق بعيدة

غير أنّ هناك تحولاً جديداً طرأ هذا الأسبوع، ربما يؤدي إلى إعادة النظر في السياسات الأوروبية تجاه ملف العائدين من ميادين القتال، حيث تلقت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان التابعة للاتحاد الأوروبي، للمرة الأولى، شكوى من مواطنين فرنسيين رفعا إليها دعوى ضد الحكومة الفرنسية التي رفضت استعادة أفراد من أسرتي المشتكيين.
وتعود القضية إلى العام الماضي، عندما رفضت حكومة مانويل ماكرون ترحيل سيدة فرنسية من مواليد 1991، سافرت إلى سوريا عام 2014، حيث أنجبت هناك طفلين يبلغان 4 و5 أعوام، ويوجد الأشخاص الثلاثة اليوم رهن الاعتقال في معسكر تابع للقوات الكردية في سوريا، ووفق أعراف المحكمة الأوروبية، تلقى الطرفان، المشتكي والمشتكى عليه، أي الطرفان المدعيان والحكومة الفرنسية، قائمة بالأسئلة التي يتعين الإجابة عنها خلال أسابيع، وفي ضوئها، ستتخذ المحكمة قرارها النهائي، وهو ما سيكون له تأثير واضح على السياسات المحلية للدول الأوروبية حيال ملف العائدين؛ إذ في حال كان قرار المحكمة الأوروبية مؤيداً لموقف الاستقبال والترحيل، فإنّه سيفتح الباب لشكاوى من مواطنين آخرين في بلدان أوروبية غير فرنسا.

الصفحة الرئيسية