هل يبقى ملف "الإرهابيين العائدين" ساحة للمناكفات السياسية؟

هل يبقى ملف "الإرهابيين العائدين" ساحة للمناكفات السياسية؟


15/12/2019

برزت مشكلة "المقاتلين الارهابيين الأجانب" بشكل مؤرق للمجتمع الدولي مع هزيمة تنظيم داعش في سوريا تحديداً؛ حيث أسفرت الهزائم المتوالية للتنظيم عن بروز هذه الإشكالية التي أصبحت من أهم اتجاهات الإرهاب العالمي المعاصر اليوم.
وزاد من هذه الإشكالية وجود عشرة آلاف معتقل من مختلف الجماعات الإرهابية في سوريا، منهم ألفا مقاتل من تنظيم داعش معتقل حالياً لدى "قوات سوريا الديمقراطية" المتحالفة مع القوات الأمريكية، 1200 منهم من جنسيات مختلفة من أكثر من 52 دولة في العالم، و800 منهم من الدول الأوروبية خاصة فرنسا وألمانيا وبلجيكا، جزء كبير منهم أصبح اليوم ضمن سيطرة السلطات التركية عقب عملية الغزو التركي لشمال شرق سوريا التي بدأت في 9 تشرين الأول (أكتوبر) 2019.

ما يميز مشكلة اليوم هو دخول الجزء الغربي من العالم بعمق في خريطة الإرهاب العالمي

الغريب في الأمر أنّ هذه المشكلة ظهرت وكأنّ المجتمع الدولي لم يشهد مشكلة مشابهة من قبل، والتي تمثلت بعودة المقاتلين الإرهابيين بعد حرب السوفييت نهاية السبعينيات من القرن العشرين، مع فارق واحد وبسيط وهو أنّ المشكلة آنذاك كانت تخص الدول العربية والإسلامية فقط عبر ما تم التعارف عليه في أدبيات الإرهاب "المقاتلين العرب" التي فرّخت كل الجماعات الإرهابية بعد ذلك، وعلى رأسها تنظيم القاعدة وتفرعاته في العالم التي انتشرت في العالم مع انطلاق سيرورة العولمة بعد هزيمة الاتحاد السوفييتي وانهياره.
ما يميز مشكلة اليوم هو دخول الجزء الغربي من العالم بعمق في خريطة الإرهاب العالمي عبر مشاركة الآلاف من مواطني هذه الدول في التنظيمات الإرهابية في الشرق الأوسط والحرب في سوريا والعراق تحديداً. ومن هنا لم تعد المشكلة تخص الشرق الأوسط، بل تهم هذه الدول وسياساتها الداخلية والخارجية، ودخلت في صلب السياسة اليومية والجدل السياسي والمناظرات للأحزاب السياسية في أوروبا.

اقرأ أيضاً: الإرهاب والسياحة: ذئاب تفترس الاقتصادات الوطنية
ولقد ساعد في ذلك حقيقة تعرض عدد من الدول الأوروبية خاصة فرنسا، بريطانيا، وألمانيا وبلجيكا لهجمات إرهابية عنيفة خاصة من قبل تنظيم داعش عبر هجمات "الذئاب المنفردة".
هذه الهجمات العنيفة؛ هي التي جعلت هذه الدول حساسة جداً تجاه إمكانية عودة أي مقاتل من الخارج إلى أراضيها والعيش في مدنها وبين مواطنيها، وهي تدرك أنّه عبارة عن قنبلة موقوتة لا تعرف متى ولا أين، ولا كيف ستنفجر، خاصة في ظل اللغط والجدل الكبير الذي يدور اليوم في أوروبا حول فائدة مقارباتها الخاصة في مكافحة الإرهاب وبرامج إعادة الدمج والتأهيل للمتهمين بالإرهاب. وخيرُ دليل على ذلك الجدل الواسع بين السياسيين والخبراء والأكاديميين في بريطانيا وأوروبا حول برنامج إعادة تأهيل الإرهابيين في بريطانيا عقب العملية الإرهابية التي ارتكبها عثمان خان (الجمعة 29 تشرين الثاني /نوفمبر 2019) الذي كان يشارك في أحد هذه البرامج التي ترعاها جامعة كمبردج وقتل فيها 3 أشخاص وجرح 3 آخرون.

هذا الملف سيبقى ساحة للتجاذبات والمناكفات السياسية خاصة بين تركيا ودول الاتحاد الأوروبي وربما الدول العربية لاحقاً

ولذلك يركز الاتحاد الأوروبي-2019 على ضرورة الالتزام بما يصفه بالمقاربات الشاملة وطويلة الآجل والتعاون بين الدول في مكافحة الراديكالية والإرهاب، وأن على الاتحاد الأوروبي أن يتعاون مع الدول الأخرى في هذا المجال، وبداية من العام 2013 أصبح موضوع "المقاتلين الإرهابيين الأجانب" بنداً رئيساً على الأجندة الأمنية للاتحاد.
ومنذ هجمات باريس الإرهابية كانون الثاني (يناير) 2015 قرر الاتحاد الأوروبي تشديد الإجراءات الوقائية ضد الراديكالية والإرهاب ضمن معايير محددة تركز على ثلاثة ركائز هي:
1- التأكيد على حماية المواطنين في الاتحاد الأوروبي.
2- منع الراديكالية وحماية قيم الدول في الاتحاد.
3- التعاون مع الشركاء الدوليين .

اقرأ أيضاً: "الاعتدال والتطرف".. محاولة للفهم والمواجهة
وبالعودة الى هذه الركائز الثلاث يمكن لنا معاينة كيفية معالجة الاتحاد الأوروبي لهذه المشكلة. ومن هنا نلاحظ إصرار الاتحاد الأوروبي -حتى الآن- على رفض عودة المقاتلين الأجانب إلى هذه الدول رغم الضغوط الأمريكية المعروفة التي حاول الرئيس ترامب ممارستها، والجدل الذي دار على الساحة حتى قُبيل عملية الغزو التركي لشمال شرق سوريا التي بدأت في 9 تشرين الأول (أكتوبر) 2019، ثم تبع ذلك التصعيد في هذا الملف الذي تمارسه تركيا اليوم ضد دول الاتحاد الأوروبي، ومحاولة ابتزازها، سياسياً واقتصادياً وأمنياً، بإعادة المقاتلين الأوروبيين إلى هذه الدول دون التنسيق مع هذه الدول، وآخرها في 9 تشرين الثاني (نوفمبر) 2019 قيام تركيا بإعادة 11 فرنسياً.

الهجمات العنيفة في دول أوروبية جعلتها حساسة جداً تجاه إمكانية عودة أي مقاتل من الخارج الى أراضيها

من الواضح أنّ الاتحاد الأوروبي يسعى الى حماية المواطنين الأوروبيين عن طريق الحيلولة دون عودة مواطنيه الضالعين أو المتهمين بالإرهاب، ولا يريد أن ينقل ساحة القتال إلى داخل المدن الأوروبية، وأن يبقيها تحت تهديد الإرهاب، أو تحويلها إلى ساحة للتطرف العنيف، أو حتى الانخراط في المزيد من برامج إعادة التأهيل والإدماج المكلفة مالياً خاصة في ظل مساعٍ وإجراءات أوروبية، لخفض موازنة الشرطة والأجهزة الأمنية مثلما حدث في بريطانيا.
ولذلك تسعى الدول الأوروبية، وعلى رأسها فرنسا، بحجة "منع الراديكالية وحماية قيم الدول في الاتحاد"، والتعاون مع الشركاء الدوليين، بمحاولة نقل المشكلة إلى خارج حدودها، وهو ما تجلى بالجهود الحثيثة التي بذلها الاتحاد لإقامة محاكمة لهم في العراق؛ حيث تقوم فكرة الاتحاد على تشكيل محكمة مشتركة بين الجهاز القضائي العراقي والخبرات الدولية والأوروبية بحيث يعمل هؤلاء كبيوت خبرة ومستشارين للقضاء العراقي لضمان تحقيق محاكمات عادلة ونزيهة، واستبعاد أحكام العقاب الجماعي، والإعدام التي تسربت لوسائل الإعلام العالمية وأثارت ردود فعل سلبية واسعة.
أعتقد بأنّ هذا السيناريو لن يكتب له النجاح؛ بسبب الفوضى السياسية التي يعيشها العراق اليوم، وهو ما يعني بأنّ هذا الملف سيبقى ساحة للتجاذبات والمناكفات السياسية خاصة بين تركيا ودول الاتحاد الأوروبي، وربما الدول العربية لاحقاً.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية