تحول بطيء في المزاج العالمي لمصلحة إدانة الإبادة في غزة

تحول بطيء في المزاج العالمي لمصلحة إدانة الإبادة في غزة

تحول بطيء في المزاج العالمي لمصلحة إدانة الإبادة في غزة


01/11/2023

شهد الخطاب الغربي الرسمي تحولاً طفيفاً تجاه الحرب في قطاع غزة، خلال الأيام الأخيرة، من التأييد المطلق لإسرائيل إلى الحديث المتنامي عن التبعات الإنسانية الخطيرة للحرب، على سكان القطاع الذي يشهد أزمة إنسانية تزداد سوءاً كل يوم، والمطالبة المتزايدة بهدنة إنسانية.

ورغم التأييد الغربي غير المسبوق لإسرائيل، وتسخير الإمكانيات الإعلامية والدبلوماسية والعسكرية لدعمها في حربها ضد قطاع غزة، فإنّ الغرب أخفق في الضغط على تل أبيب لخلق آلية لوصول المساعدات الإنسانية بالقدر الكاف إلى سكان القطاع، الذين نزح منهم نحو مليون شخص من منازلهم نتيجة القصف الإسرائيلي.

تحولات الخطاب الغربي

يعتقد محلل شؤون الشرق الأوسط، أحمد الباز، بأنّه لا يمكن القول إنّ الموقف الغربي أو الأمريكي تجاه إسرائيل قد تغير، بقدر أنّ الموقف ذاته بدأ يتحول من كونه لا يأبه بأحد، ولا لأي قوانين إنسانية أو دولية، إلى موقف لا يزال مؤيداً للقتل الذي تقوم به إسرائيل دفاعاً عن النفس، على أن يكون قتلاً وفقاً لقاعدة "القتل القانوني".

أضاف الباز لـ"حفريات" بأنّنا أمام رغبة أمريكية وأوروبية بشأن تغيير طريقة القتل نفسها وليس إيقاف القتل، وواقع الأمر ورغم غرابة هذا التحول، فإنه يظل مكسباً - بكل أسف - باعتباره سيكون المرحلة الأولى في سلسلة من التحولات التي ستفضي في النهاية للضغط على إسرائيل لإيقاف آلة القتل.

إسرائيل تسعى للسيطرة على السردية الإعلامية بما يحفظ مصالحها، ويغطي على عملية الإبادة. الحرب انتقلت نحو سؤال الحق التاريخي الذي يسبب صداعاً للعدو

وتابع بأنّ هذا التحول سينتقل من مرحلة لأخرى كلما تزايد الضغط الشعبي الأوروبي والعربي في شوارع أوروبا، حيث أصبحت التظاهرات الداعمة لفلسطين حدثاً يومياً وبأعداد غفيرة لم تعهدها شوارع أوروبا من قبل.

وبحسب محلل شؤون الشرق الأوسط، أحمد الباز، ما يزيد من هذه الكثافة فاعل جديد لم تنتبه له عواصم أوروبا، التي قررت منذ اليوم الأول تقديم دعم على شيك من بياض لإسرائيل، وهو أن عدد العرب قد ازداد بمعدلات فائقة في أوروبا وأمريكا وكندا منذ الربيع العربي، وهو ما يساهم في تشكيل حمولة تظاهرات كافية للفت نظر الإعلام الغربي بل والشارع للضغط على حكوماته.

نتنياهو وبايدن: شيك من بياض لإسرائيل

جاء التغير اللافت في خطاب الدولة الفرنسية، التي تقدم عدة خطابات، الأول الأكثر دعماً لإسرائيل على لسان الرئيس إيمانويل ماكرون، الثاني مع رئيسة الحكومة إليزابيث بورن، التي كانت أول مسؤول غربي كبير يدعو إلى "هدنة إنسانية يمكن أن تفضي إلى وقف لإطلاق النار"، وذلك قبيل زيارة ماكرون إلى إسرائيل.

تغيرات أخرى لاحقة جاءت من دول أوروبية ومسؤولين أوروبيين، تزامنت مع ارتفاع التكلفة الإنسانية للعمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، في ظل التعنت الإسرائيلي في السماح بإدخال مساعدات كافية للمدنيين، ومن بين ذلك رفض إدخال الوقود، ما أدى إلى تعطل معظم الخدمات الصحية وعمليات الإنقاذ.

الموقف الأمريكي

الباز يرى أيضاً بأنّ هناك تزايداً في الحديث عن حالات عصيان صريحة وأخرى مكتومة في الخارجية الأمريكية، اعتراضاً على الانحياز الأمريكي الواضح لإسرائيل، وهي الحالات التي اعترف بها أنطوني بلينكن، ولاحظنا صدى صوت لها منذ أيام في المطالبات الأمريكية لإسرائيل بالحفاظ على حياة المدنيين أثناء العمليات العسكرية.

يبقى الموقف الأمريكي دون المستوى الأخلاقي المطلوب في إجبار إسرائيل على الالتزام بالقانون الدولي، إذ عارضت واشنطن تمرير كل مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي، سواء قدمته روسيا أو البرازيل، وحين قدمت مشروع قرار كان منحازاً لصالح إسرائيل. وفي اجتماع وزراء الخارجية للدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي والمجموعة العربية دافعت أمريكا بشكل كبير عن إسرائيل.

مع ذلك مقارنةً بالأيام الأولى للحرب، يشهد الموقف الأمريكي بعض التغيرات، ومنها دعوة إسرائيل للالتزام بقوانين الحرب، والعمل على تقليل الضحايا من المدنيين، والضغط النسبي من أجل إدخال مساعدات إنسانية. أحد التغيرات أنّ الرئيس الأمريكي بايدن لم يتحدث عن مشروعات التهجير القسري للفلسطينيين إلى سيناء كما روج لذلك في الأيام الأولى للحرب.

د. أحمد الباز: تغيير طريقة القتل نفسها وليس إيقاف القتل

على ما يبدو فواشنطن لا تريد بذل الجهد الكافي لوقف الحرب في غزة، ويستفيد الرئيس بايدن من الضغط الذي تقدمه آلة الحرب الإسرائيلية من أجل الإفراج عن الرهائن الأمريكيين لدى حماس، وإخراج المواطنين الأمريكيين من قطاع غزة، وهي قضية مرتبطة بالسباق الانتخابي الرئاسي المقبل.

ومع تكثيف إسرائيل عملياتها الجوية والبدء بعمليات توغل بري مساء الجمعة، 27 تشرين الأول (أكتوبر)، ما تزال واشنطن تعمل لإنجاح صفقة للإفراج عن الأسرى لدى الفصائل الفلسطينية، لكن من غير المضمون أنّ يتوقف قرار توسيع العمليات الإسرائيلية حال نجحت تلك الصفقة؛ إذ لواشنطن وتل أبيب حسابات متباينة في ذلك.

أما على الصعيد الأوروبي، فيرى محلل شؤون الشرق الأوسط، أحمد الباز، بأنّ الحرب تمثّل فرصةً لليسار الأوروبي لاستخدامها في العودة للساحة والظهور مرة أخرى، بعد أن سيطرت تيارات يمينية على معظم حكومات أوروبا. مضيفاً بأنّه لا يجب نسيان أنّ القضية الفلسطينية شكلت لفترات طويلة جزءاً من المكون الفكري لليسار الأوروبي من إسبانيا إلى إيطاليا.

المحلل السياسي أحمد الباز لـ"حفريات": الحرب تمثّل فرصةً لليسار الأوروبي للعودة للساحة والظهور مرة أخرى، بعد سيطرة تيارات يمينية على معظم حكومات أوروبا

في هذا السياق، تظهر أهمية الصوت الانتخابي للجاليات العربية في أوروبا والولايات المتحدة، الذي من المؤكد سيعيد التفكير في خياراته الانتخابية، بالتصويت لأحزاب سياسية أوروبية يسارية توارت عن المشهد السياسي خلال العقدين الماضيين.

التحولات الإعلامية

في الجانب الإعلامي نشط الإعلام الغربي في دعم الرواية الإسرائيلية من بداية الحرب في السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، إلى حد الكذب المكشوف لدعم إسرائيل. على سبيل المثال نشر موقع " دويتشه فيله" الألماني مقالاً بعدة لغات لكاتبة ألمانية، قامت فيه بإلقاء اللوم على مصر لعدم فتح معبر غزة، في تجاهل تامّ لأبسط متطلبات العمل الصحفي، وحتى التصريحات الرسمية الغربية التي توضح أنّ إسرائيل هي التي ترفض فتح المعبر.

يقول الباز، إنّ الفاعل الجديد الآخر هو أنه كلما زاد أمد الحرب، سيوفر ذلك فرصة لصناع المحتوى عبر الانترنت للاطلاع على الحقائق، وإعادة قولبتها في منتجات رقمية جوالة عبر العالم بكل لغاته. ويعتقد محلل شؤون الشرق الأوسط أنّ هذه إضافة جديدة، خصوصاً أنّ إسرائيل تسعى للسيطرة على السردية الإعلامية بما يحفظ مصالحها، ويغطي على عملية الإبادة التي تحدث في فلسطين. وتابع لـ"حفريات" بأنّ هذا المحتوى الرقمي غير الرسمي بدأ في تجاوز الحرب الحالية نحو سؤال الحق التاريخي، وهو سؤال يسبب صداعاً لإسرائيل وقد يلفت نظر أجيال جديدة للسؤال الذي لطالما تم العمل على وأده، تطبيقاً لتكتيك إسرائيلي معهود وهو "دعونا نفتح صفحة جديدة وننسى آلام الماضي".

...

وكان من أبرز الأحداث الاحتجاجية على الحرب الإسرائيلية ضد غزة، ما أعلنه جوش بول، مدير مكتب شؤون الكونغرس والشؤون العامة في مكتب الشؤون السياسية والعسكرية بوزارة الخارجية الأمريكية، عن استقالته من منصبه بسبب طريقة تعامل إدارة الرئيس جو بايدن مع الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة.

وقال جوش بول في بيان على منصة  LinkedIn، إنه قرر الاستقالة بسبب خلاف سياسي مرتبط بـ "استمرار تقديم المساعدات الفتاكة لإسرائيل"

وأشار بول، إلى أنه " مضطر إلى تقديم الاستقالة"  لأنه كان غير قادر على الضغط من أجل "سياسة أكثر إنسانية داخل الحكومة الأميركية".

يرى الباز أنّ العوامل السابق ذكرها تتضافر للضغط على الموقف الأوروبي والأمريكي، للضغط على إسرائيل في الوقت الحالي، ليس لإيقاف القتل بقدر أن يكون القتل قانونياً.

أمر آخر يتعلق بالتحولات الإعلامية، هو حجم الأزمة الإنسانية غير المسبوقة في قطاع غزة، والتي تجاوزت المبررات المستندة إلى ما حدث بحق إسرائيل في اليوم الأول للحرب. أحد الأمثلة على تأثير ذلك على الإعلام الغربي، ما نشره موقع "سي إن إن" بالعربية عن القصف الإسرائيلي "يتضح أن الإنذارات التحذيرية من الجيش الإسرائيلي لا تضمن سلامة المدنيين في قطاع غزة المكتظ بالسكان، حيث لا يوجد للفلسطينيين مكان آمن للهروب من القنابل الإسرائيلية."

مواضيع ذات صلة:

كيف ستنتهي الحرب الإسرائيلية على غزة؟.. أبرز السيناريوهات

كيف توظف الحركات الإرهابية القضية الفلسطينية لصالح أجندتها؟.. دراسة تجيب

الصفحة الرئيسية