في غموض الموقف الغربي من جرائم الملالي

في غموض الموقف الغربي من جرائم الملالي

في غموض الموقف الغربي من جرائم الملالي


18/12/2022

فاروق يوسف

صارت وزارة الخارجية الإيرانية تستدعي سفراء الدول الغربية وهي تزعم أن دولهم تتدخل في الشأن الإيراني الداخلي. تلك كذبة يُراد من خلالها التغطية على موقف الرأي العام الدولي الذي دفعت مواقفه التضامنية مع الشعب الإيراني المانيا وإيسلندا إلى تقديم مشروع قرار امام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة نتجت عنه لجنة للتحقيق في قمع الاحتجاجات في إيران.

ما يريح النظام الإيراني أن يكون مستهدفا بالمؤامرات. تلك رواية تسليه وتملأ صدور وكلائه في المنطقة، حزب الله والحشد الشعبي والحوثيين فخرا، من خلالها يشعرون أنهم صاروا مرئيين بالنسبة لقوى "الاستكبار العالمي". تلك واحدة من أكبر الأكاذيب التي يُراد من خلال تمريرها وضع النظام الإيراني في مكان افتراضي. هو المكان الذي يكون فيه عدوا معلنا ورئيسا للغرب. وهو ليس كذلك إلا صوريا.

في حقيقة توجهاته فإن النظام الإيراني الذي يقوده مرشد الثورة يسعى لإقامة ولايات شيعية في المنطقة تابعة له. وهي ولايات شبيهة بالولايات العثمانية السابقة. ذلك ما لا يشكل خطا أحمر بالنسبة للقوى الغربية التي يهمها أن تستمر إيران في اداء دور الفزاعة التي تهدد أمن وسلام دول بعينها في المنطقة. غير أن وضع حقوق الإنسان في إيران هو ما يشكل نقطة إحراج لتلك القوى في مواجهة الرأي العام الأوروبي.

ولأن أوروبا غير مستعدة للتفريط بأمنها الداخلي فقد سعت إلى تهدئة الرأي العام الغاضب فيها بسبب آلية القمع السائدة في إيران التي يمارسها نظام كانت المجموعة الغربية ولا تزال تتفاوض معه من أجل انجاح اتفاق نووي يجنبه أضرار العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه ويحميه مستقبلا ويغطي على سياساته العدوانية في المنطقة. هناك شعور لدى الرأي العام الأوروبي أن هناك مكيدة تُدبر من أجل خروج ذلك النظام القمعي الذي يتزعمه رجل متخلف ينتمي إلى عصور ظلامية سالما مع الإبقاء والتصالح مع سياساته العدوانية التوسعية التي أنهت استقلال وسيادة أربع دول في منطقة الشرق الأوسط وتهدد أمن وسلامة دول أخرى.

في وقت ما كان الحديث يدور عن إيران باعتبارها دولة مارقة، واحدة من دول محور الشر. وبالرغم من أنها أكثر خطرا من كوريا الشمالية فإن الغرب أظهر مرونة في التعامل معها وظلت قنوات الاتصال بينه وبينها مفتوحة على الدوام. في ظل ذلك الانسجام الملتبس استمرت إيران في القبض على أشخاص غربيين من أصول إيرانية ومحاكمتهم بدعوى قيامهم بأعمال تجسسية. ولولا تسريبات وسائل الإعلام لما قال الغرب شيئا عن مصير أولئك الأشخاص. لا يمكن تفسير ذلك الموقف الصامت إلا من خلال العودة إلى استراتيجية أميركية ضحت بالعراق من أجل أن تعم الفوضى المنطقة. وهي خطة محكمة يُراد من خلالها تطويق المنطقة بالخطر.

فهل كان ذلك السلوك دعامة لحماية المصالح الغربية في منطقة ذات أهمية قصوى على صعيد تصدير الطاقة؟ لطالما اصطدمت الدول المهددة بالخطر الإيراني بغموض الموقف الغربي، الأميركي بشكل خاص من السياسات الإيرانية المزعزعة للأمن والسلام في المنطقة. حتى حين اصيبت المنشآت النفطية السعودية بصواريخ إيرانية فإن ذلك الموقف لم يرتق إلى مستوى ايجابي تشكل صرامته نوعا من الردع للنظام الإيراني الذي لم ينف مسؤوليته عما جرى.

على مستوى الداخل الإيراني كان الموقف الغربي مخيبا لآمال الشعوب الإيرانية التي صارت تعول على الرأي العام في أوروبا أكثر مما تنتظر موقفا من حكومات، تعرف أنها بشكل أو بآخر متواطئة مع الرغبة الأميركية في أن يكون الاتفاق النووي غطاء لحماية النظام الإيراني وحائطا يستند عليه ذلك النظام في الاستمرار بسياساته العدوانية التوسعية.  

كان لإيرانيي الشتات دور كبير في توعية الرأي العام في أوروبا إلى ما يشكله وجود نظام الملالي من خطر على السلام العالمي إضافة إلى ما يُرتكب داخل إيران من جرائم ضد الإنسانية وخرق مستمر لأبسط حقوق الإنسان وبالأخص في ما يتعلق بحقوق المرأة. ذلك ما دفع عددا من الحكومات الأوروبية إلى الخروج عن صمتها المريب وصارت تشير بإصبع الاتهام إلى نظام الملالي الذي اتخذ من ذلك ذريعة للحديث عن مؤامرة دولية تُحاك ضد جمهورية ظلامه.

ومع ذلك فإن غموض الموقف الرسمي الغربي من سياسات إيران العدوانية يظل مؤشرا سيئا يدل على أن النوايا المبيتة هي غير الخطوات التي صارت تُتخذ ضد النظام الإيراني بضغط مباشر من الرأي العام.

عن "ميدل إيست أونلاين"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية