كيف توظف الحركات الإرهابية القضية الفلسطينية لصالح أجندتها؟.. دراسة تجيب

كيف توظف الحركات الإرهابية القضية الفلسطينية لصالح أجندتها؟.. دراسة تجيب

كيف توظف الحركات الإرهابية القضية الفلسطينية لصالح أجندتها؟.. دراسة تجيب


26/10/2023

حذرت دراسة حديثة من مخاطر توظيف جماعات الإرهاب في العالم للصراع المشتعل اليوم بين حماس وإسرائيل كذريعة للانتشار وتوسيع العمليات في منطقة الشرق الأوسط، خاصة أنّ العديد من تلك الجماعات تتخذ من القضية ذريعة لممارسة نشاطها الإرهابي ضد بعض الدول العربية، في تناقض واضح للأهداف التي من المفترض أن تركز جهودها لنصرة الفلسطينيين. 

ووفق الدراسة الصادرة عن المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، للباحث صلاح وهبة، شكلت القضية الفلسطينية أحد المرتكزات الفكرية الأساسية للجماعات الإرهابية، نظراً لما تمثله من صراع وجودي قائم منذ عام 1948، وحتى اللحظة الراهنة، يحتل مكانة رمزية متقدمة لدى المواطن العربي؛ بسبب احتلال الأراضي الفلسطينية ومحاولات نزع الهوية عن المقدسات ومشاريع التهويد، فضلاً عن مشاعر الغضب بسبب الممارسات الإسرائيلية الوحشية عبر أعوام طويلة تجاه الفلسطينيين، وهو ما استغلته الجماعات الإرهابية بشكل مباشر سواء لتبرير أفعالها أو لتجنيد  المزيد من المقاتلين لديها.

توظيف القضية بهدف الاستقطاب؟ 

بحسب الدراسة، تُعدّ القضية الفلسطينية هي القضية المركزية لكل الشعوب العربية والإسلامية، انطلاقاً من تعلق المسلمين بالمسجد الأقصى المبارك ونضال الشعب الفلسطيني وما يتعرض له من قمع من الجانب الإسرائيلي، ممّا جعلها دوماً محل اهتمام وتضامن ودعم. 

لذلك ركزت التنظيمات الإرهابية المختلفة على إدراج القضية الفلسطينية ضمن خطابها الدعائي العام لتحقيق أهدافها المتعلقة بالتجنيد والحشد والدعم المادي. 

ووصل الأمر في بعض الأحيان إلى نسب الجماعات الإرهابية اسمها ليعبر عن دفاعها عن القضية، مثل (جماعة أنصار بيت المقدس)، على الرغم من أنّ هذه الجماعات لم تقدم شيئاً لخدمة القضية، ولم توجه سلاحها إلى الجانب الإسرائيلي على الإطلاق، بل على العكس كانت تنفذ إرهابها في مناطق نشاطها الجغرافي، وأسفرت عن سقوط المئات من الأبرياء، بحسب الدراسة.

بعض الجماعات المتطرفة تستخدم القضية الفلسطينية وسيلة لتجنيد الشباب للعمل تحت لوائها

وتشير الدراسة إلى أنّ الجماعات الإرهابية تستخدم القضية الفلسطينية في تجنيد الشباب للعمل تحت لوائها، عبر ترويج أفكارها واستراتيجيتها في التعامل مع القضية كمدخل رئيسي لإثارة عاطفة الشباب واستغلالهم تحت شعار تحرير الأرض المحتلة ونصرة المستضعفين، ومن ثم استقطابهم لاحقاً لساحات القتال في عدد من المناطق الجغرافية التي تكون بعيدة كل البعد عن القضية الفلسطينية أو استهداف الاحتلال الإسرائيلي.

يضاف إلى ذلك تحويل القضية من قضية وطنية إلى قضية صراع ديني، وإقناع المقاتلين أنّ المستهدفين، سواء العدو القريب أو البعيد، أو كانوا مسلمين أو غيرهم، فهم جميعاً يشنون حرباً على الإسلام والمسلمين، ويساعدون الاحتلال الإسرائيلي في جرائمه بأشكال مختلفة، فيتعمق لدى المجندين مفهوم العدو ويتسع من إسرائيل إلى سائر الدول التي تريد الجماعات وفقاً لنطاق عملها استهدافها، وتتجاهل مع الوقت القضية الفلسطينية لتصبح مجرد شعارات، ويكون الهدف النهائي هو تحويل القضية الفلسطينية من قضية وطنية إلى قضية صراع ديني، قائمة على استهداف الدول والأنظمة السياسية وتهديد استقرارها، وفق الدراسة. 

الإخوان وبداية استغلال القضية الفلسطينية

تذكر الدراسة أنّ جماعة الإخوان المسلمين التي نشأت في آذار (مارس) عام 1928 في مقدمة الجماعات التي استغلت القضية؛ وذلك لنشر أفكارها إلى خارج مصر على المستوى الإقليمي لتجنيد وضم المزيد من العناصر لها، انطلاقاً من محورية فلسطين لأيّ مواطن عربي، وعلى الرغم من تناول الجماعة للقضية الفلسطينية من خلال تحركات خارجية وداخلية لها وإفراد مساحات واسعة من إصداراتها الصحفية للحديث عنها، إلّا أنّ ذلك التناول تراجع بشكل نسبي في ضوء الضربات العنيفة المتوالية التي تلقتها منذ اغتيال مؤسسها حسن البنا وحتى خمسينيات القرن الماضي إبّان حكم الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر.

 شكلت القضية الفلسطينية أحد المرتكزات الفكرية الأساسية للجماعات الإرهابية، نظراً لما تمثله من صراع وجودي قائم منذ عام 1948، وحتى اللحظة الراهنة، يحتل مكانة رمزية متقدمة لدى المواطن العربي بسبب احتلال الأراضي الفلسطينية ومحاولات نزع الهوية عن المقدسات ومشاريع التهويد

حتى ظهرت إلى العلن كتب وأفكار القيادي الإخواني سيد قطب التي كانت بمثابة الإلهام وأحد أهم روافد الفكر الجهادي لاحقاً، وتم البناء عليها في التنظيمات الحديثة؛ إذ عمد قطب إلى تركيز القضية على أنّها صراع ديني بين المسلمين واليهود. 

وعلى سبيل المثال، قال قطب في كتابه (معركتنا مع اليهود) (ص 34): "لقد كانت الحرب التي شنها اليهود على الإسلام أطول أمداً، وأعرض مجالاً، من تلك التي شنها عليه المشركون والوثنيون، على ضراوتها، قديماً وحديثاً، إنّ المعركة مع مشركي العرب لم تمتد إلى أكثر من (20) عاماً في جملتها، وكذلك كانت المعركة مع فارس في العهد الأول، أمّا في العصر الحديث، فإنّ ضراوة المعركة بين الوثنية الهندية والإسلام ضراوة ظاهرة، ولكنّها لا تبلغ ضراوة الصهيونية العالمية". 

تأطير العنف ضد الأنظمة العربية

ولم تقتصر كتابات وأفكار سيد قطب، وفقاً للباحث، على تأطير القضية الفلسطينية ضمن الصراع بين الإسلام واليهود، وإنّما شملت كذلك تكفير المجتمعات المسلمة والأنظمة الحاكمة وجواز الخروج عليها، حيث قال في صفحة (17) من كتابه (معالم في الطريق) الذي أثر تأثيراً كبيراً في جماعات العنف: "نحن اليوم في جاهلية كالجاهلية التي عاصرها الإسلام أو أظلم... كل ما حولنا جاهلية... تصورات الناس وعقائدهم، عاداتهم وتقاليدهم، موارد ثقافتهم، فنونهم وآدابهم، شرائعهم وقوانينهم، حتى الكثير ممّا نحسبه ثقافة إسلامية، ومراجع إسلامية، وفلسفة إسلامية، وتفكيراً إسلامياً، هو كذلك من صنع الجاهلية".

جماعة الإخوان المسلمين التي نشأت في آذار عام 1928 في مقدمة الجماعات التي استغلت القضية

وكذلك قال في الكتاب نفسه في الصفحة رقم (158): "المسألة في حقيقتها هي مسألة كفر وإيمان، مسألة شرك وتوحيد، مسألة جاهلية وإسلام، وهذا ما ينبغي أن يكون واضحاً أنّ الناس ليسوا مسلمين كما يدّعون وهم يحيون حياة الجاهلية، وإذا كان فيهم من يحب أن يخدع نفسه أو الآخرين، فيعتقد أنّ الإسلام يمكن أن يستقيم مع هذه الجاهلية، فله ذلك، ولكنّ انخداعه أو خداعه لا يغير من حقيقة الواقع شيئاً، ليس هذا إسلاماً، وليس هؤلاء مسلمين".

وقد تمّ البناء على أفكار سيد قطب للمراحل التالية من الفكر "الجهادي"، إذ بنى محمد عبد السلام فرج  كتابه (الفريضة الغائبة) الذي مثل الإطار الفكري الأساسي لتنظيم الجهاد في مصر بعد أن اعتمد منذ نشأته عام 1966 على التناقل الشفهي بين أعضاء التنظيم وبعض كتب تفسير وفقه القرآن، ولكن جاء الكتاب الذي ألفه (فرج) بمثابة التأصيل الفكري والإيديولوجي والعقائدي لاستراتيجية التنظيم، وخاصة الجزء الخاص بإقامة الدولة الإسلامية وتكفير الحاكم.

العدو القريب 

تشير الدراسة إلى أنّه "انطلاقاً من هذه الأفكار، ظهرت نظريتا (العدو القريب) و(العدو البعيد)؛ تقوم النظرية الأولى على قتال الأنظمة السياسية واستهدافها بمختلف الطرق؛ نظراً لأنّها تعيق عمل هذه التنظيمات المتطرفة، وأنّ قتالهم أولى من قتال إسرائيل لأنّ تلك الأنظمة هي السبب في وجود الاستعمار في بلاد المسلمين على حدّ تعبيرهم، وأنّ القضاء على الاستعمار يتطلب في البداية القضاء على أعوانه في الدولة محل النشاط، وهذا لن يتحقق إلّا بقيام الدولة الإسلامية واستبدال الأنظمة السياسية الموجودة لتحلّ محلها أنظمة سياسية إسلامية، وأنّ الجهاد ليس تحرير الأرض المحتلة أو القدس، وإنّما يتمثل في اقتلاع الأنظمة السياسية كنقطة أولى. 

الجماعات الإرهابية المختلفة التي تضمّن القضية الفلسطينية في محتواها الفكري أو الإيديولوجي أو الإعلامي، تستغل القضية من منطلق أنّها تشكل حجر الزاوية لدى العرب، بوصفها قضية مركزية تحظى بتعاطف وتأييد كبير منذ نشأتها وحتى اللحظة؛ من أجل تحقيق مكاسب وقتية وتبنّي خطاب دعائي لتحقيق مصالحها 

وتشير نظرية (العدو البعيد) إلى مواجهة العدو البعيد المتمثل في الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وحلفائهما والحكام الموالين من حكام الشعوب العربية، وأنّ الاقتصار على العدو القريب في هذه المرحلة لن يجدي، لأنّه لا يمكن تأجيل الصراع مع العدو الخارجي انطلاقاً من أنّه لن يمنح الفرصة للتنظيمات العاملة في الجهاد الفرصة لهزيمة العدو القريب، وهو ما أكده أيمن الظواهري زعيم تنظيم (القاعدة) في كتابه (فرسان تحت راية النبي).

إدراة التوحش والتحول الاستراتيجي للتنظيمات الإرهابية

بحسب الدراسة، مثل كتاب (إدارة التوحش) الذي ألفه أبو بكر ناجي نقلة كبيرة في هذا الإطار؛ نظراً لأنّه يسعى للدمج بين النظريتين والعمل على قتال العدو القريب والانتقال إلى قتال العدو البعيد وصولاً إلى إقامة الدولة الإسلامية واستعراض الدروس المستفادة والأخطاء التي وقع فيها الجهاديون الأوائل لتلافيها في المراحل اللاحقة.

وبالنظر إلى وجود القضية الفلسطينية في صدارة البيانات التي تصدرها المنظمات الإرهابية، كأحد المسببات التي تسوقها هذه المنظمات لتبرير نشاطها الدموي، على الرغم من أنّها وسيلة بلا غاية، هدفها تحقيق أهداف التنظيم على الأرض واستعطاف الجماهير المتابعة لتجنيد أعداد إضافية من المقاتلين والحصول على المزيد من التمويلات. 

ويضيف: "نجد أنّ زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن قد صرح بعد أيام من هجمات 11 أيلول (سبتمبر)، والتي شكلت نقطة تحول نوعية في مسار هذه العمليات وما تبعها من تداعيات: "أمّا أمريكا، فأقول لها ولشعبها كلمات معدودة؛ أقسم بالله العظيم الذي رفع السماء بلا عمد لن تحلم أمريكا ولا من يعيش في أمريكا بالأمن قبل أن نعيشه واقعاً في فلسطين، وقبل أن تخرج جميع الجيوش الكافرة من أرض محمد، والله أكبر، والعزة للإسلام".

وأصدر تنظيم (داعش) الإرهابي عدداً من الإصدارات المرئية بشأن القضية الفلسطينية حملت عناوين مثل: "أرهبوا أهل اليهود يا أهل بيت المقدس، وأعيدوا الرعب إلى اليهود" وغيرها. 

وعقب قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بنقل السفارة الأمريكية في إسرائيل إلى القدس، دعا تنظيم (القاعدة) المسلمين إلى التحرك إلى القدس، وهو ما جاء في سياق التقرير نفسه الذي نشره تنظيم (داعش) في العدد رقم (109) من جريدة (النبأ) حول هذا الأمر، وهو ما جاء كذلك في سياق بيان حركة (حسم) الإرهابية التي دعت إلى إحياء الانتفاضة.

 أنشطة تلك الجماعات أضرت بصورة القضية الفلسطينية والعرب والمسلمين بشكل عام، وأسهمت في تشكيل حالات من عدم الاستقرار الأمني في عدد من دول المنطقة وتدميرها عبر الأعوام الماضية. 

وإجمالاً ترى الدراسة أنّ الجماعات الإرهابية المختلفة التي تضمّن القضية الفلسطينية في محتواها الفكري أو الإيديولوجي أو الإعلامي، أنّها تستغل القضية من منطلق أنّها تشكل حجر الزاوية لدى العرب، بوصفها قضية مركزية تحظى بتعاطف وتأييد كبير منذ نشأتها وحتى اللحظة؛ من أجل تحقيق مكاسب وقتية وتبنّي خطاب دعائي لتحقيق مصالحها. 

ويتابع: "ذلك على الرغم من أنّ أنشطة تلك الجماعات أضرت بصورة القضية الفلسطينية والعرب والمسلمين بشكل عام، وأسهمت في تشكيل حالات من عدم الاستقرار الأمني في عدد من دول المنطقة وتدميرها عبر الأعوام الماضية، وكذلك يؤكد ما سبق استعراضه أنّ بقاء القضية الفلسطينية دون حل عادل يوفر مناخاً نموذجياً لتلك المنظمات في تكرار حالات عدم الاستقرار والعمليات الإرهابية التي قد تطال أيّ دولة في العالم."

مواضيع ذات صة:

الإخوان المسلمون: انشقاقات في تونس ومتاجرة بالقضية الفلسطينية في المغرب

إخوان المغرب والقضية الفلسطينية.. مزايدات لا تنتهي




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية