تحالف استخباراتي بين أوروبا وشمال إفريقيا.. تونس وليبيا في قلب الحرب على الإرهاب

تحالف استخباراتي بين أوروبا وشمال إفريقيا.. تونس وليبيا في قلب الحرب على الإرهاب

تحالف استخباراتي بين أوروبا وشمال إفريقيا.. تونس وليبيا في قلب الحرب على الإرهاب


08/05/2025

يشهد التعاون بين الاتحاد الأوروبي ودول شمال إفريقيا، وعلى رأسها تونس وليبيا، تطورًا لافتًا في السنوات الأخيرة، مدفوعًا بتصاعد التحديات الأمنية المشتركة، في إطار سعي الطرفين إلى التصدي لمخاطر الإرهاب العابر للحدود، وموجات الهجرة غير النظامية التي باتت تهدد استقرار الضفتين.

وقد فرضت التحولات الجيوسياسية، والانفلات الأمني في بعض مناطق شمال إفريقيا، واقعًا جديدًا تطلب تعزيز الشراكات الأمنية والاستخباراتية، وفتح قنوات دعم لوجستي وتقني لمراقبة الحدود.

ورغم التقدم المسجل في بعض المجالات، لا تزال التحديات قائمة، مما يدفع الجانبين إلى إعادة النظر في آليات التعاون المشترك، بما يضمن مقاربة شاملة تأخذ في الاعتبار الأسباب العميقة للظاهرة وتوازن المصالح، وهو ما سلطت عليه الضوء دراسة حديثة للمركز الأوروبي لمكافحة الإرهاب والاستخبارات، بعنوان  لاتحاد الأوروبي وشمال إفريقيا – آفاق التعاون في مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية.

الاتحاد الأوروبي و تونس وليبيا ـ ديناميات العلاقات الدبلوماسية ما بعد 2011

الدراسة لفتت إلى أن ليبيا وتونس تعتبران شريكتين استراتيجيتين للاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية، حيث يشكلان دوراً محورياً في تحقيق الاستقرار في منطقة البحر المتوسط وفي تحقيق استراتيجية الاتحاد الأوروبي المتعلقة به. 

وتشهد العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ودول شمال إفريقيا لا سيما تونس وليبيا، تطوراً مستمرا، من خلال سلسلة من التعاون في العديد من المجالات، أبرزها المجال الأمني والاقتصاد والهجرة الغير شرعية.

الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء يقوم بالاستعانة بدول مثل تونس وليبيا من أجل مراقبة الحدود وحماية اللاجئين في وسط البحر المتوسط

 

لكن في ليبيا، تتزايد مخاوف الاتحاد الأوروبي، بحسب الدراسة، من توسع نفوذ روسيا في ليبيا بعدما أشارت تقارير استخباراتية أن عدد القوات الروسية في ليبيا ارتفع من (800) جندي في شباط / فبراير 2024 إلى (1800) جندي بحلول أيار / مايو من العام 2024.

تزايد هذا النفوذ يراه مراقبون تحديا أمنيا جديدا على مستوى الحدود المشتركة بين تونس وليبيا. حيث يتزايد التركيز الروسي على ليبيا كقاعدة جديدة للعمليات عقب سقوط نظام “بشار الأسد” في سوريا، وسط مخاوف في تونس من التداعيات الأمنية لتواجد “مرتزقة فاغنر” في الدولة المجاورة.

تخضع العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وجيرانه المباشرين  لسياسة الجوار الأوروبية (ENP) في هذا الإطار، ومع تقدم العملية الانتقالية في ليبيا، يتحول تركيز مساعدات الاتحاد الأوروبي بشكل متزايد نحو الاحتياجات طويلة الأجل. 

دعمت بعثة الاتحاد الأوروبي المتكاملة للمساعدة الحدودية “يوبام ليبيا” السلطات الليبية في جهودها لتفكيك شبكات الجريمة المنظمة والإرهاب. وتعمل البعثة مع السلطات الليبية في إدارة الحدود، وإنفاذ القانون، والعدالة الجنائية، وتُسهّل تنسيق جهود المانحين في هذه المجالات. 

أما في تونس، فقد اتفقت رئيسة المفوضية الأوروبية “أورسولا فون دير لاين”، ورئيسة الوزراء الإيطالية “جورجيا ميلوني” ورئيس الوزراء الهولندي السابق “مارك روته”، إلى جانب الرئيس التونسي “قيس سعيد” على تنفيذ حزمة الشراكة الشاملة التي تم الإعلان عنها بشكل مشترك في 11 حزيران / يونيو 2023.

تغطي مذكرة التفاهم خمسة محاور رئيسية أهمها الهجرة. يتم تنفيذها من خلال مختلف مسارات التعاون بين الاتحاد الأوروبي وتونس، وفقًا للأنظمة والإجراءات المعمول بها.

اتفقت رئيسة المفوضية الأوروبية “أورسولا فون دير لاين”، ورئيسة الوزراء الإيطالية “جورجيا ميلوني” ورئيس الوزراء الهولندي السابق “مارك روته”، إلى جانب الرئيس التونسي “قيس سعيد” على تنفيذ حزمة الشراكة الشاملة التي تم الإعلان عنها بشكل مشترك في 11 حزيران / يونيو 2023

دور تونس وليبيا في الاستراتيجية الأوروبية تجاه إفريقيا والبحر المتوسط

ووفق ما جاء في الدراسة، فإن الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء يقوم بالاستعانة بدول مثل تونس وليبيا من أجل مراقبة الحدود وحماية اللاجئين في وسط البحر المتوسط. وقد أشاد الاتحاد الأوروبي بـ”التعاون الجيد” مع تونس بشأن الحد من تدفق المهاجرين غير الشرعيين.

وقد شددت مفوضة الشؤون الداخلية بالاتحاد الأوروبي السبقة “إيلفا يوهانسون” على الانخفاض الحاد في عدد المهاجرين العابرين من تونس بينما يتزايد عدد المهاجرين من ليبيا. حيث شهد انخفاضًا بنسبة تقارب 80-90% في عدد المغادرين من تونس، حسبما صرحت المفوضة السويدية. 

الجماعات المتطرفة في تونس وليبيا وتأثيرها على الأمن الأوروبي

هذا وأشارت الدراسة إلى أن دولتا تونس وليبيا شهدتا تراجعًا ملحوظًا في أنشطة الجماعات المتطرفة والهجمات الإرهابية بشكل عام على مدى السنوات الخمس الماضية، وبالرغم من ذلك، لا تزال الدولتان تواجهان عددًا من التحديات المتعلقة بالتطرف العنيف. 

وفي تفصيل الدراسة، فإن الجماعات المتطرفة والجهادية في تونس تمر حالياً في أحلك حالاتها منذ ثورة عام 2011 التي أطاحت بالرئيس الراحل زين العابدين بن علي، ووفرت لاحقاً مجالاً أمام تنامي الجهادية في تونس

فقد برزت جماعة “أنصار الشريعة ” في تونس وبعدها ظهر تنظيم “داعش” ومن ثم “كتيبة عقبة بن نافع” كأبرز هذه الحركات في تونس.  وفي حين لا تزال خلايا تنظيم “داعش” و “كتيبة عقبة بن نافع” ناشطةً بشكل خافت، لا سيما في المناطق الجبلية النائية الواقعة على الحدود التونسية -الجزائرية، إلّا أن مستقبل الجهادية التونسية يتبلور إلى حدٍّ كبير داخل السجون التونسية.

دولتا تونس وليبيا شهدتا تراجعًا ملحوظًا في أنشطة الجماعات المتطرفة والهجمات الإرهابية بشكل عام على مدى السنوات الخمس الماضية

وقد شهدت تونس بين سنتي 2012 و2015 عمليات إرهابية متتالية، وهي عبارة عن معارك متقطّعة وتفجيرات بالألغام وكمائن في المرتفعات الغربية، ومنها جبل الشعانبي، ومواجهات بعدد من المناطق الأخرى على غرار أحداث قبلاط وسيدي علي بن عون عام 2013، والهجومين على متحف باردو ونزل “امبريال” سوسة وتفجير حافلة الأمن الرئاسي بالعاصمة  2015، لكن قوات الأمن والجيش حققتا انتصارات هامة ونوعية في حربها على الإرهاب.

أما ليبيا، فتعيش منذ اندلاع الأزمة السياسية في عام 2011، في دائرة مغلقة من الفوضى السياسية والانقسامات الأمنية، مما جعلها أرضًا خصبة للتنظيمات الإرهابية التي وجدت في الفراغ السياسي بيئة مثالية إلى اتخاذ ليبيا مقراً لها، واتخاذها كنقطة انطلاق لتنفيذ عملياتها الإرهابية سواء داخل ليبيا أم باتجاه دول الجوار في منطقة المغرب العربي وشمال إفريقيا.

ولا تزال حالة الفراغ السياسي والأمني التي تعاني منهما ليبيا حتى الآن دافعاً رئيسياً لبعض التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها داعش للتخطيط لتصعيد أنشطتها هناك، وفقا لما جاء في الدراسة.

ومع صدور تقرير مؤشر الإرهاب العالمي 2025، احتلت ليبيا المرتبة (53 )عالميًا، فيما أظهر التقرير أن البلاد ما زالت بيئة غير مستقرة للإرهاب، حيث تشهد مناطق الجنوب نشاطًا متزايدًا للجماعات المتطرفة مما يعكس واقعًا أمنيًا هشًا رغم المحاولات المتكررة لاحتواء خطر الإرهاب.

تهديد الجماعات المتطرفة في ليبيا وتونس على أمن أوروبا

هذا وأكدت الدراسة أن تداعيات تنامي الجماعات المتطرفة والإرهابية في ليبيا وتونس، من تصاعد تدفقات الهجرة غير الشرعية غير الخاضعة للرقابة من وإلى البلاد وكذلك انتشار شبكات الإتجار المسلحة، أدت إلى ظهور آثار غير مباشرة ليس فقط على الدول المجاورة ولكن شمال وجنوب المتوسط بأكمله. 

تنامي الجماعات المتطرفة والإرهابية في ليبيا وتونس، من تصاعد تدفقات الهجرة غير الشرعية غير الخاضعة للرقابة من وإلى البلاد وكذلك انتشار شبكات الإتجار المسلحة

لتصبح التحديات الأمنية في ليبيا مفهوماً غير قابل للتجزئة تؤدي بآثار مباشرة وغير مباشرة على الترابط بين الأمن الأوروبي والمتوسط.

ويمثل التهديد الرئيسي بزيادة معدلات الهجرة غير الشرعية من شمال أفريقيا إلى الدول الأوروبية، خاصة وأن داعش في ليبيا متورط مع عصابات تهريب المخدرات والبشر في منطقة الساحل والصحراء عبر دول المغرب العربي وصولاً إلى الدول الأوروبية؛ وبالتالي تهديد الأمن القومي للدول الأوروبية بشكل مباشر.

تشير تقارير المنظمات المعنية بالهجرة غير القانونية إلى أن ليبيا احتلت المرتبة الأولى في عدد المهاجرين القاصدين إيطاليا منذ بداية العام  2025، فيما تشير البيانات تسجيل  (19,245)  مهاجرا وصل إلى أوروبا انطلاقا من السواحل التونسية خلال العام 2024، مع انخفاض بنسبة (80%) من (97.667 ) مهاجرا في 2023  بفعل الإجراءات الحكومية التونسية لمواجهة الهجرة غير الشرعية.

ووفقًا لتقرير صدر عن اليوروبل  ينقسم التهديد الإرهابي الذي تشكله الجماعات المتطرفة والإرهابية والمنطلقة من ليبيا، إلى شقين نظرا لوضعها كدولة عبور رئيسية للهجرة إلى أوروبا: أولاً، حدد تنظيم داعش في ليبيا إمكانية التسلل عبر مسارات المهاجرين إلى أوروبا واستغلال هذا الدخول غير القانوني لتمكين الأفراد المتطرفين من تنفيذ هجمات في أوروبا، نيابة عنه أو الانخراط في أنشطة تخريبية أخرى، مثل نشر الدعاية أو جمع الأموال. 

الجماعات المتطرفة والجهادية في تونس تمر حالياً في أحلك حالاتها منذ ثورة عام 2011 التي أطاحت بالرئيس الراحل زين العابدين بن علي

 ثانيا، يمتلك داعش في ليبيا إمكانية وصول شبه وشبكة إلى أشخاص غالبا ما يكونون عرضة للخطر في جنوب ليبيا (معظمهم مهاجرون في طريقهم إلى أوروبا)، وهو ما يمثل إمكانية تجنيدهم وإرسالهم إلى أوروبا. اللجوء والهجرة غير الشرعية في الاتحاد الأوروبي وتداخلها مع التطرف والإرهاب (ملف)

آليات التعاون بين الاتحاد الأوروبي وتونس وليبيا بشأن الهجرة غير الشرعية

ولطالما كانت الهجرة غير الشرعية قضية شائكة في مناقشات دول الاتحاد الأوروبي على مدار العقد الأخير، حيث بدأ التكتل الأوروبي، بحسب الدراسة، في البحث عن حلول لمواجهة هذه الأزمة التي تتفاقم مع تصاعد الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية عالمياً، وتحول الاهتمام إلى دول عبور المهاجرين من أفريقيا إلى أوروبا وتحديداً تونس وليبيا، ما يفسر الاتفاقيات التي أبرمت مع دول الاتحاد والبلدين، خاصة وأن الهجرة غير الشرعية باتت تمثل عبئاً على هاتين الدولتين في ظل أزمات اقتصادية وأمنية متتالية.

فالاتحاد الأوروبي يحرص على إبرام اتفاقيات متعددة مع تونس، لتغطية كافة جوانب أزمة الهجرة غير الشرعية، تتمثل في وضع آليات للمساءلة في حالة حدوث انتهاكات لحقوق الإنسان للمهاجرين أثناء إعادتهم لبلدانهم، والتركيز على الجانب الأمني بتعزيز الحدود، وتخصيص تمويل لدعم أنظمة الحماية والمساعدة للمهاجرين المعرضين للخطر بتونس.

ونظراً للانتقادات التي توجه لسياسات الاتحاد الأوروبي وتونس حول إجراءات التصدي للهجرة غير الشرعية، اعتمد التكتل الأوروبي السنوات الماضية نهجا لمساندة تونس في هذا الإطار وفقاً للقوانين الدولية. 

وتتمثل السياسات في تحليل قانوني لجميع الآليات المستخدمة للحد من الهجرة، واعتماد مقابلات مع خبراء في مجال الهجرة واللجوء، وإشراك برلمانيين وصانعي قرار من منظمات دولية ومحلية، لتقيم الإجراءات الأمنية والقانونين بشأن المهاجرين.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية