"داعش" وإفريقيا

"داعش" وإفريقيا

"داعش" وإفريقيا


19/03/2023

عصام عبدالفتاح

فى دراسة موثّقة أعدها مركز الدراسات الأمنية التابع لمعهد الدراسات الدولية بباريس عام 2019 حول مستقبل الحركات الجهادية، مع التركيز على مسألة الخلافة بين القاعدة وداعش، يتساءل مؤلفا الدراسة «مارك هيكر» و«إيل تينباوم» عما يخطط له تنظيما داعش والقاعدة بعد الخسائر المتلاحقة التى منيا بها فى العراق وسوريا والأراضى المحيطة بهما فى القارة الآسيوية.

بالإضافة إلى ما قد لاحظه المراقبون والخبراء من أن قدرة التنظيم الداعشى على التخطيط وشن المزيد من الهجمات الإرهابية فى أوروبا بدأت تتقلص تدريجيا.. فهل معنى ذلك أن تنظيم داعش سيختفى تدريجيًا من الوجود بسبب ما تلقاه من ضربات أمنية مؤثرة على قدراته، أم أن التنظيم الجهادى لا يمكن هزيمته؟!.

لئن كان تنظيم القاعدة قد بدأت قواه تخور تدريجيا فى استكمال مشروعه الجهادى، فإن الأمر مختلف تماما فيما يرى الباحثان بشأن تنظيم داعش.. ومرد ذلك فى رأيهما أن هذا التنظيم منذ هجمات 11 سبتمبر 2001 أظهر قدرة كبيرة على الصمود وتجديد قواه والانتشار والتنوع فى جميع الأنحاء وفى تطوير أساليبه العملياتية، فمثلا تتسم الاستراتيجية التى ينتهجها داعش فى توجيه ضرباته إلى المدن الأوروبية بشن هجمات قصيرة متفاوتة فى الحجم والقوة داخل الدول الأوروبية.

بهدف استفزاز حكوماتها ودفعها إلى القيام بردود أفعال واسعة النطاق على التنظيم الإرهابى فى معاقل وجوده، أى فى مناطقه الوعرة، حيث تعجز قواتها عن مطاردة مقاتلى التنظيم، بل تُمنَى فيها بخسائر فادحة فى الأرواح والمعدات بسبب جهلها وعدم خبرتها بالطبيعة الجغرافية المعقدة لهذه المناطق، وبخاصة الأماكن الخفية التى يكمن بها مقاتلو التنظيم.

وإذا كان ثمة تنافس محموم بين الدول الكبرى فى التقرب من الدول الإفريقية والظفر بنصيب الأسد فى استغلال مواردها، فمما لا شك فيه أن إفريقيا قد أمست أيضا فى نظر داعش الأرض المُثلى لإقامة دولة الخلافة.

ليس فحسب بسبب تضاريسها التى تكفل لأفرادها وسائل التخفى والكمون ولكن أيضا بسبب ما تهيئه له من عوامل ملائمة لتنفيذ مخططاته، بدءا من فقر شعوبها وانتشار المجاعات وغياب التعليم، مرورا بالعنف واختطاف الأطفال والنساء والصراعات المسلحة بين الطوائف والميليشيات، وانتهاء بالانقلابات العسكرية المتواصلة وسهولة التأثير على الرموز السياسية واستقطابها إلى الفكر الأصولى.

ولئن حاولت فرنسا وحلفاؤها المحليون فى القارة والجماعة الدولية التخلص من التيار الجهادى فى بعض بلادها مثل: مالى والشريط الصحراوى الساحلى، فقد منيت بفشل ذريع فى مهمتها، الأمر الذى حدا ببعض الدول الإفريقية إلى التخلص من الوجود الفرنسى على أرضها والاستعانة بقوى دولية أخرى.

والدرس المهم الذى يستخلصه الباحثان بشأن صعوبة القضاء على الأصوليين الإرهابيين فى إفريقيا كما يحدث فى مالى ووسط إفريقيا على سبيل المثال هو أنهم استطاعوا أن يؤمّنوا لأنفسهم وجودا مستقرا راسخا نسبيا بفضل علاقاتهم الوثيقة بأطراف عديدة متنوعة مثل الجماعات المسلحة الموقعة على اتفاقية الجزائر.

بل ببعض حكومات دول الجوار التى تبنت فى تعاملها معهم ازدواجية كبيرة فى مواقفها إن لم يكن تسامحا كبيرا مع الداعشيين استثمروه فى التمدد وفى الاستفادة إلى أقصى حد من جرائم التهريب والاتجار فى البشر المنتشرة فى المناطق التى استقروا بها واتخذوا منها قاعدة انطلقوا منها لشن هجمات إرهابية مروعة على العواصم الإفريقية، مثل: نجامينا وباماكو واجادوجو.

وفى تقرير مهم عرضه أمام مجلس الأمن خبيران فى الإدارة التنفيذية للجنة مكافحة الإرهاب التابعة للأمم المتحدة حول الإمكانيات المادية لتنظيم داعش فى مواصلة عملياته، ذهبا إلى أن التنظيم يعتمد فى الحصول على الأموال على مصدرين أساسيين: أولهما جرائم الابتزاز والخطف مقابل الفدية والتهريب وفرض الإتاوات. وثانيهما تكنولوجيا المعلومات التى امتلك ناصيتها وأجاد استخدامها بمهارة.

إذ تمكن من استغلالها فى جمع كميات هائلة من الأموال عبر وسائل التواصل الاجتماعى ومنصات الألعاب الإلكترونية، كما استعان بوسائل التواصل غير الرسمية غير المسجلة فى تحويلاته المالية. والأخطر من ذلك تمكُّنه من الحصول على أنظمة طيران دون طيار. فكيف ستواجه إفريقيا الأصولية التى تهدد شعوبها؟.

عن "المصري اليوم"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية