
مع تقدم الجيش السوداني وتحقيق الانتصارات، سرعان ما بدأ صراع الفصائل والميليشيات يظهر على السطح، خاصة من خلال صفحات "السوشيال ميديا"، بين مجموعات "القوات المشتركة" المكونة أساساً من حركات دارفور المسلحة، وقوات "درع السودان" التي تمددت في منطقتَي شرق وغرب الجزيرة حتى غطت على ما عداها، ومجموعات الكتائب الإسلامية "جماعة الإخوان المسلمين" التي أحست بوجود منافسة مبنية على الأساس القبلي والمناطقي تحدّ من تمددها في المناطق المختلفة.
وبحسب صحيفة (الشرق الأوسط) فقد تحولت الانتقادات بين تلك الميليشيات إلى اتهامات بالفساد وارتكاب الجرائم والتصفيات، ووصلت إلى مرحلة تبادل اتهامات الخيانة والعمالة. وتزامن ذلك مع تبنّي رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان وأركان الحكومة لما يُعرف بـ "خريطة الطريق" لمرحلة ما بعد الحرب، التي أعدتها قوى سياسية ومسلحة متحالفة، دون إشراك الحركة الإسلامية "جماعة الإخوان المسلمين" في إعدادها.
وتضمن "الخريطة" للبرهان حكماً مطلقاً خلال فترة انتقالية قادمة، رأت فيها بعض الفصائل إنكاراً لدورها في الحرب، وتعزيزاً لدور ميليشيات أخرى سيعتمد عليها قائد الجيش لتوفير حماية له من الميليشيات الإخوانية التي ترتكب يومياً جرائم وفظائع تدرج تحت بند "جرائم يرتكبها الجيش السوداني".
بدوره قال الكاتب السياسي فيصل محمد صالح: إنّه منذ بداية الحرب أعلنت الحكومة الاستنفار، وكان المفهوم هو قبول متطوعين من المدنيين للالتحاق بالجيش. وفعلاً بدأ هذا العمل في عدد من الولايات، لكن في الوقت ذاته ظهرت "كتيبة البراء بن مالك" التابعة للحركة الإسلامية، وبدأت من جانبها فتح باب التجنيد وسط الشباب، واتخذت لنفسها شعاراً وراية مختلفين، وأدبيات مستوحاة من تاريخ جماعة الإخوان وفصائلها المسلحة في العهد الماضي، ثم أعلنت حركات دارفور المتحالفة مع الحكومة تخليها عن الحياد وانضمامها لصفوف الجيش، مع فتح معسكرات للتجنيد والتدريب داخل وخارج السودان، وبالتحديد في دولة إريتريا المجاورة، ثم ظهرت (5) فصائل من شرق السودان فتحت معسكراتها في إريتريا وبدأت بتخريج المتطوعين. وكان الملمح الظاهر لكل هذه المجموعات المسلحة، بما فيها حركات دارفور وشرق السودان، هو الطابع القبلي للحشد والتعبئة والتجنيد.
وأضاف صالح في مقالة نشرها عبر صحيفة (الراكوبة) تحت عنوان: "هل دخل السودان عصر الميليشيات؟" أنّ التحذيرات تتردد من دوائر كثيرة، ليست فقط بين المجموعات المدنية التي وقفت ضد الحرب، ولكن حتى من بين صفوف السلطة والقوات المسلحة، واتفقت كلها على أنّ تمرد ميليشيا لا يمكن محاربته بتكوين (20) ميليشيا أخرى لا تخضع بشكل مباشر لسلطة القوات المسلحة، وإنّما لسلطة القبيلة.
البرهان يعزز دور ميليشيات سيعتمد عليها قائد الجيش لتوفير حماية له من الميليشيات الإخوانية التي ترتكب يومياً جرائم وفظائع.
بدوره قال السياسي والكاتب السوداني صلاح شعيب: إنّه بعد عامين من الحرب انتهى الجيش الذي يسيطر عليه المؤتمر الوطني (الحركة الإسلامية ـ جماعة الإخوان المسلمين) إلى تفريخ أكثر من دستة من الميليشيات، وضمها إليه لتعمل تحت قيادة البرهان ـ علي كرتي.
وأضاف شعيب في مقالة له نشرها عبر صحيفة (التغيير) السودانية تحت عنوان: "الإسلاميون وراء تغذية النزاع بين كيكل والحركات": الآن بدأت بوادر حرب كلامية بين قوات درع الوطن التي يقودها أبو عاقلة كيكل وحركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، وتسهم في تأجيج الفتنة بينهما منصات إعلامية منحازة لهذا الطرف أو ذاك. فضلاً عن ذلك فإنّ هذا التنازع له منحازون من أطراف أخرى تؤيد استمرار الحرب، ولديها انتماءات إسلاموية، ومناطقية، وعسكرية.
وتابع الكاتب: "الحقيقة أنّ الميليشيات الداعمة للجيش لم تخض الحرب بدافع القناعة بمصطلح ومضمون "حرب الكرامة"، وإنّما خاضتها لتعزز أهدافها المتصلة بالإيديولوجيا، والقبلية، والمناطقية، والانتهازية؛ ولهذا السبب وجد البرهان فرصته كقائد ظاهر للجيش ليراوغ بها من أجل الوصول إلى أهدافه في الحفاظ على حكم البلاد بعون مؤيديه من الإخوان المسلمين.
وأكد شعيب أنّ تعدد الأجندات وسط هذه الميليشيات سوف يخلق صراعات أعمق ممّا نشاهد بوادرها الآن، كلما غاصت الحرب في التصعيد، أو فقدت قوات الدعم السريع مناطق سيطرتها نتيجة الدعم اللوجستي الذي يتلقاه الجيش من عدة دول.
وتابع شعيب: "محللون سياسيون، وخبراء عسكريون، أشاروا إلى أنّ تكرار الجيش أخطاء تبنّي الميليشيات الجاهزة في ظل ضعف تجنيده للمقاتلين سوف يعيد في كل مرة التجربة الماثلة أمامنا: حرب قوات الدعم السريع على القوات المسلحة، لكنّ مخاطر تكثيف الجيش لميليشياته سيولد في المستقبل أكثر من حرب بين الجيش وهذه الميليشيات التي يحتضنها بكل ما لديها من أهداف، ليس من بينها وضع السلاح أرضاً في حال انتهاء الحرب بأيّ كيفية. فبعض قادة الميليشيات الداعمين للحرب ينتظر أن تكون المكافأة اقتسام السلطة، والثروة، والنفوذ، وبعض منها ينتظر التخلص من البرهان نفسه، وهناك بعض آخر ربما يفكر في التخلص من البرهان، وميليشياته جميعها، ليتسنى له حيازة كامل الدولة.
وبيّن شعيب أنّ البرهان، والمؤتمر الوطني والإسلاميين، كانوا يفضلون مصالحهم على مصالح الوطن، ولذلك تآمروا على فكرة دمج قوات الدعم السريع، حتى وقعت الطامة الكبرى التي تمثلت في أنّ قوات الدعم خرجت عن سيطرة الجيش. وهذا ما كان ليحدث لولا أنّ القائد الأعلى للجيش نفسه سحب المادة (5) التي جعلت من قوات الدعم السريع جهة اعتبارية مستقلة بذاتها.
وختم شعيب مقالته بالقول: "النزاع المكبوت حتى الآن بين درع الوطن والحركات المسلحة المساندة للحرب علامة على مستقبل قاتم ينتظر السودانيين بسبب الجهة التي أشعلت الحرب: المؤتمر الوطني المنحل (الحركة الإسلامية). وإننا نتوقع أنّه إذا سارت الأمور على هذا المنوال، فإنّ الحرب ستتحول إلى حروب فرعية تستقطب المزيد من الداعمين من المكونات العرقية، وعندئذٍ سيكون أغلب الإسلاميين قد نجحوا تماماً في تفريق دم إجرامهم على قبائل السودان جميعها. أو لم يعترف البرهان بأنّهم صنعوا كيكل قبل الحرب؟."