الصراع القبلي يهدد السودان... دراسة حديثة ترصد تداعيات خطيرة

الصراع القبلي يهدد السودان... دراسة حديثة ترصد تداعيات خطيرة

الصراع القبلي يهدد السودان... دراسة حديثة ترصد تداعيات خطيرة


27/12/2022

حذّرت دراسة حديثة من تداعيات خطيرة لأزمة تفاقم الصراع المسلّح في منطقة النيل الأزرق  على السودان، في ضوء اتساع رقعة الاشتباكات المسلحة بين القبائل، وتوسع عمليات القتل والحرق إلى معدلات غير مسبوقة منذ تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، فيما تتنامى التحذيرات الإقليمية والدولية من احتمال وصول نيران الصراع إلى قلب العاصمة الخرطوم، وهو ما يمثل تعقيداً مضاعفاً لأزمة التوتر الأمني والسياسي التي تعيشها البلاد.

وبحسب الدراسة الصادرة عن المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية، تحت عنوان: "تداعيات خطيرة: مستقبل السودان في ظل تطورات الصراع في النيل الأزرق"، تجدد الصراع القبلي في الجزء الشمالي من ولاية النيل الأزرق مرة أخرى، في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، بين كل من الهوسا من جهة، وبيرتا والهمج والأنقسنا من جهة أخرى.

 وأصبح التوتر يسود المنطقة المتاخمة للحدود الإثيوبية، مع اتساع رقعة عمليات القتل والحرق للمناطق السكانية والتجارية والزراعية، وهو العنف الذي تمدد ليشمل العديد من المناطق، كالروصيريص، ود الماحي، قيسان، الدمازين.

وجاءت تلك الاشتباكات بعد سلسلة من أعمال عنف قبلي منذ تموز (يوليو) 2022، بين قبيلة "الهوسا" وجماعات قبلية أخرى؛ بسبب خلافات على أحقية قيام إدارة أهلية في المنطقة التي تضم أكثر من (8) مجموعات قبلية أخرى.

طوارئ وتعزيزات أمنية

من جانبها، أعلنت المؤسسة العسكرية ولاية النيل الأزرق حالة الطوارئ، وفرضت قيوداً على حركة التنقل بين مدينة الدمازين وود الماحي، وانتشاراً كثيفاً لأجهزة الدولة الرسمية في المنطقة لنزع فتيل الوضع الذي ما يزال متوتراً، ولا يمكن التنبؤ به مع احتمال وقوع هجمات انتقامية في أيّ وقت، بحسب ما أوردته الدراسة.

 تداعيات خطيرة

وقد شكلت لجنة تقصي حقائق للنظر في الاشتباكات، في ظل الانتشار العسكري في المناطق التي تشهد اقتتالاً قبليّاً، وأعطت القوات المسلحة أوامرها لقوات الأمن بصلاحيات كاملة لوقف الاقتتال العرقي، وفرض سيادة وهيبة الدولة في الولاية المضطربة.

كما جرى أيضاً تعيين اللواء الركن ربيع عبد الله آدم في منصب قائد منطقة النيل الأزرق العسكرية، ضمن محاولات لاستعادة زمام الأمن في الإقليم من أجل تحقيق الاستقرار والسلام، وفرض هيبة الدولة وتعزيز سيادة حكم القانون بولاية النيل الأزرق.

وحالياً تسود ولاية النيل الأزق حالة هدوء حذر، بعد وصول تعزيزات عسكرية وأمنية بغرض فرض الأمن ونزع فتيل التوتر القبلي منذ تموز (يوليو) الماضي، لكن ما تزال آثار العنف تستحوذ على المشهد، كما أنّ تداعياته تنذر بمخاطر عديدة.

ما أسباب تجدد الصراع القبلي في منطقة النيل الأزرق؟

يُعرّج الباحث المختص في الشؤون الأفريقية صلاح خليل في دراسته على مجموعة من الأسباب التي أدت إلى تفاقم أزمة الصراع في منطقة النيل الأزرق مجدداً، لعلّ أبرزها تغير المناخ، وضعف الوضع الاقتصادي، والظروف الأمنية الهشة، فضلاً عن استمرار حالة الانقسام السياسي وما نتج عنها من صراعات.

اتساع رقعة الصراع في النيل الأزرق أدى إلى تطور كمّي ونوعي في مؤشرات العنف؛ ممّا أصاب الحياة العامة في المنطقة بشلل تام، مع تفلتات مسلحة خاصة في المناطق الشمالية

وبحسب خليل، تعرّض السودان بشدة لتداعيات تغير المناخ، كواحد من دول العالم والبلدان الأقل نمواً والأكثر تعرضاً للطقس غير المستقر، والفيضانات المتكررة، وارتفاع درجات الحرارة، وتقلب هطول الأمطار والجفاف، والممارسات الزراعية غير المستدامة، وندرة الموارد الطبيعية، وهو أحد أهمّ الأسباب وراء الصراعات في النيل الأزرق.   

وقد ساهم انخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي في السودان، بعد انفصال الجنوب عام 2011، في ضعف الأداء الاقتصادي للدولة، واستمر عدم الاستقرار السياسي، بجانب متلازمات جائحة كورونا والأزمة الاقتصادية العالمية، ممّا زاد من اتساع رقعة العنف القبلي، وزيادة الفقر، وانعدام الأمن الغذائي. وقد تسببت الفيضانات في غمر مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية بالماء، وسجلت ولاية النيل الأزرق أعلى معدل فيضانات في الأعوام الـ (100) الأخيرة.   

العنف الطائفي

وعلاوة على ذلك، يشير الباحث إلى تأثر السودان بالعنف الطائفي المعبّأ على أسس عرقية أو الهوية في المجتمع في النيل الأزرق، وارتبطت النزاعات أيضاً في السودان في ولاية النيل الأزرق بالصراعات الاقتصادية والسياسية، فضلاً عن التهميش الناتج عن أنماط التنمية غير المتكافئة في المنطقة.

ويُضاف إلى ذلك عقود من التدخل السياسي القبلي المرتبط بالنزاعات المحلية المرتبطة (بالأراضي والموارد الطبيعية)، فضلاً عن الأزمات السياسية والاقتصادية التي تمرّ بها البلاد، والتي أسهمت في إشعال فتيل التوتر الراهن في بعض المناطق بالنيل الأزرق.

 تفاقم الصراع

ويرى الباحث أنّ نظم إدارة الموارد وحوكمة الدولة السودانية، سواء إدارة الموارد الطبيعية أو زيادة التهميش بالمجتمعات الريفية، تسببت أيضاً في تفاقم حدة الصراع القبلي، ولا سيّما فيما يخص إدارة الموارد الطبيعية، ومعالجة القضايا ذات الصلة لحيازة الأراضي، وأنظمة ملكية الأراضي، والتي لها تأثير على الموارد الطبيعية في إدارة ومنع النزاعات القبلية، وعدم الاعتماد على الحلول دون التشريعات المختصة.   

ويُشكّل الصراع السياسي بين النخب السياسية، وفق الباحث، بيئة مهمة للدور السياسي للقبيلة، في ظل تنامٍ ملحوظ لخطاب الكراهية القبلية، بالإضافة إلى عدم نزع السلاح المنتشر لدى الكثير من القبائل.

وقد أدى الانشقاق الذي حدث داخل الحركة الشعبية قطاع الشمال عام 2017، بين كل من عبد العزيز الحلو ومالك عقار، والصراع على السلطة للسيطرة على منطقة النيل الأزرق، إلى تأجيج النزاعات بين قبيلتي الهوسا والهمج، ثم تمّ توظيف هذا الصراع مرات عديدة لخدمة الأجندات السياسية.

ما تداعيات الصراع؟

تخلص الدراسة إلى جملة تداعيات خطيرة، تمثل تحدياً أمام الوضع الأمني والاستقرار السياسي والاجتماعي بالبلاد في ضوء تفاقم الصراع.

ويرى الباحث أنّ اتساع رقعة الصراع في النيل الأزرق أدى إلى تطور كمّي ونوعي في مؤشرات العنف؛ ممّا أصاب الحياة العامة في المنطقة بشلل تام، مع تفلتات مسلحة خاصة في المناطق الشمالية من مدينة الدمازين، ود الماحي، وأسفرت الاشتباكات الأخيرة بين الهوسا والهمج عن مقتل (233)، وأكثر من (217) جريحاً، ونزوح أكثر من (50) ألف شخص من منازلهم.

ويُعيد الصراع المندلع في منطقة النيل الأزرق الصراعات القبلية والإثنية إلى الواجهة في السودان، وهو ما يعكس أزمة الدولة الوطنية، وفشل مشروع بناء الدولة على أسس حداثية تعلي من الوطن على الانتماءات الأخرى.

يُعيد الصراع المندلع في منطقة النيل الأزرق الصراعات القبلية والإثنية إلى الواجهة في السودان، وهو ما يعكس أزمة الدولة الوطنية، وفشل مشروع بناء الدولة على أسس حداثية تعلي من الوطن على الانتماءات الأخرى

ووفق خليل، يؤثر الصراع اقتصادياً، سواء في مناطق الصراع أو في السودان ككل، وذلك في ظل أزمة اقتصادية غير مسبوقة تمرّ بها البلاد، ولا سيّما في ظل غياب الحكومة المركزية، وغياب الخطط الحكومية من أجل مواجهة التحديات، فالبلاد على الرغم من رفع العقوبات، وعلى الرغم من إخراجها من قوائم الإرهاب، لكنّها بحاجة إلى الاستقرار من أجل جذب الاستثمارات والمشروعات التي تسمح بتغييرات مهمّة في حياة الناس، وتنقل السودان من الاقتصاد العشوائي الراهن.

وقد لا يتوقف الصراع على حدود الإقليم، ولا حتى حدود السودان، بالنظر إلى تمدده إلى المناطق المجاورة؛ ممّا ينذر بحرب قبلية واسعة النطاق في السودان، وربما ينذر بحرب تمتدّ إلى الدول المجاورة في ظل التمددات القبلية العابرة للحدود، وفق الدراسة.

وبخلاف كل ذلك، فإنّ الأزمة قد تتسبب في أزمة غذاء وأزمة إنسانية كبيرة، في وقت يعاني فيه العديد من دول القارة من أزمات مماثلة، وتقف المنظمات القارية والدولية عاجزة أمام حالة البؤس الذي خلفه الجفاف الذي يضرب العديد من دول الجوار.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية