فصل جديد من حرب الإخوان المسلمين على شعب الجنوب اليمني شهدته محافظة شبوة الجنوبية على مدار شهر، تصاعدت أحداثه خلال الأيام الماضية؛ بوقوع اشتباكات مسلحة في عاصمة المحافظة، مدينة عتق، بين القوات التابعة للإخوان من جهة والقوات الجنوبية التابعة لإدارة المحافظة.
وتعود جذور القصة إلى أعوام مضت، منذ هزيمة حزب التجمع الوطني للإصلاح، الفرع المحلي للإخوان المسلمين، في عقر داره، في المحافظات الشمالية، على يد الانقلاب الحوثي، وفرار قيادات وقوات الإصلاح إلى المحافظات الجنوبية، وتوليهم المناصب الرسمية من خلال هيمنتهم على مؤسسة الرئاسة.
هذه السيطرة، التي لم يستسلم لها شعب الجنوب الذي خاض قتالاً طويلاً ضدّ مخططات الإخوان الذين لم يتوانوا عن التحالف مع العدو الحوثي في سبيل مكتسبات حزبية على حساب الشعب اليمني والتحالف العربي، حتى انتصر الجنوب على الإخوان بقرار إقالة محافظ شبوة الإخواني، محمد صالح بن عديو، وتعيين الشخصية الجنوبية، عوض بن الوزير العولقي، بدلاً منه في الأيام الأخيرة من العام الماضي.
لكن ما كان متوقعاً حدث، فلم يستسلم الإخوان لخسارتهم محافظة شبوة، مستغلين تمكينهم من المناصب المهمة المدنية والعسكرية في المحافظة، فوقعت الأحداث التي شهدتها المحافظة منذ شهر تموز (يوليو) الماضي، والتي انفجرت على شكل صدام عسكري ونشر الفوضى لإطاحة المحافظ العولقي، إلا أنّ مخططاتهم باءت بالفشل بعد هزيمتهم عسكرياً على يد أبناء الجنوب.
محاولة انقلاب إخوانية
ورصد ناشطون وإعلاميون جنوبيون بداية الصدام بين الإخوان والسلطة المحلية في شبوة، بتاريخ 15 تموز (يوليو) الماضي، بعد إصابة جنديين من قوة دفاع شبوة بنيران القوات الخاصة الموالية للإخوان، إلى جانب توتر الوضع بين القوات الخاصة وقوات العمالقة، ليعلو صوت المطالبات الرسمية والشعبيه لمحافظ شبوة بتسليم النقاط الأمنية لقوات دفاع شبوة، في مداخل مدينة عتق ووسطها.
ولدرء الصدام المسلح، أصدر محافظ شبوة قراراً بمنع التشكيلات المسلحة من حمل السلاح داخل مدينة عتق، لتجنب الصدام بين القوات الخاصة والقوات الجنوبية من قوة دفاع شبوة، وذلك بتاريخ 19 من الشهر الماضي، إلا أنّ القوات الخاصة تحدّت قرار المحافظ، ونشرت عناصرها بالسلاح في المدينة، وهي الخطوة التي بات فيها مؤكداً للجميع وجود "تمرد عسكري من الإخوان".
وبرز اسم قائد القوات الخاصة في أحداث التمرد، عبد ربه لكعب، الذي يدين بالولاء للإخوان المسلمين، وسعى لكعب، مدعوماً بقوات من الجيش لإحداث فوضى في شبوة، في خطوة بدت وكأنّها لسحب القوات الجنوبية من الخطوط الأمامية في المحافظة، ليتمكن الحوثي من استعادة مناطق السيطرة في شبوة.
تعدّ محافظة شبوة بيضة قبان للإخوان؛ ففيها حقول نفطية ومنشأة بلحاف لتسييل وتصدير الغاز الطبيعي، ويريد الإخوان السيطرة على المنشأة والحقول النفطية والموانئ
وتبع ذلك استقدام الإخوان لتعزيزات عسكرية من محافظة مأرب، في خطوة كشفت أولويات إخوان اليمن؛ إذ بينما يخرق الحوثيون الهدنة، ويتربصون الفرصة للتقدم على حساب الشرعية في مأرب، يتم سحب قوات لقتال القوات الجنوبية في شبوة، والتي كان لها الفضل في تخفيف الهجوم على مأرب.
وفي 24 من الشهر الماضي، اتخذ محافظ شبوة قراراً بتعليق عمل قائد القوات الخاصة، عبد ربه لكعب، وفتح تحقيق في الأحداث التي شهدتها المحافظة، ورفض لكعب القرار، وقامت القوات الخاصة بقصف مطار بلحاف، دون وقوع إصابات، ووقعت مناوشات عديدة داخل عتق، وتحولت إلى اشتباكات واسعة، في السادس من شهر آب (أغسطس) الجاري، عقب قرار المحافظ بإقالة لكعب وتعيين العميد أحمد الأحول بدلاً منه.
وشهدت مدينة عتق اشتباكات واسعة واستقدام تعزيزات عسكرية، حيث تدخلت قوات العمالقة لدعم قوة دفاع شبوة، وأصدر المحافظ قراراً بتنفيذ عملية عسكرية للقضاء على التمرد الإخواني، وعقب اشتباكات دامية نجحت القوات الجنوبية في السيطرة على مقرات ومعسكرات القوات الخاصة، والقبض على عدد من قيادات الإخوان العسكريين.
أهداف الإخوان
ويرى الناشط اليمني الجنوبي، محمد سالم الهلالي؛ أنّ "أحداث شبوة الأخيرة لم تكن مجرد تمرد يخص محافظة شبوة، بل كانت مخططاً كبيراً هدفه الانقلاب على المجلس الرئاسي والنظام بشكل عام، وتم التخطيط له من قيادات الإخوان في دولتين خليجيتين، لهما تواصل مع ميليشيات الحوثي".
وأضاف الهلالي، لـ "حفريات": "كان المخطط هو السيطرة على شبوة إلى شقرة والالتحام بوادي حضرموت ومأرب والمهرة، التي تسيطر عليها ميليشيا الإخوان، ومن ثم إعلان مجلس إنقاذ وطني برئاسة جباري وبن دغر وبن عديو والميسري وهاشم الأحمر وآخرين، كمجلس رديف وندّ للمجلس الرئاسي، ومن ثم سيتم التحالف مع الحوثيين للسيطرة على عدن وتقاسم البلاد بينهم وبين الحوثيين، نكاية بالانتقالي والمؤتمر الشعبي والسعودية والإمارات".
ويدعم تحليل الهلالي، نشر التحالف العربي قوات سعودية - إماراتية مشتركة في محافظة المهرة في ظلّ الاشتباكات. ويتابع الهلالي: "كشفت حجم المضبوطات من الأسلحة وعدد القوات الإخوانية التي قاتلت في شبوة، والتي جاءت من أبين وشقرة ومأرب وحضرموت، حجم المخطط الانقلابي الكبير، حيث شاركت قوات الإخوان من سائر مناطق الشرعية في المعارك في شبوة".
الناشط اليمني محمد سالم الهلالي لـ "حفريات": أحداث شبوة الأخيرة لم تكن مجرد تمرد يخص محافظة شبوة، بل كانت مخططاً كبيراً هدفه الانقلاب على المجلس الرئاسي
ومن جانبه، قال الإعلامي الحربي، محمد عادل الشرفي: "الإخوان منظمة إرهابية نكّلت لأعوام بشعب الجنوب في شبوة ومناطق أخرى، وحين فرضت القوات الجنوبية هيمنتها على تراب أرضها قامت القيامة، ولم تقعد لأنّها قضت على أطماعهم".
وتابع لـ "حفريات": "أحداث شبوة كشفت مرة أخرى التخادم الإخواني الحوثي، ونحن، كشعب الجنوب، لن نقبل أبداً بالخضوع للإخوان".
وإلى جانب الصدام المسلح، شنّ الإعلام الإخواني حرباً شرسة عبر كلّ المنصات الإعلامية المحلية والإقليمية ضدّ المجلس الرئاسي، الذي دعم قرارات محافظ شبوة، وضدّ التحالف العربي وشعب الجنوب، وتعالت الأصوات الإخوانية التي تطالب بالتخلص من مجلس القيادة الرئاسي.
وحول ذلك قال الناشط محمد سالم الهلالي: "بانت نوايا الإخوان من خلال تصريحات وتغريدات قيادات وإعلاميّ الإخوان على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي كشفت حجم المخطط الكبير ضدّ المجلس الرئاسي والجنوب".
توظيف الإرهاب
وتعدّ محافظة شبوة بيضة قبان للإخوان؛ ففيها حقول نفطية ومنشأة بلحاف لتسييل وتصدير الغاز الطبيعي، ويريد الإخوان السيطرة على المنشأة والحقول النفطية والموانئ بهدف تصدير الغاز الطبيعي من مأرب، لتعزيز مواردهم المالية، ضمن مخطط إخواني لتقاسم اليمن مع الحوثيين.
ورغم طرد القوات الجنوبية للقوات الإخوانية من مدينة عتق، وسيطرتها على معسكر القوات الخاصة، ودعم وزيري الدفاع والداخلية لمحافظ شبوة، إلا أنّه من المرجح إعادة تجميع الإخوان لصفوفهم ومعاودة الهجوم على عتق.
وأدّت الأحداث السابقة إلى استقالة القيادي الإخواني، عبد الله العليمي، من عضوية المجلس الرئاسي، قبل أن يعاود التراجع عن الاستقالة، وسبق الاستقالة تهديد حزب الإصلاح الإخواني بالانسحاب من مؤسسات الشرعية كافة ما لم يُعزل محافظ شبوة ويُحاكم. ومن المرجح بقوة عودة النشاط الإرهابي في شبوة انتقاماً من القوات الجنوبية، وهي المعادلة التي طالما عانى منها الجنوب؛ حيث التعاون الإخواني مع تنظيمي القاعدة وداعش لضرب القوات الجنوبية.
وأشار الناشط الهلالي إلى ذلك بقوله: "الجدير بالذكر أنّ تنظيم القاعدة شارك جنباً إلى جنب مع مليشيات الإخوان في معارك عتق، وقد شوهدت عناصر تنظيم القاعدة وأعلامه ورجاله بلباسهم المعروف، وهذا لا يخفى على أحد إطلاقاً".
وبحسب بيان محافظ شبوة، قاد التمرد المسلح كلٌّ من: قائد اللواء "21 ميكا" مدرع، العميد الركن جحدل حنش، وقائد اللواء الثاني جبلي، العميد مهدي مشفر، وقائد اللواء "163 بيحان"، العميد صالح لقصم الحارثي، وقائد لواء حماية المنشآت، العميد ناصر بن عيدروس، وقائد شرطة الدوريات وأمن الطرق، العقيد عبد اللطيف ظيفير، وقائد أركان اللواء الثاني مشاة بحرية، العقيد مهيم سعيد البوبكري، فضلاً عن قيادات القوات الخاصة، وعلى رأسهم العميد لكعب.
وتطرح مشاركة هذه القوات التي تتبع وزارتي الداخلية والدفاع في تمرد عسكري تحديات أمام مجلس القيادة الرئاسي، وهي ضرورة التعجيل بإعادة هيكلة التشكيلات العسكرية في مناطق الشرعية، كخطوة أولى لفرض الأمن والقضاء على الأطماع الإخوانية، وتوجيه القوة العسكرية كاملةً للتصدي للعدوان الحوثي، الذي لا يلتزم بالهدنة الأممية، بل ويستغلها في تعزيز مواقعه على حساب الشرعية.
مواضيع ذات صلة
- قرية "خبزة": قصة صمود قَبلَية في وجه عدوان الحوثيين
- "القاعدة" والحوثيون يقوضون السلام باليمن... أدلة تظهر العلاقة الوثيقة بين الطرفين
- اليمن: شبوة تنتصر على الإخوان... آخر تطورات حالة التمرد في مدينة عتق