
انتهت جهود الاتحاد الأفريقي إلى إقناع بعض الأطراف الليبية الفاعلة بالتوقيع على ميثاق لـ "المصالحة الوطنية" في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وهو الأمر الذي طالته بعض الانتقادات، وأثار عدداً من التساؤلات حول مضمون هذا الميثاق والخطوات المصاحبة لوضعه قيد التنفيذ.
إلى ذلك وقّع وفد ليبي يمثل بعض الأطراف السياسية على ميثاق "المصالحة"، وذلك في حضور كل من: رئيس جمهورية الكونغو، ورئيس اللجنة رفيعة المستوى للاتحاد الأفريقي بشأن ليبيا، دينيس ساسو نغيسو، ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فكي. كما كان من بين الحضور الموقعين على الميثاق بعض ممثلي نظام الرئيس الراحل معمر القذافي.
وأشار المكتب الإعلامي لرئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي أنّه وصل بعد ظهر يوم الجمعة الفائت إلى العاصمة الإثيوبية مقر الاتحاد الأفريقي، للمشاركة في أعمال الدورة العادية الـ (38) لمؤتمر قمة الاتحاد الأفريقي.
وبيّن المكتب الإعلامي في بيان إجراء مراسم رسمية لاستقبال رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي.
خطوة إلى الأمام
أعلن مجلس السلم والأمن بالاتحاد الأفريقي يوم الجمعة الفائت توقيع ميثاق السلام والمصالحة في ليبيا بين عدة أطراف ليبية فاعلة، دون أن يشير صراحة في البيان الذي نشر على منصة (إكس) إلى الأطراف الموقعة على هذا الميثاق، بيد أنّه وصف الأمر كونه "خطوة رئيسية" صوب جهود الاتحاد لدعم السلام والمصالحة في ليبيا.
من جانبه قال موسى إبراهيم، ممثل سيف الإسلام القذافي، عبر حسابه على موقع (فيسبوك) صباح الجمعة الرابع عشر من شهر شباط (فبراير) الجاري: إنّ لجنة المصالحة الوطنية الليبية وصلت أديس أبابا "لتوقيع ميثاق المصالحة الليبية الشامل تحت رعاية الاتحاد الأفريقي".
وقد ضمّ الوفد الليبي إلى دولة إثيوبيا لحضور الاجتماع (18) شخصية، من بينهم عضو مجلس النواب ميلود الأسود، بالإضافة إلى (4) شخصيات تمثل سيف الإسلام القذافي، هم: إبراهيم، وفرج بلق، ومحمد دبدوب، وعلي أبو سبيحة، رئيس الفريق الممثل لسيف الإسلام معمر القذافي، رئيس المجلس الأعلى لقبائل ومدن الجنوب.
بدوره، أكد المحلل السياسي الليبي، الدكتور خالد محمد الحجازي أنّ المصالحة الوطنية تمثل مساراً أساسياً لاستعادة الاستقرار في ليبيا، مشدداً على أهمية مشاركة جميع الأطراف السياسية لإنجاح هذه الجهود.
وأشار الحجازي في تصريحاته لـ (حفريات) إلى أنّ توقيع ميثاق المصالحة الوطنية الليبية، الذي استضافته العاصمة الإثيوبية أديس أبابا برعاية الاتحاد الأفريقي، يُعدّ خطوة مهمة في هذا الاتجاه. وشهدت مراسم التوقيع حضور رئيس جمهورية الكونغو، دينيس ساسو نغيسو، رئيس اللجنة رفيعة المستوى للاتحاد الأفريقي بشأن ليبيا، إلى جانب رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي، وممثلين عن مجلس النواب، والمجلس الأعلى للدولة، والمجلس الرئاسي، بالإضافة إلى وفد ممثل عن المرشح الرئاسي سيف الإسلام القذافي.
تحديات الميثاق وغياب أطراف رئيسية
قال رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي في كلمة له قبل التوقيع على الميثاق: إنّ رئيس الكونغو برازافيل دينيس ساسو الذي يرأس اللجنة الأفريقية رفيعة المستوى الخاصة بليبيا التابعة الاتحاد، قام بجهود "غير عادية"، وطرح "مبادرة بوضع ميثاق للمصالحة.
ولفت إلى أنّ هذه الوثيقة عرضت على كل الأطراف في الغرب والشرق والجنوب".
وأوضح أنّ الوثيقة عبارة عن "مبادئ نابعة عن الثقافة والدين والتاريخ الليبي" مضيفاً: "مع الأسف، تمنينا حضور كل الأطراف، لتوقع على هذه الوثيقة، لكي تكون رسالة للشعب الليبي وأفريقيا والعالم العربي بأنّهم منجرّون للمصالحة".
وأوضح أنّها "وثيقة توافقية، وتطرح للأطراف الليبية الموجودة لكي يوقعوا عليها، وترفع للآخرين"، معرباً عن أمله بـ "الموافقة عليها مستقبلاً".
ورغم أهمية الحدث، أشار الحجازي إلى أنّ غياب بعض الفاعلين الأساسيين، مثل ممثلي حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والقيادة العامة للجيش الليبي، يثير تساؤلات حول قدرة الميثاق على تحقيق مصالحة شاملة ومستدامة. وأضاف أنّ هذا الغياب يعكس استمرار الخلافات العميقة بين الأطراف الليبية، ممّا يتطلب مزيداً من الجهود لضمان مشاركة جميع الأطراف في العملية السياسية.
وفي هذا السياق، أبدى موسى الكوني، نائب رئيس المجلس الرئاسي، استياءه من غياب بعض القيادات، محمّلاً إيّاهم مسؤولية تأخر ليبيا في تحقيق المصالحة ولمّ الشمل.
ومن جانبه صرح اللواء فوزي المنصوري، مدير إدارة الاستخبارات العسكرية التابعة للقيادة العامة لـ "الجيش الوطني" لجريدة (الشرق الأوسط) بقوله: "لم يشارك أيّ ممثلين عن شرق ليبيا، سواء القيادة العامة أو الحكومة المكلفة من البرلمان، في التوقيع على ميثاق المصالحة".
تحفظات حول مضمون الميثاق
إلى جانب الغيابات، أشار الحجازي إلى أنّ بعض الحاضرين أعربوا عن تحفظات بشأن محتوى الميثاق. فقد انتقد محمد تكالة، الرئيس السابق للمجلس الأعلى للدولة، عدم تضمن الميثاق آليات واضحة للعدالة الانتقالية وجبر الضرر، معتبراً أنّه يخلط بين المصالحة الوطنية والتسوية السياسية، ممّا قد يؤثر على مصداقيته وفعاليته.
آفاق المصالحة ومستقبل الحل السياسي
واختتم المحلل السياسي الليبي خالد محمد الحجازي حديثه لـ (حفريات) قائلاً: بالتأكيد إنّ توقيع ميثاق المصالحة يمثل خطوة إيجابية، لكنّه بحاجة إلى استكماله بحوار وطني موسع يضمن مشاركة جميع الأطراف. واعتبر أنّ نجاح المصالحة الوطنية يتطلب التزاماً جاداً من جميع الفرقاء السياسيين، داعياً الأطراف الغائبة إلى الانضمام لهذا المسار الوطني، والعمل على تحقيق تسوية عادلة تضمن الأمن والاستقرار في ليبيا.
من جهتها، أكدت عضو المؤتمر الوطني العام السابق، نادية الراشد، أنّ المصالحة الوطنية تمثل الأساس الذي تُبنى عليه حلول الأزمة الليبية المتجذرة، مشددة على أنّها ليست مجرد خطوات عشوائية دون تشخيص دقيق لجذور المشكلة.
وأوضحت الراشد أنّ المصالحة الوطنية تختلف كليّاً عن المصالحة المجتمعية، التي انتهت منذ أعوام بين مختلف المكونات الاجتماعية في ليبيا، مشيرة إلى أنّ الأزمة الحقيقية تكمن في من يتصدرون المشهد السياسي، والذين ـ حسب قولها ـ "لا يدركون معنى التنازلات، ولا يفهمون جوهر المصالحة الوطنية الفعلية، التي تتطلب خروجهم النهائي من المشهد المتعثر منذ أكثر من (13) عاماً".
وأضافت أنّ المجلس الرئاسي، الذي أُوكلت إليه مهمة المصالحة الوطنية بموجب الاتفاق السياسي منذ (5) أعوام، لم يحقق أيّ تقدم يُذكر؛ بسبب غياب دراسة متكاملة للحالة الليبية، رغم تعاونه مع الاتحاد الأفريقي ورعايته لهذا المسار، الذي ما يزال ضعيفاً للغاية.
وشددت الراشد على أنّ المصالحة الوطنية لن تنجح دون تطبيق مبادئ العدالة الانتقالية، والتي تشمل جبر الضرر، ومكافحة الفساد، وتعويض المتضررين نفسياً وبشرياً، وتفعيل القوانين الرادعة لضمان الحقوق والواجبات. وأكدت أنّ ما جرى في أديس أبابا بين بعض الأطراف، مع تغييب أطراف أخرى عن توقيع الميثاق، لا يعدو كونه "مصالحة سياسية تهدف إلى تقاسم السلطة والمكاسب، وليس لتحقيق التنازلات والاستقرار".
ولفتت إلى أنّ تغييب بعض الأطراف قد يكون متعمداً أو نتيجة اتفاقات سرية لعرقلة المسار، مؤكدة أنّ العديد من الأطراف المتحكمة في المشهد الحالي متورطة في جرائم وعقوبات دولية، ممّا يجعلها غير معنية بالاستقرار، بل تسعى إلى استمرار الفوضى.
واختتمت الراشد حديثها لـ (حفريات) بالتشديد على أنّ الميثاق الأخير لن يُنفذ وسيبقى "حبراً على ورق"، كما حدث في السابق، مضيفة أنّ المصالحة تحولت إلى "متاجرة سياسية"، في ظل سيطرة السلاح والمسلحين على المشهد. واعتبرت أنّ الحل الوحيد يكمن في إنهاء نفوذ الأطراف الحالية، وإفساح المجال لدماء جديدة وحكومة واحدة تفرض سيطرتها على كامل الأراضي الليبية، وهو ما توقعت حدوثه قريباً.