المدارس الذكية: وداعاً للحفظ والتلقين

المدارس الذكية: وداعاً للحفظ والتلقين


06/04/2021

موسى برهومة

أيّة نهضة في العالم العربي يتعيّن أن تبدأ بالتعليم باعتباره أساساً للإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، والنهوض الحضاري والتفكير النقدي، ومحاربة التطرّف والتزمّت.

لنتعلم من تجربة كوريا الجنوبية قبل أكثر من ثلاثين عاماً، هذا البلد الذي بدأ من الصفر، وأدرك الكوريون أنّ نهضتهم لا تبدأ إلا بالتعليم، لذلك خصّصت كوريا الجنوبية 100 % من ميزانيتها السنوية، ولمدة 7 سنوات، لإنفاقها على التعليم فقط.

تمكّنت كوريا بعد 20 عاماً على هذه التجربة من امتلاك 16380 براءة اختراع في المجال الصناعي والتكنولوجي فقط، ومقارنة بما حققه العرب في هذا المجال في الفترة ذاتها، نجد أنه لم يسجّل للعالم العربي سوى 170 براءة اختراع فقط. كوريا الجنوبية كانت قبل سنوات ثاني أكثر دولة إنفاقاً على البحث العالمي في العالم.

اختيار النموذج الكوري الجنوبي يُعزى إلى أنّ هذا البلد، الذي عاش في أتون التهديد المباشر من جارته الكوريّة الشمالية، هو من أقرب البلدان للعالم العربي كونه لا ينتسب إلى العالم الأول، بل يمكن أن يُعد من الدول النامية؛ ما يجعل السير على منواله عربياً سهل المنال، إن توفرت الإرادة السياسية الواعية والحازمة، التي تعيش في المستقبل، وتتطلع إلى معانقة المستحيل.

التعليم هو الأساس، والمدرسة الذكية «Smart School» هي المبتغى، ليس المهم شكل التعليم، سواء كان رقمياً (Digital Learning) أو عن بُعد (Online)، أو كان وجاهياً، كما هو الحال قبل جائحة «كورونا»، المهم أن يكون التعليم خلاقاً، وأن توفّر المدارس بيئة تعليم ذكية، تُدار بأحدث التقنيات، وأن تتم الاستفادة من مهارات الذكاء الاصطناعي وآفاقه، وأن ينبري لتعليم الطلبة أساتذة مؤهّلون مدرّبون، تُصرف لهم رواتب عالية، ويتمتعون بمزايا تجعلهم يرفلون برغيد العيش؛ كي يتفرغوا لهذه المهنة المقدّسة، شريطة أن يكونوا خلّاقين مبدعين منفتحين، وليسوا منغلقين أو متزمّتين أو متأدلجين.

ويحضرني دائماً، في سياق الحديث عن نهضة التعليم، وكيفية حقن الطلبة بالتفكير العلمي الخارج عن ذهنية الصناديق المعلّبة، سؤال وُجّه إلى طلبة إحدى المدارس الابتدائية الصينية، هو: سفينة تحمل 26 خروفاً و10 من الماعز، فكم يبلغ عُمر رُبّانها؟
للوهلة الأولى، قد ينظر العقل المحايد، أو لنقل العقل التقليدي، إلى السؤال على أنّه يفتقر للروابط العلائقية الواضحة، فما الصلة بين عدد الماعز وعمر رُبّان السفينة، قد لا يبدو أنّ ثمة صلة مباشرة في السؤال، ولكنّ إعمال النظر فيه قد يُسفر عن صلة وثيقة، تربط ما تنافر من أجزاء السؤال، ولكن كيف يكون ذلك؟
التعليم التقليدي شجّع الطلبة على الحفظ والبصم والتلقين، مع أنّ الحفظ ليس سيئاً في مجمله، أضف إلى ذلك غياب أو خفوت أو انعدام صوت الفلسفة والمنطق والعلوم الرياضية في المناهج التدريسية.

تلاميذ الصف الخامس الابتدائي، في إقليم شونتشينغ الصيني، الذين لا تتجاوز أعمارهم 11 سنة، قدّموا إجابات مختلفة لهذا السؤال، فمنهم من أجاب بأنّ «الرُبّان لا بد أن يبلغ من العمر 18 عاماً على الأقل، لأنه يتعين أن يكون بالغاً من أجل قيادة السفينة»، وأجاب آخر: «عُمر الرُبّان 36 عاماً، والسبب أنّ 26+10 يساوي 36، وكان الرُبّان يريد أن يعادل عدد الحيوانات بعدد سني عمره».

السؤال السابق فجّر إجابات عديدة ملهمة، من بينها «إنّ الوزن الإجمالي لـ 26 رأساً من الغنم و10 من الماعز يبلغ 7700 كيلو غرام في المتوسط.

وفي الصين، يجب عليك أن تكون حاصلاً على إجازة لقيادة السفن لخمس سنوات على الأقل، إذا كنت تريد أن تدير سفينة، تبلغ حمولتها أكثر من 5000 كيلوغرام، وبما أنّ العمر الأدنى للحصول على إجازة قيادة هو 23 عاماً، فلا بد أن يكون عمر الرُبّان الأدنى 28 عاماً». قيل من زمان: «اطلبوا العلم ولو في الصين»، والصين غير راضية الآن كثيراً عن مناهجها، وتطالب بتغييرها وتثويرها، كي تحافظ على حضورها الممتد في المشهد الكوني.

عن "البيان" الإماراتية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية