الكراهية لا تحارب بالمزيد من الكراهية

الكراهية لا تحارب بالمزيد من الكراهية

الكراهية لا تحارب بالمزيد من الكراهية


15/07/2023

علي قاسم

كيف يمكن أن نفسر رفض 12 دولة في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة مشروع قرار “إدانة الكراهية الدينية” الذي قدمته منظمة التعاون الإسلامي وتصويتها ضده؟

لن أقف طويلا عند آخر حادثة تسبب بها حرق نسخة من القرآن الكريم في السويد أواخر يونيو، وإن كانت هي السبب للدعوة إلى جلسة طارئة.

القرار تم اعتماده بغالبية 28 صوتا (من أصل 47) مقابل رفض الـ12 دولة وغياب 7 دول. في طليعة الدول الغربية الرافضة للقرار الأممي: الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا وبلجيكا وفنلندا ورومانيا.

بالطبع، ذريعة تلك الدول الجاهزة لتفسير رفض القرار هي الدفاع عن الحرية الشخصية. وهذا يضعنا في مواجهة جدل فلسفي له بداية ولن تكون له نهاية.

الدول الرافضة للقرار تعتقد أن حرق القرآن في مشهد مسرحي لا يعتبر حضا على الكراهية، بل هو تعبير عن رأي يجب أن يصان حق صاحبه.

المشكلة أننا هنا لسنا أمام فعل يراد به التأكيد على قدسية حرية الرأي. لو كان الأمر هكذا لكنت أول المدافعين عن صاحبه. المشكلة التي طرحت للتصويت هي إدانة الكراهية الدينية.

إذا كان حارق نسخة القرآن عاجزا عن التفريق بين أفعال إجرامية يرتكبها متدينون، وبين قناعات وعبادات دينية، فهل يقبل أن يختلط ذلك على دول وجهات رسمية.

الصحيفة التي تنشر هذا المقال (العرب) كانت من أول المؤسسات الإعلامية التي تصدت لمشروع الإخوان المسلمين والإسلام السياسي، ورفضت أسلمة الحكم. ولن أكون مبالغا في القول إنها (العرب) ساهمت إلى حد كبير في كشف هذا المشروع، وبالتالي هزيمته.

نفس الصحيفة لن تتردد في التصويت للقرار الداعي إلى إدانة الكراهية الدينية، وتنتصر لثقافة التسامح.

سأفترض في سلوك هذه الدول واختيارها رفض القرار حسن النية. وأنها صوتت بالرفض وهي تفكر بالمتشددين الذين استغلوا الفكر الديني لشن حملات إرهابية. ولكنها بموقفها هذا تكون قد اختارت أن تحارب الكراهية بالكراهية.

والسؤال هو: هل يمكن أن تحارب الكراهية بمثلها، وهل ينفع أن نطفئ الحريق بصب المزيد من الزيت عليه؟

حقوق الإنسان مفهوم فضفاض، لم يتم الاتفاق عليه على الرغم من المعارك الفكرية التي جرت في الماضي وفي الحاضر، وستجري أيضا في المستقبل.

لنأخذ مثلا حق الحياة، وهو أبرزها، هل من حق الإنسان أن ينه حياته؟ وهل يضمن القانون حق الموت الرحيم؟

العالم إلى اليوم منقسم حول هذه القضية وقضايا أخرى مثلها.

حتى لا نقع في فخ نظرية المؤامرة ونقول إن تلك الدول التي رفضت القرار، أو بعضا من تلك الدول، يريد أن يصب مزيدا من الزيت على النار؛ سنكتفي بالقول إن هناك بؤسا فكريا سائدا بين السياسيين في تلك الدول.

موضوع الكراهية الدينية والتسامح أكبر قضايا حقوق الإنسان، يكفي لذلك أن نستشهد بما تسببت به الكراهية عبر التاريخ من حروب؛ منذ أن شن الغرب حملاته الصليبية على الشرق وإلى يومنا هذا.

أليست الحرب العالمية الثانية التي مازال طعم مرارتها على شفاه أوروبا والأوروبيين، في أحد تجلياتها حرب كراهية دينية؟ وهل يجب أن نذكر بأن هناك اليوم قانونا يجرم من ينكر المحرقة؟

سيذكر التاريخ مستقبلا فشل الدول الرافضة لتجريم الكراهية في اقتناص الفرصة التي أتيحت لها لإبداء انحيازها إلى معسكر المتسامحين، وسيسجل نفس التاريخ المبادرات الرمزية لدولة الإمارات العربية المتحدة بإقامة البيت الإبراهيمي بهدف تعزيز الأخوة الإنسانية بين أصحاب الديانات الإبراهيمية الثلاث: الإسلام والمسيحية واليهودية.

المشروع الذي نتحدث عنه يتكون من مسجد وكنيسة وكنيس يهودي ومركز تعليمي في جزيرة السعديات التي تعتبر المركز الثقافي لمدينة أبوظبي. تم افتتاحه في الثالث والعشرين من فبراير 2023، بهدف إلهام وتشجيع التفاهم والقبول بين أصحاب النوايا الحسنة.

المشترك بين الدول التي صوتت برفض القرار، هو اعتقادها بأنها تمتلك قيما ونموذجا لحقوق الإنسان يمكن أن تفرضه على العالم. وهذا ما أكده أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي للرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الذي انتقد تصويت هذه الدول ضد مشروع القرار، في تغريدة نشرها عبر صفحته في تويتر، عقب إعلان اعتماد مجلس حقوق الإنسان الأممي مشروع القرار، قائلا “تم اعتماد المشروع المقدم من منظمة التعاون الإسلامي في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بشأن الكراهية الدينية في أعقاب حرق نسخة من المصحف الشريف في السويد”. ولكن “المقلق هو الانقسام الخطير الذي يكشف عنه هذا التصويت”، مشددا على أن “ملف حقوق الإنسان لا يمكن أن يسيطر عليه طرف ويفرض علينا قيمه”.

دولة الإمارات العربية المتحدة التي كانت في طليعة الدول التي حاربت ولا تزال الإسلام السياسي، لم تحاربه على طريقة الكاوبوي الأميركي، بشن حروب عبثية، كما في العراق وأفغانستان وسوريا، بل حاربته بخوض معارك فكرية هادئة أهمها نشر ثقافة التسامح.

عن "العرب" اللندنية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية