هل تحاول إيران صب الزيت على نار الاحتجاجات العراقية؟

هل تحاول إيران صب الزيت على نار الاحتجاجات العراقية؟


27/07/2020

رغم ما تمثله إيران وميليشياتها من ضغط وتحدٍّ أمام رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، وجهوده للإصلاح وإعادة التوازن إلى العراق، إلّا أنّ الخطر الأكبر الذي يهدّد الكاظمي يكمن في التظاهرات التي عادت لتشتعل من جديد في العراق، على وقع الأزمات الاقتصادية وتردّي شبكة الكهرباء.

اقرأ أيضاً: تقرير دولي: تركيا ترتكب جرائم ضد المدنيين في العراق

واندلعت أمس تظاهرات في ساحة التحرير وسط بغداد، سرعان ما تفاقمت إلى مواجهات بين قوات الأمن والمتظاهرين، وأسفرت عن قتيلين من المحتجين، فيما تؤكد قوات الجيش إصابة عناصر منها أيضاً، في وقت حاولت فيه تهدئة الأجواء بفتح تحقيق في الاشتباكات.

ورغم انزعاج إيران من التظاهرات التي اندلعت في العراق منذ تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، مهدّدة نفوذها ومنددة بسطوتها على مقدرات العراق عبر حكومات متعاقبة، ينتعش في ظلها الفساد والميليشيات المسلحة وتتردى أوضاع العراقيين أكثر، إلا أنها لن تنظر النظرة ذاتها إلى التظاهرات الآن، بينما يجلس "غريمها" الكاظمي على العرش.

رغم انزعاج إيران في السابق من التظاهرات التي هدّدت نفوذها، إلّا أنّها لن تنظر إليها النظرة ذاتها الآن

المتوقع إذاً، والذي لن يمرّ على الكاظمي رجل المخابرات المحنك، هو تدخل إيران عبر عملائها في العراق لإذكاء التظاهرات، وشحن الغضب وتأجيج الشعور بالعوز، القائم بالفعل، لدى العراقيين، وصولاً إلى اللحظة التي يصطدم فيها العراقيون مباشرة مع الكاظمي، لتُحرق صوره في ساحة التحرير، كما حدث من قبل مع صور خامنئي. 

وذلك لا يعني عدم عدالة المطالب العراقية أو ادعائيتها، إذ يعاني العراقيون بالفعل من أزمات معيشية حقيقية، وبعضهم يرى أنّ مدة الشهرين اللذين صبروا فيهما على الحكومة الجديدة، دون تقديم بوادر تنعكس على معيشتهم، تكفي وتشرعن أيّ احتجاجات بعدها. 

لكنّه يعني أنّ رئيس الوزراء العراقي في موقف صعب، بين آمال كبيرة وخطط طويلة الأمد لإفلات العراق من قبضة إيران، من جهة، وبين مطالب عاجلة لمحتجين من جهة أخرى، لا يؤمَن صبرهم ولن يطول.

اقرأ أيضاً: ماذا تعني زيارة رئيس الوزراء العراقي للرياض قبل طهران وواشنطن؟

وأمام تلك المعادلة الصعبة، اختار الكاظمي "الصمت"، فلم يهاجم المتظاهرين ويعجل بمواجهة لن تخدم أهدافه بل ستعرقلها، أو يطلب منهم صبراً أطول فتستنفد كلماته تأثيرها، ما لم تتبع بفعل حقيقي. 

تدخّل إيران عبر عملائها في العراق لإذكاء التظاهرات، لن يمرّ على الكاظمي رجل المخابرات المُحنّك

وبهذا اختار الكاظمي سلاحاً ناجعاً، لم يتصادم أو يهدّئ ويُسّكن، لكنه لا يغلق باب الترقب لدى العراقيين والشركاء والغرماء الإقليميين، والتساؤل: كيف سيخرج الكاظمي من المأزق؟ وكيف سيرد؟ وإلى أيّ مدى يمكن لصمته أن يطول؟ 

وربما تسببت الاحتجاجات الأخيرة في استعجال عقد اللقاء المؤجل على وقع مرض العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، والذي كان سيضمن اتفاقيات اقتصادية خاصّة بالكهرباء وغيرها من سبل التعاون. 

وكان الكاظمي متوجهاً إلى الرياض في افتتاحية زياراته إلى الخارج، قبل أسبوع، لكنّ الزيارة تأجلت بسبب مرض الملك وانتقاله إلى المستشفى، فيما توجه الكاظمي قبل أيام في زيارة إلى إيران، وصفها مراقبون بـ"غير الموفقة"، حيث أعقبها تشديدات من الكاظمي على الجيش العراقي لضبط الحدود وسدّ المنافذ غير الشرعية. 

وتستطيع السعودية دعم العراق للعبور من أزمته الاقتصادية الراهنة، خصوصاً في ظلّ ما أبداه الكاظمي من رغبة في الانفتاح على دول الخليج، وإعادة التوازن إلى السياسة الخارجية العراقية.

في غضون ذلك، قال الناطق الإعلامي للقائد العام للقوات المسلحة العراقية، يحيى رسول، عبر صفحته على تويتر أمس، هناك بعض الأحداث المؤسفة التي جرت اليوم في ساحات التظاهر، وقد تمّ التوجيه بالتحقق من ملابساتها، للتوصل إلى معرفة ما جرى على أرض الواقع، ومحاسبة أيّ مقصر أو معتدٍ.

تستطيع السعودية دعم العراق للعبور من أزمته الاقتصادية الراهنة، خصوصاً في ظلّ رغبة الكاظمي بالانفتاح على دول الخليج

وأضاف أنّ استفزاز القوات الأمنية لجرّها إلى مواجهة هو أمر مدفوع من جهات لا تريد للعراق أن يستقر.

وشدّد رسول على أنّ القوات الأمنية العراقية المكلفة بحماية المتظاهرين السلميين لديها توجيهات واضحة وصارمة بعدم التعرّض لأي متظاهر، وإن حاول استفزازها، وأنها تمتنع عن اللجوء للوسائل العنيفة إلا في حال الضرورة القصوى وتعرّض المنتسبين لخطر القتل.

وأرفق المتحدث العسكري صوراً لجنود عراقيين تُظهر تعرّضهم لإصابات. 

اقرأ أيضاً: هذه الرسالة التي حملها وزير خارجية إيران من العراق

وتابع: كلنا ندرك الصعوبات المعيشية التي يمرّ بها أبناء شعبنا، والتي تحاول هذه الحكومة مع عمرها القصير أن تعالجها في ظلّ ظروف اقتصادية وصحية استثنائية، ولا يمكن أن نلوم مواطناً على التعبير عن رأيه بشكل سلمي يخلو من الاستفزاز، أو افتعال الصدام مع القوات الأمنية.

ونبّه إلى أنّ "المتظاهرين هم إخوتنا وأبناؤنا، وكذلك القوات الأمنية المكلفة بحمايتهم. والاعتداء على أيّ من الطرفين أمر سنحقق فيه، ولا يمكن السكوت عنه". 

وتداول ناشطون، عبر موقع التواصل الاجتماعي تويتر، مقطعاً مصوّراً لساحة التحرير بعد فضّ التظاهرات، فيما أحدهم يصيح: لقد أحرقوا خيامنا. 

ماذا فعل الكاظمي في شهرين؟ 

لم تشهد الحكومة العراقية ولادة يسيرة، وجاءت لتحمل إرثاً ثقيلاً من الفساد والأزمات الاقتصادية المتراكمة، والاحتجاجات الشعبية، والاستقطابات والتوتر الإقليمي. 

ورغم أنّ الشهرين مدّة ليست بالطويلة، لكنها كانت كفيلة بخوض الكاظمي مواجهات عديدة، واتخاذ قرارات مصيرية، منها مثلاً حملته الأخيرة ضد الفساد والتهريب، الذي تعتمد عليه إيران لتهريب المخدرات والسلاح إلى العراق، للحصول على العملة الصعبة، بحسب جريدة العرب اللندنية. 

تعهد المتحدث باسم الجيش بالتحقيق في واقعة التظاهرات، وأكّد على عدم المساس بالمتظاهرين حتى لو استفزوا القوات

وقبلها فتح الكاظمي ملفّ الميليشيات الشيعية، ولم يتراجع حين وُجّهت إليه رسالة تهديد ضمنيّة حين اغتيل المحلل الاستراتيجي العراقي والمستشار غير الرسمي لرئيس الوزراء هشام الهاشمي. 

تعهّد الكاظمي بحصر السلاح في يد الدولة، ومواجهة الفساد والمفسدين، وأطاح بمسؤول جهاز الأمن الوطني فالح الفياض، المحسوب على طهران، حيث يتولى رئاسة الحشد الشعبي أيضاً، كما أنه يتجه أيضاً لإحداث توازن في علاقات بغداد، فحدّد زياراته الأولى إلى الرياض وطهران وواشنطن. 

وتعكس تحرّكات الكاظمي كونه رجل دولة من طراز رفيع، يرمي ببصره نحو أهداف وخطط لم يتطرّق إليها أحد قبله، لكنّ المهم ألّا ينسى رجل الدولة أمام تلك المهام الصعاب، من يقفون محتجين أمام القصر، وربّما تلهمهم رغبتهم في توفير حاجاتهم الأساسية في مشاركة رجل الدولة آماله الكبار. 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية