يقدّم كتاب "مفاهيم إسلامية"، تأليف محمد أبو فارس (1938 – 2015)، أحد قادة الإخوان المسلمين، وعضو مجلس النواب الأردني (1989 – 1993/ 2003 – 2007)، تنظيراً دينياً للتطرف والكراهية، لم أسمع بأنّ أحداً من الإخوان المسلمين ردّ عليه، وهي تمثّل مفاهيم وأفكاراً متقبلة، ومتواطأ عليها، وإن كانت ليست معلنة، وربما تكون ميزة أبو فارس، أنّه قال علناً ما يقوله الإخوان المسلمون (في الأردن على الأقل) دون إعلان واضح.
الجاهلية عند أبو فارس، وكثير من الإخوان في الأردن، وكذلك الجماعات التكفيرية والمتشددة، داخل الأردن وخارجه، لا تعني فترة تاريخية (ما قبل الإسلام)، لكنّها تعني ما ليس إسلاماً، وتشمل الأفكار والمعتقدات والسلوك في كل المجتمعات، ولا فرق في ذلك بين ما يقوله أبو فارس، ويؤيده فيه كثير من قادة الإخوان وأعضائهم، وبين ما يقوله قادة القاعدة والسلفية. لماذا يشارك أبوفارس والإخوان المسلمون، إذاً، في الانتخابات النيابية "الجاهلية"؟
ويقدّم أيضاً، مفاهيم يعدّها من الإسلام، مثل: المفاصلة، والعزلة الشعورية، والتميز، واستعلاء الإيمان، وقد تبدو هذه المفاهيم غريبة على غير الإخوان، أو من لم يعرف البيئة التي يتشكّل فيها الإخوان المسلمون، والجماعات الإسلامية، وهي منظومة من السلوك والأفكار والمشاعر القائمة على كره المخالفين، وعدم مشاركتهم ومعايشتهم، والاستعلاء على قيم الجاهلية، وتنشئ، بطبيعة الحال، أحكاماً عملية، وأساليب حياة وعلاقات، ومتوالية معقّدة بامتدادها وأفكارها، ورغم أنّها منظومة مؤسّسة لــ "غيتو" وانفصال، وشعور بالاستعلاء على الواقع "الامتلاء بالحقيقة الواقعة، أنّنا نعيش وسط جاهلية، وأنّنا أهدى طريقاً من هذه الجاهلية" فإنّها تُبنى على نصوص لا تبدو متفقة مع هذه النتيجة؛ فالآية التي يبني عليها أبو فارس أحكامه، هي قوله تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا}(النساء:140)، وقوله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}(الأنعام:68)، يبني على الآيتين أحكاماً بالعزلة في حالة ضعف الجماعة المسلمة (يعني جماعة الإخوان وليس الأمة الإسلامية)، وعدم التمكين لها في الأرض، والثانية في حالة التمكين للمؤمنين ووجود قوة لهم، وتفسّر الآية قصة أوردها من غير مصدر، بأنّ عمر بن عبد العزيز أمر بجلد جماعة شربوا الخمر، وآخر كان يجلس معهم دون أن يشرب! رغم أنّ الآية تتحدث عن الإيمان والكفر!
يؤكد أنّ المصدر الوحيد للتشريع هو الإسلام وعبارة المصدر الرئيسي خاطئة لأنها تُشرك غير الإسلام في التشريع!
ويؤكد أبو فارس بداهة "أنّ المقرَّر في هذا الدين أنّ الإسلام وحده هو المصدر الوحيد للتشريع، والتصوّر، والقيم، والأخلاق" و"الأمة ليست صاحبة السيادة بمعنى السلطة العليا في سنّ القوانين؛ لأنّ الشريعة الإسلامية لم تعطِ حقّ التحليل والتحريم للأمة بمجموعها، أو لفئة منها؛ بل جعلت حقّ التشريع والتحليل والتحريم لله تبارك وتعالى، لا ينازعه أحد، حاكماً كان أو محكوماً".
ويحذّر من مقولة، إنّ الإسلام هو المصدر الرئيس للتشريع، فهي "مقولة خاطئة وخطيرة وتستوجب غضب الله وسخطه؛ إذ إنّ هذه المقولة تعني، عند مروّجيها، أنّ هناك مصادر أخرى للتشريع، وتشارك الإسلام في التشريع، وأنّ هذه المصادر متممة للإسلام والتشريع الإسلامي، وهذا يعني أنّ الإسلام ليس قادراً على حلّ المشكلات المستجدّة، ويعتريه النقص، وهذا يعني، بكلّ وضوح، طعناً في دين الله، واتهاماً للوحي بالقصور والنّقص، ولعلم الله بعدم الإحاطة، ولقدرة الله بالعجز، وهذه جريمة نكراء في هذا الدين، يخرج المعتقد بها عن الدين الإسلامي...".
ويعدّها نغمة نشازاً وصوتاً شاذاً، ومقولة غريبة، مَن يدعو إلى تنظيم العمل الإسلامي، وفق القوانين النافذة في البلاد، ذلك أنّ الحزب الإسلامي، أو الحركة الإسلامية، أو الجماعة الإسلامية، أو غيرها من التنظيمات الإسلامية في غياب الدولة الإسلامية، تكون في مقدّمة مهمّاتها الدعوة إلى الإسلام... والعمل لدين الله، وإقامة الشريعة الإسلامية في واقع الحياة، لا يحتاج إلى إذن من أية جهة كانت، سواء كانت سلطة تنفيذية أو قضائية، ويتساءل مستنكراً: هل اعتناق هذا الدين ونشره يحتاج إلى إذن؟! ويستشهد هنا بقصة موسى وهارون مع فرعون، ليؤكّد، مرة أخرى، أنّ شرعية العمل لدين الله، والتمكين لشريعة الإسلام لتحكم الناس، مستمدة من كتاب الله، وليست من إرادة حاكم ولا نظام، ويرى أنّ الآية القرآنية: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}(يوسف 108) تنصّ صراحة على أنّ العمل الإسلامي، والدعوة إلى الإسلام، واجب شرعي، أَذِنَ أصحاب الجاه والسلطان أم لم يأذنوا.
أبو فارس: الإسلام جاء ليغير الأنظمة الجاهلية فكيف يربط الدعاة عملهم لدين الله بإذن من هذه الأنظمة؟
ثم يتساءل قائلاً: إنّ الإسلام جاء ليغير الأنظمة الجاهلية، فكيف يربط الدعاة عملهم لدين الله بإذن من هذه الأنظمة؟ ثمّ يخلص إلى كلّ جماعة إسلامية، أو تنظيم إسلامي، أو حزب إسلامي، أو حركة إسلامية، أو غير ذلك من المسميات للعمل الإسلامي، تعمل لدين الله واستئناف الحياة الإسلامية، فهي مشروعة، وتستمد شرعيتها من كتاب الله وسنّة رسوله، وقد لا تكون قانونية؛ لأنّ القانون الوضعي لم يأذن لها، فعليها ألّا ترضخ له، وقد يكون العمل شرعياً وقانونياً، إذا جاء القانون ملبّياً لإرادة الشارع الحكيم سبحانه، غير مقيَّد بقيود غير شرعية، إرادة الدعاة وأهدافهم ووسائلهم في أعمال لإقامة الدولة الإسلامية، والأصل أن يحرص الدعاة على الشرعية الإسلامية المستمدة من الكتاب والسنة، فإن وافق القانون هذه الشرعية الإسلامية، المستمدة من الكتاب والسنة، فهو مقبول، وإن خالفها فمرفوض، ولا يجوز الالتزام به شرعاً، والرخصة الحقيقية ليست من القوانين الوضعية، إنّما هي من الشريعة الربانية، نعم، إنّ العمل لدين الله مقرر شرعاً لا يحتاج إلى رخصة من أحد، ولا إذن أحد.
كيف يمكن بهذه الأفكار والمقولات إقامة مشاركة سياسية؟ ماذا يمكن أن يكون تطبيق مثل هذه الأفكار، سوى التكفير والكراهية لكلّ من عادى الإخوان المسلمين، وأن تتولى فئة الوصاية على الدين، تقديم وفرض ما نزل من السماء في الحكم والسياسة والاقتصاد والرياضة والثقافة والشحن والتجارة والبنوك والزراعة والنانوتكنولوجي والفيزياء والأنثروبولوجي والبيئة والدبلوماسية والصناعة والتصميم والفنّ، واللّباس...إلخ؟