هل الجزيرة أداة لخدمة قطر والإخوان؟

هل الجزيرة أداة لخدمة قطر والإخوان؟


11/11/2017

مختارات حفريات

إذا عُرف السبب "زاد" العجب يا حكومة قطر (2-2)

لإلقاء المزيد من الضوء على وجود علاقات سرية قديمة بين الحكومة القطرية وبين مؤسسات سياسية واستخباراتية وعسكرية أمريكية، يمكن الإشارة إلى حديث قاله السفير الأمريكي السابق لدى قطر بين عامي 1992 – 1995 السيد كينتون كيث (Kenton Keith) في بيت الملحق الثقافي الأميركي في الرياض، في أوج فترة توتر العلاقة بين أمير قطر عندئذٍ الشيخ خليفة وولي عهده ابنه الشيخ حمد، فلقد انتقد كيث في حديثه الشيخ خليفة وامتدح ولي عهده الشيخ حمد، وأضاف ما يفيد بأن النزاع بين أمير وولي عهد قطر سيزداد، وأن الشيخ حمد سيسيطر-على الأغلب- على السلطة ويبعد والده الشيخ خليفة عن الحكم ويصبح هو أمير البلاد، وأوضح أن واشنطن ستدعم عملية تغيير الحكم في قطر، ولن تقبل بأي تدخل خارجي من أحد لحماية الشيخ خليفة، ومحاولة إبقائه في الحكم. وخلاصة القول هنا هي أنّ "الترتيب السري بين واشنطن وحكومة «الحمدين» خلال فترتي الرئيسين بوش الابن وأوباما قد يكون فعلاً أبعد وأعمق بكثير مما يقوله أو يتصوره بعض المحللين السياسيين في الوقت الحاضر".
ولكن سياسة أمريكا تجاه إيران وقطر بدأت بالتغيّر بعد وصول الرئيس ترامب للسلطة، ومشاركته في القمة العربية- الإسلامية - الأميركية، التي انعقدت في الرياض، وجمعته بأكثر من 50 من القادة العرب والمسلمين، فقد أدرك ترامب حقيقة وصدقية ما سمعه من قادة السعودية والإمارات والبحرين ومصر وغيرهم من قادة القمة، واطّلع على تفاصيل تورط الحكومة القطرية الموثق بدعم التطرف والإرهاب، وأصبح أكثر ميلاً لقبول موقف هذه الدول تجاه قطر والذي ظهر بعد القمة مباشرة، كما أدرك ترامب حقيقة الأخطار التي توجهها إيران لأمن واستقرار الخليج والمنطقة العربية، وأصبح أكثر تفهماً لخطر فكر الإخوان المسلمين، الذي يشكل حقيقة المصدر الجوهري والرئيس للإسلام السياسي المتطرف، وتخلّى عن سياسة غض النظر عن ممارسات إيران التي تبناها سلفه الرئيس أوباما، وقام بضرب الجيش النظامي السوري بعد استخدامه الكيماوي ضدّ شعبه. كما وجّه ترامب تهديدات صريحة لإيران ضدّ تدخلها في الدول العربية، وضدّ إنتاجها الصواريخ، وتزويدها بها لحزب الله اللبناني وللحوثيين في اليمن، ولقد حظيت سياسة ترامب ضدّ إيران بتأييد الكونغرس الأميركي، الذي فرض عقوبات جديدة على إيران، بسبب استمرارها في صناعة الصواريخ، كما فرض عقوبات أخرى على بعض قادة حزب الله اللبناني المتورطين بالإرهاب.
وهكذا.. أدت سياسة ترامب ضدّ إيران ونجاح السيسي في مواجهة الإخوان، وعدم انزلاق تركيا في الاندفاع مع قطر، إلى القضاء على فكرة جناحي وذيل الطائر القطري الوهمي، الذي اتخذت حكومة قطر على الأغلب قراراً بالتخلي عنها أو تجميدها.
لقد خفف الرئيس ترامب بعد ذلك من لهجة انتقاده لحكومة قطر، ربما بعد أن أطلعه وزيراه للخارجية والدفاع ورئيس الاستخبارات، على تفاصيل ملفات التعاون السري القديم بين الحكومة القطرية والمؤسسات الأميركية الثلاث التي يرأسونها، وظهر بعض التباين بين تصريحات ترامب من جهة والمسؤولين الأميركيين الثلاثة من جهة أخرى، وقرر ترامب تخفيف حدة انتقاده لقطر، وإعطاء الأولوية لمحاولة تسوية الأزمة القطرية من خلال الحوار بين أطرافها المعنيين بها.

أسهمت قناة الجزيرة في إشعال نار الفتن الطائفية والمذهبية في المنطقة، ودافعت عن الإخوان المسلمين، ودعمت موقف الفصائل المتطرفة في ليبيا

ولا يمكننا الانتهاء من مناقشة الأزمة القطرية الحالية من دون استعراض لدور محطة «الجزيرة» السلبي في هذه الأزمة. فالجزيرة، كما ذكرت سابقاً هي البوق الإعلامي الرئيس للحكومة القطرية، والرئة التي تتنفس من خلالها هذه الحكومة، ولقد كان الأمير الشاعر عبدالرحمن بن مساعد بن عبدالعزيز على حقٍّ في قصيدته القديمة «تعاريف»، التي ألقاها في القاهرة، ووصف في فن شعري إبداعي متميزٍ دولة قطر من دون التصريح باسمها بالدولة التي لم يعجبها وضعها وسط الخريطة فأصبحت قناة اسمها الجزيرة، وعندما سُئل الأمير الشاعر أخيراً عن قصيدته هذه، قال ما يفيد بأنها قصيدة قديمة، وجاء ذلك في حديث له بعد نشوء أزمة قطر الحالية وقبل اتخاذ الدول الأربع قرارها بمقاطعة قطر. فالأمير السعودي كما أوضح بعد ذلك لم يغيّر رأيه أبداً في محطة الجزيرة، ولكنه لم يرغب في صب الزيت على نار مشتعلة، أو إشعال النار في زيت الأزمة.
وبسبب ممارسات «الجزيرة» السلبية، فقد اشتملت قائمة مطالب الدول الأربع على موقف حاسم وقوي ضدّ محطة الجزيرة، إذ أسهمت في إشعال نار الفتن الطائفية والمذهبية في المنطقة، وعملت على إثارة وتصعيد الانقسام بين «حماس» و«فتح»، ودافعت عن الإخوان المسلمين، ودعمت موقف الفصائل المتطرفة في ليبيا. ومن سلبيات «الجزيرة» أيضاً، تسليط الأضواء على الانقسامات السياسية العربية التي نتجت من الربيع العربي، وتجاهلها بالمقابل الربيع الإيراني والانقسامات السياسية في إيران، وقيام الحكومة الإيرانية بقمع معارضيها السياسيين، وسجنها وقتلها الكثيرين منهم. كما لم تسلّط «الجزيرة» أيضاً الأضواء على ممارسات إيران السلبية العدوانية ضدّ العرب، ولا على دور حزب الله في قتل وقمع المسلمين السنة في سورية، كما نفّذت «الجزيرة» حرفياً سياسة الحكومة القطرية التآمرية ضدّ السعودية والبحرين والإمارات ومصر، وحاولت تصعيد وإبراز مشكلات الانقسام المذهبي بين السنة والشيعة في العالمين العربي والإسلامي، وركّزت أيضاً على انتقاد عمليات التحالف العربي في اليمن، ودعمت موقف الحوثيين بشكل غير مباشر، ووصلت سهام «الجزيرة» العدوانية ضد السعودية إلى حد الإساءة إلى مؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - طيب الله ثراه - وغيره من القادة السعوديين.
وأذكر في سياق تعدي «الجزيرة» على السعودية، أن وزير التعليم الكويتي السابق عضو مجلس الأمة الكويتي الدكتور أحمد الربعي، المعروف بصدقه ونزاهته وموضوعيته، قال يوماً في كلام موثقٍ مع «الجزيرة»، ما يفيد بأن الهدف الرئيس لحكومة قطر من إنشاء «الجزيرة» هو التهجم على السعودية، وأنه لو تصالحت السعودية وقطر فإن هناك احتمالاً كبيراً لأن تنهي الحكومة القطرية تبنيها للجزيرة، وتطلب منها إغلاق مكاتبها في قطر، ومن موظفيها وغالبيتهم من غير القطريين مغادرة أرض قطر والعودة إلى بلدانهم التي قدموا منها، فمذيعو «الجزيرة» هم ليسوا مجرد إعلاميين عاديين، ولكنهم في الحقيقة جزء من سياسة خفية تسعى لإثارة الفوضى والمشكلات في المنطقة العربية برمتها.
وإضافة إلى تهجم «الجزيرة» على ملوك وقادة السعودية، فإن من أوائل الزعماء العرب الذين تم توجيه سهام «الجزيرة» العدوانية لهم هو ملك المغرب السابق الحسن الثاني - يرحمه الله - لا لشيء إلا لأنه قال بعد انقلاب الشيخ حمد على والده الشيخ خليفة وانتزاع الحكم منه إنه لا يمكن قبول أي سبب يبرر قيام الابن بانقلاب على أبيه. ومن المعروف عن «الجزيرة» تميزها بهذه الحرفية وقيامها بعرض وتمرير ما تريد وحجب ما تريد، وليس العيب هو في انحياز «الجزيرة» السياسي الواضح لحكومة قطر، ولكن العيب حقيقة هو في رفض «الجزيرة» وحكومة قطر الاعتراف بهذا الانحياز.
في 2003، ألقت الحكومة الإسبانية القبض على تيسير علوني، وهو مواطن سوري يحمل الجنسية الإسبانية، ويعمل مراسلاً لقناة الجزيرة في إسبانيا، بتهمة تعاونه مع منظمة القاعدة الإرهابية، وتمت إدانة علوني، وصدر الحكم عليه بالسجن سبع سنوات من قبل القاضي الإسباني الشهير بالتزار غارزون (Baltazar Garzon) المختص في القضايا الإرهابية، وجاء في حيثيات منطوق الحكم: «إن الوقائع التي تم البت فيها هي وقائع ثابتة، تصنف ما جرى كجناية، للتعاون مع منظمة إرهابية من دون أن يكون الشخص المعني (تيسير علوني) منتمياً لهذه المنظمة».
ولقد أمضى تيسير علوني عقوبة سجنه كاملة، وتم إطلاق سراحه بعد ذلك وفق أسس ومتطلبات قانون العقوبات الإسباني، وأثناء محاكمته قامت محطة الجزيرة بتوكيل هيئة للدفاع عنه، ونظمت بعد ذلك حملة كبيرة للمطالبة بإطلاق سراحه طوال سنوات سجنه، وكانت تكرر على شاشتها جملة تظهر مصاحبة لصورة السجين المدان تقول: «الحرية لتيسير علوني».
هكذا إذاً يا محطة الجزيرة.. تطالبين بالحرية لمن حكم بسجنه قاضٍ من أشهر قضاة إسبانيا في قضايا الإرهاب، فلم تكتفِ «الجزيرة» بتوظيف تيسير علوني مراسلاً لها على رغم صلاته المشبوهة بالقاعدة، ولكنها قامت أيضاً بتنظيم حملة إعلامية وغير إعلامية للمطالبة بإطلاق سراحه، وبهذا ينطبق فعلاً على محطة الجزيرة ما سبق أن قلته لحكومة قطر في مقالتي السابقة: "أحشفاً وسوء كيلة يا محطة الجزيرة".

عثمان الرواف

عن صحيفة "الحياة" اللندنية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية