العيش على أرضٍ مفخخة: "مليونا لغم" ميراث الحوثي لأجيال اليمن

العيش على أرضٍ مفخخة: "مليونا لغم" ميراث الحوثي لأجيال اليمن

العيش على أرضٍ مفخخة: "مليونا لغم" ميراث الحوثي لأجيال اليمن


30/01/2023

نجم الدين قاسم

بعد إبلاغها بالمجيء لزيارة زوجها المُختطف في سجون ميليشيا الحوثي منذ 3 سنوات، حزمت رباب حقائبها وأعدت له الفطائر التي يُحبها، وانطلقت برفقة ابن أخيها من الخوخة غرب اليمن إلى صنعاء، لعلّها ترى زوجها المُغيّب عنها منذ أعوام، والذي كان الجميع لا يعرف شيئاً عن مصيره قبل اتصاله الأخير. وفي الطريق بينما كانت رباب تُحصي اللحظات بشوقٍ لرفيق حياتها، داست عجلات سيارتهم لغماً غادراً من الألغام التي زرعتها الميليشيات الحوثية في أنحاء محافظة الحديدة، لتنتهي حياة رباب وشوقها لرؤية زوجها وتنتهي حياة من كان معها في السيارة نفسها.

مر شهر كامل على ناجي محمد منذ أن أخبروه أن زوجته رباب آتية لزيارته، فكان هو الآخر يعد الدقائق واللحظات في انتظارها، ولم يعلم حينها أن زوجته ذهبت من هذا العالم قبل 30 يوماً وهي في طريقها إليه، وأنها لن تصل أبداً بعد الآن.

يروي ناجي قصته لـ"النهار العربي" ويقول: "منذ اندلاع المواجهات العسكرية في الحديدة وتحديداً في منطقة حيس، عملت على مساعدة النازحين من أبناء المنطقة، وكنت أحاول جمع المساعدات لهم نظراً للوضع الإنساني الصعب الذي يعيشه أبناء المحافظات، وفي 28 من حزيران (يونيو) 2017 تلقيتُ اتصالاً من شخصٍ ادّعى أنه فاعل خير، وأخبرني أن لديه 90 سلة غذائية يريد أن يُقدمها للنازحين، وعند وصولي إلى المكان الذي أخبرني بالمجيء إليه، توقفت سيارة سوداء تُقلُّ أشخاصاً مُلثمين قاموا باعتقالي واقتيادي إلى وجهةٍ مجهولة".

ظل ناجي 9 أشهر في زنزانة انفرادية في مقر الأمن والمخابرات التابع لجماعة الحوثي في صنعاء، ووجهت إليه تهمة التخابر والعمل لصالح الجيش والقوات المُشتركة في الحديدة، قبل أن تنقله الجماعة إلى أحد السجون الخاصة بالأمن السياسي التابع لها.

بعد ثلاث سنوات في غياهب المجهول، كانت المرة الأولى التي يُسمح له فيها الاتصال بأهله وزوجته، وأبلغهم حينها أنه مُعتقل لدى الحوثيين، وظل كذلك حتى أواخر تشرين الأول (أكتوبر) 2020، بعدما نجحت وساطة أممية بالإفراج عنه، فاستقبلته عائلته إلا زوجته رباب التي لم يستوعب بعد أنه لن يراها أبداً.

أطفال وإعاقات مزمنة

أديب إبراهيم ذو الثامنة من العمر، فقد والده وشقيقته التي تكبره بعامين، وبُترت رجله اليسرى بعدما داست قدمه على لغم أرضي أثناء رعيه للأغنام في مديرية "ذو باب" في محافظة تعز (جنوب غربي اليمن)، حيث كانت ميليشيا الحوثي قد زرعت معظم أجزاء المديرية بالألغام، قبل أن يسيطر عليها الجيش الوطني اليمني.

طفل يمني بُترت قدمه جراء انفجار لغم أرضي.

وما أديب ورباب إلا ضحيتان من آلاف ضحايا الألغام في اليمن، خصوصاً من الأطفال الذين فقدوا أطرافهم، حيث تشير الإحصاءات إلى وجود أكثر من ستة آلاف منهم، أغلبهم بسبب انفجار الألغام التي زرعتها الميليشيات الحوثية وفق اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ومعظمهم يعيشون حالة صحية سيئة، إضافة إلى أوضاعهم الاقتصادية المزرية والتي تمنعهم من التعافي.

وتُحمِّل الأمم المتحدة و"هيومن رايتس ووتش" جماعة الحوثي المسؤولية الكاملة عن حياة المدنيين من ضحايا الألغام، باعتبارها المسؤولة الوحيدة عن زراعة الألغام الأرضية في اليمن، حيث صرحت مديرة برنامج الطوارئ في "هيومن رايتس ووتش" بريانكا موتابارثي أخيراً قائلة: "لم تقتل الألغام الأرضية التي زرعها الحوثيون وتشوّه العديد من المدنيين فحسب، بل منعت اليمنيين المستضعفين من حصاد المحاصيل وجلب المياه النظيفة التي هم في أمس الحاجة إليها للبقاء على قيد الحياة. منعت الألغام أيضاً منظمات الإغاثة من تأمين الغذاء والرعاية الصحية للمدنيين اليمنيين الذين يعانون من الجوع والمرض بشكل متزايد".

ألغام مضادة للأفراد: 5999، ألغام مضادة للدبابات 135.763، ذخائر غير منفجرة 232.659، عبوات ناسفة 7673

ووفق تقديرات فريق الخبراء التابع لمجلس الأمن في اليمن، فقد زرعت جماعة الحوثي أكثر من مليوني لغم أرضي وعبوة ناسفة في مناطق المواجهات، والمناطق التي خسرتها خلال السنوات الأخيرة، فقد كانت تقوم بزراعة آلاف الألغام المضادة للأفراد والآليات العسكرية في كل منطقة ترى أنها ستخسرها لصالح الجيش الوطني اليمني، لتتركها أرضاً غير صالحة للعيش، غير آبهة بحياة المواطنين المدنيين في تلك المناطق، حيث تصدّرت اليمن قائمة الدول الأكثر تضرراً من حوادث انفجار الألغام على مستوى العالم في العام 2018، وفقاً لتقرير مركز جنيف الدولي لإزالة الألغام للأغراض الإنسانية. 

...

بقعة ضوء في العتمة

في أواخر عام 2022 أعلن مشروع "مسام" لتطهير الأراضي اليمنية من الألغام، وهو أحد المشاريع الممولة من الحكومة السعودية، عن نزع وإتلاف 4404 ألغام وعبوة ناسفة وقذيفة غير منفجرة، خلال كانون الأول (ديسمبر) المنصرم. والجدير بالذكر أن المشروع بدأ عمله في اليمن نهاية حزيران (يونيو) 2018 وحتى الآن تمكنت فرقهُ من نزع 379605 ألغام وعبوة ناسفة، وبلغت المساحة الإجمالية التي تم تطهيرها 42.644.021 متراً مربعاً من الأراضي اليمنية.

طفل مصاب بانفجار لغم يتلقى العلاج في مستشفى "أطباء بلا حدود" في المخا.

يقول المدير العام لـ"مسام" في اليمن أسامة القصيبي لـ"النهار العربي" إن المشروع "مستمر في مهامه الانسانية بوتيرة عالية وعزيمة لا تلين، وفرسانه موجودون ومنتشرون في 8 محافظات يمنية حاملين أرواحهم على أكفهم لأداء رسالة إنسانية سامية" عنوانها "الحياة والسلام ويمن خال من الألغام".

وقدم القصيبي الشكر لقيادة بلاده على دعم مشروع "مسام" لخمس سنوات مضت "من أجل أمن وسلامة اليمنيين وتأمين حياة ملايين من الشعب اليمني من أخطر عدو يهدد الحياة والسلام".

ويحظر القانون اليمني استخدام الألغام المضادة للأفراد، ضمن اتفاقية حظر الألغام لعام 1997 والتي تعتبر اليمن من الدول المُصادقة على هذه الاتفاقية، حيث دخلت حيز التنفيذ في آذار (مارس) 1999، والتزم اليمن بعدم استخدام الألغام المضادة للأفراد منذ ذلك الحين، إلى أن انقلبت جماعة الحوثي على الحكومة المعترف بها دولياً في كانون الأول (ديسمبر) 2014، حين بدأت الجماعة بزرع الألغام في المناطق السكنية، بهدف عرقلة تقدم القوات اليمنية.

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية