العدالة والتنمية وبنكيران مرة أخرى... سيرة النفاق السياسي من غزة إلى الأمازيغ

العدالة والتنمية وبنكيران مرة أخرى... سيرة النفاق السياسي من غزة إلى الأمازيغ

العدالة والتنمية وبنكيران مرة أخرى... سيرة النفاق السياسي من غزة إلى الأمازيغ


07/05/2025

تبرز أزمات عديدة ومتباينة ومركّبة في حزب العدالة والتنمية بالمغرب، الذي يُعدّ امتدادًا لجماعة الإخوان، المصنفة على قوائم الإرهاب في عدد من البلدان العربية، وتبدأ تلك الأزمات من الوضع التنظيمي، وانحساره، بما يؤثر على هياكله، مرورًا بانحسار وتآكل شعبيته وفقدان حواضنه الاجتماعية، وحتى وضعه مع السلطة وفي المجال العام. كما أنّ هزيمته المدوية في الانتخابات عام 2021 كشفت عن مغادرة قطار الهزائم لمحطته، ليسجل رحلة غير معلومة النهاية، تتنوع فيها الخسارات بتواريخ متفاوتة ومتعاقبة. 

فمع المؤتمر التاسع للحزب الإخواني، قبل فترة وجيزة، بينما كان يسعى عبد الإله بنكيران للاحتفاظ بالأمانة العامة، "حسمها بالفعل نهاية الشهر الماضي نيسان (أبريل)"، لجهة رغبته في ترميم فجواته وتجسير صلاته بالشرائح الاجتماعية المختلفة من حوامله الإيديولوجيين، لم يكن بمقدوره إخفاء جملة حقائق، وكأنّ "الخرق اتسع على الراتق"، فقد تغيب عن قصد مجموعة من القيادات المؤثرة والوازنة، منهم عزيز رباح، والمصطفى الرميد، ونجيب بوليف الذي لم يتردد في نزع صفة الشرعية عن المجلس الوطني للحزب، ووصفه بأنّه "غير شرعي". هذا الوضع التنظيمي الهش للحزب يشير إلى انقسامات عنيفة، واحتمالات قائمة بمزيد من التفكك والتشظي، وهي مرشحة للتضاعف، مع الأخذ في الاعتبار أنّ بنية الحزب تضاءلت وانكمشت بتراجع عضوية الحزب إلى نحو النصف في الفترة بين 2020 و2024، وقد تم فقدان نحو (20) ألف عضو في الأعوام الـ (4) السابقة؛ الأمر الذي انعكس على اقتصاديات الحزب التي انعكست على تغطية نفقات المؤتمر الأخير، إلى درجة دفعت بنكيران إلى المطالبة بتبرعات (!).

الأمين العام لحزب العدالة والتنمية المغربي: عبد الإله بن كيران

سقوط الخطاب السياسي

ولهذا، ثمّة ردود فعل عصبية ومتشنجة سادت الاجتماع الذي عقدته الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية مطلع الأسبوع، على خلفية تصريحات بنكيران الأخيرة وخطابه الذي اشتمل على عبارات فجة، منها "الحمير" و"الميكروبات". ونقل موقع (بلبريس) المغربي، عن مصادره، أنّ أعضاء في الأمانة العامة وصفوا خطاب بنكيران خلال احتفالات عيد الشغل بالدار البيضاء بأنّه "غير مسؤول"، معتبرين أنّ استخدامه عبارات مثل "الحمير" و"الميكروبات" لوصف بعض الخطابات المُخالفة لموقف الحزب، وإطلاقه لقب "المدلول" على الرئيس الفرنسي، يضر بصورة الحزب. وأكدوا أنّ الدفاع عن القضية الفلسطينية يجب أن يتم بأسلوب دبلوماسي يحفظ للمغرب تحالفاته التاريخية، علماً أنّ فرنسا تُعدّ من الحلفاء الاستراتيجيين للمملكة المغربية، لا سيّما بعد اعتراف باريس بمغربية الصحراء، ودعم الموقف المغربي في مجلس الأمن باعتبارها عضوًا دائمًا فيه.

وقد شنت قيادية سابقة بحزب (العدالة والتنمية) "ذراع الإخوان المسلمين في المغرب" هجومًا لاذعًا على زعيم الحزب عبد الإله بنكيران، على خلفية تصريحاته المسيئة لرؤساء دول صديقة.

واستنكرت كاتبة الدولة السابقة لدى وزير الطاقة والمعادن والتنمية المستدامة، نزهة الوافي، أسلوب السبّ الذي يتعامل به بنكيران مع معارضيه ومن لا يوافقه الرأي. ووفق ما نقل موقع (ريو 20)، فقد تحسّرت نزهة الوافي، القيادية التي ابتعدت عن الحزب منذ فترة، على الوضعية التي آل إليها الحزب الإسلامي بقيادة بنكيران. كما أبدت في تعليق نشرته على صفحتها عبر موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) استغرابها من مهاجمة بنكيران الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، معتبرةً أنّ "الدفاع عن القضية الفلسطينية كقضية مركزية لدى كل المغاربة لا يبرر التهكم على رئيس دولة كفرنسا تربطها بالمغرب شراكة استراتيجية".

وقالت الوافي: "لا يليق برئيس حكومة سابق، وأمين عام حزب سياسي قاد الحكومة المغربية لولايتين، التهكم على رئيس دولة أخرى، مثل فرنسا التي اصطفت إلى جانب الحق والدعم المتواصل لمغربية الصحراء في معركة شرسة للقضية الوطنية التي هي فرضُ عَيْنٍ علينا جميعًا، وفي لحظة حاسمة وحساسة ومعقدة إقليميًا ودوليًا لا يليق ذلك، وهو مناقض لكل الأعراف السياسية والدبلوماسية مهما كانت المبررات".

 كاتبة الدولة السابقة لدى وزير الطاقة والمعادن والتنمية المستدامة: نزهة الوافي

تخبط وإفلاس

يمكن القول: إنّ خطاب بنكيران يعكس حالة قصوى من التخبط والإفلاس معًا، حيث إنّ اللجوء إلى الملاسنات وسياسة الابتزاز يُعدّ ضمن وسائل الجماعات الإسلاموية للتعمية على إخفاقاتها، ومحاولة خلق أجواء ومناخات استقطابية مثيرة للجدل. ويضاف إلى ذلك، أو يقع ضمن السياسات والممارسات المشبوهة ذاتها، محاولة الاتهام، اتهام الخصوم، سواء المعارضة المدنية أو الحكومة، بالفساد، وقد ألح بنكيران، مؤخراً، على ضرورة إصلاح شامل للمنظومة الانتخابية، وذلك لإيجاد ذرائع للفشل السياسي وانحسار الحزب انتخابيًا "وربما استباق نتائج الانتخابات العام المقبل"، وفقدانه القدرة على كسب أصوات تحقق له الفوز. وبدلًا من مواجهة الأسباب العملية في مآلات ما جرى منذ انتخابات العام 2021، نتيجة سوء إدارته السياسية وفي الحكم، بما تسبب في فقدان شرائح اجتماعية من الطبقة الوسطى امتيازاتها، وتدني الأوضاع الاقتصادية، وعدم القدرة على الوفاء بوعودهم الانتخابية في الرفاه، والعدالة الاجتماعية والسياسية، يتم التلميح بوجود فساد في المنظومة تعطل من صعود الخاسرين. 

وفي البيان الختامي لمؤتمر الحزب الإسلاموي قال: إنّ "مصداقية الاختيار الديمقراطي تمر عبر انتخابات نزيهة وشفافة وحرة"، وتابع: "بلدنا رهين بمؤسسات منتخبة مسؤولة وبأحزاب مستقلة تشتغل في إطار تعاقد جديد مبني على احترام الدستور وحماية الحقوق والحريات وضمان استقلال القضاء ونزاهة الانتخابات". وطالب بإصلاح قانوني وعملي وشامل للمنظومة الانتخابية، مشيرًا إلى أنّه "في غياب هذه الخطوة ستظل الممارسة الانتخابية مشوهة وغير صادقة ومحكومة بشبكات الإفساد والتلاعب بالنتائج لمصلحة لوبيات ومصالح متنفذة". كما حرّض أنصاره على "التعبئة الشاملة والكبيرة من أجل مواصلة مسار النضال بقوة وشجاعة وتجديد المشروع النضالي للحزب والتعبئة للقيام بالمسؤوليات والمهام والاستحقاقات".

شهد الحزب صعودًا سياسيًا لافتًا تُوّج بتصدره للمشهد السياسي في عشرية سوداء لها مثيلاتها مع تجارب حكم الإسلام السياسي في مرحلة ما بعد الربيع العربي، لا سيّما تونس. غير أنّه سرعان ما أخفق نظريًا وسياسيًا، بل فقد قاعدته الاجتماعية، كما أصيبت بنيته بخلل داخلي وهيكلي، ازداد اتساعًا مع التراجع الجماهيري الحاد وفي عضويته كذلك، ممّا ينهي شرعيته السياسية التي سبق أن أوصلته إلى الحكم. 

ويعاود الحزب البحث عن وسائطه القديمة لاستعادة شرعيته المهزومة، أو بالأحرى التي انكشفت براغماتيتها وانتهازيتها المؤقتة في سبيل التمكين، فيسعى إلى البحث عن شرعية نضالية مزعومة من خلال الاحتماء بالقضية الفلسطينية، رغم قبوله بالتطبيع بين المغرب وإسرائيل، والاصطفاف مع حماس، خاصة بعد حرب غزة. وذلك في إطار اصطفاف الإسلام السياسي إقليميًا. وآخر تلك المحاولات الإعلان عن حضور شخصيات إخوانية من حماس وآخرين من موريتانيا وتونس وسوريا لمؤتمر الحزب التاسع. وهذه الشرعية التي يفتش عنها الحزب لا تكاد تختلف عن انعطافة بنكيران للمسألة الأمازيغية واعتبارها نقطة ارتكاز محلية لتعويض إخفاقاته، رغم سوابقه في الهجوم عليها، فضلًا عن سياساته التمييزية بحقهم. بالتالي، فالمواقف المتناقضة من قضيتي غزة وفلسطين أو الأمازيغ لا تعدو كونها أكثر من مجرد محاولات قصوى لاستمالة قواعد شعبية باتجاه الحزب، والتعافي من حالة النبذ المجتمعي والسياسي، وتبطن نفاقًا سياسيًا ليس خفيًّا. 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية