"الدراسات الإسلامية: إلى أين؟".. لماذا أثارت محاضرة وزير الأوقاف المغربي ردود الإخوان؟

"الدراسات الإسلامية: إلى أين؟".. لماذا أثارت محاضرة وزير الأوقاف المغربي ردود الإخوان؟


21/12/2021

مع نهاية العام 2016، نظّم مركز بحثي إخواني في المغرب ندوة وطنية حول موضوع "التعليم الديني بالمغرب التحديات والآفاق"، وتوزعت محاور الندوة على خمسة عناوين: خريطة التعليم الديني بالمغرب، التربية الإسلامية بالثانوي الإعدادي والتأهيلي، التعليم الديني بمؤسسات التعليم العالي والجامعي، التعليم العتيق ودور القرآن بين حفظ الموروث ومقتضيات التجديد، وأخيراً، دور التعليم الديني في تعزيز منظومة القيم وحماية الأمن الروحي.

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون: "جريمة" في مقر النهضة وتحريض في المغرب وتواطؤ في اليمن

انتهت الندوة بصدور حينها ما سُمّي "إعلان الرباط لإصلاح مناهج التعليم الديني بالمغرب"، والذي، إضافة إلى أنه يُعبّر بالتحديد عن وجهة نظر إيديولوجية إخوانية بخصوص إصلاح هذه المناهج، فإنّه استبعد المكون الصوفي الذي يُميز التعليم الديني في المغرب، وكان هذا أمراً متوقعاً أخذاً بعين الاعتبار المرجعية الإخوانية للمركز؛ لأنّه تابع لحركة "التوحيد والإصلاح" وحزب "العدالة والتنمية".

اقرأ أيضاً: "العدالة والتنمية" يستند إلى "أدبيات الإخوان" لتفسير هزيمته في المغرب

وليس صدفة أنّ المؤتمر نظم بعد بضعة أشهر من فوز حزب "العدالة والتنمية" بقيادة الحكومة المغربية الثانية بعد أحداث "الفوضى الخلاقة" [2011 ــ 2013]، أي حكومة 2016، أي في عز فترة اختراق المشروع الإخواني لمؤسسات الدولة، السياسية والدينية والتعليمية وغيرها، وكانت أهداف أتباع المشروع في تلك الفترة أنّ مرحلة التغلغل في مؤسسات الدولة ستعرف منعطفاً جديداً مع وجود الحزب في رئاسة الحكومة، ومن ذلك المؤسسات التعليمية، سواء عبر بوابة الأعضاء أو عبر بوابة تعديل المناهج بما يصبّ إجمالاً في مصلحة الإسلاموية.

ألقى وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربي أحمد التوفيق، محاضرة بعنوان "الدراسات الإسلامية: إلى أين؟" وكانت حدثاً سياسياً ودينياً متشعباً

في 15 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، ألقى وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربي أحمد التوفيق، محاضرة بعنوان "الدراسات الإسلامية: إلى أين؟"، وكانت حدثاً سياسياً ودينياً متشعباً، لأنّ شعبة الدراسات الإسلامية في المغرب، وطيلة عقود مضت، كانت أشبه بملف مسكوت عنه كلما تعلق الأمر بتقييمها فالأحرى تقويمها، خاصة أنّها كانت إحدى بوابات اختراق المنظومة الإسلاموية للمؤسسات الدينية والتعليمية ومؤسسات أخرى، حتى إنّ العديد من المسؤولين في المؤسسات الدينية، قادمون من المشروع الإخواني، بعضهم أخذ مسافة من المشروع، والبعض الآخر ما يزال منتمياً أو متأثراً بخطاب المشروع.

اقرأ أيضاً: المغرب: هل تسعى "العدل والإحسان" لملء فراغ هزيمة "العدالة والتنمية"؟

من رسائل وزير الشؤون الإسلامية في المحاضرة نفسها، أنّه مما "ينبغي أن يفقهه طلبة الدراسات الإسلامية هو وقائع التاريخ التي جعلت طوائف من المسلمين تنفر من السياسة والحكام منذ حركة الخوارج، بالرغم من أنّ صلحاء الأمة من العلماء المؤسسين لهذا العلم المستنبط ما تصوروا الجماعة إلا بإمام ترجع إليه سياستها".

وأضاف أنّه "من هذه المؤسسات الدستورية مؤسسة العلماء، وفي كنفها المعنوي والفعلي يتصور منطقياً أن ينضوي العلماء المؤطرون للدراسات الإسلامية والمتعلمون فيها انضواء ورع وتبجيل واستمداد، ولا يتصور أن يؤطر في الدراسات الإسلامية في علوم الدين غير علماء الدين، خاصة أن مستقبل الدراسات الإسلامية في المغرب يتوقف على استيعاب مبادئ كبرى تدور قبل كل شيء على الشعور أو البصيرة أو ما نسميه اليوم بالوعي". بل استشهد المسؤول الأول عن تدبير الشأن الديني في المغرب تحت قيادة المؤسسة الملكية، بكتاب خُصّص للدراسات الإسلامية في الولايات المتحدة بعنوان "نحو مقاربة لما بعد الاستشراق في الدراسات الدينية الإسلامية"، والذي أكد تضاعف الاهتمام في العقد الأخير من القرن العشرين بالدراسات الإسلامية، حيث تبوّأت مكانة غير مسبوقة إلى جانب دراسة الأديان الأخرى، بعدما كانت فرعاً ثانوياً في دراسة تاريخ المسيحية.

لم تتأخر الأقلام الإسلاموية بالتفاعل مع مضامين ورسائل المحاضرة كوزير التعليم العالي الأسبق باسم حزب "العدالة والتنمية"

لم تتأخر الأقلام الإسلاموية في التفاعل مع مضامين ورسائل المحاضرة، ومنها وزير التعليم العالي الأسبق باسم حزب "العدالة والتنمية"، خالد الصمدي، والذي أثار سجالاً حول ما تناوله أحمد التوفيق خلال حديثه عن تصورات مقترحة لتجديد شعبة الدراسات الإسلامية، حيث علّق الوزير السابق في تدوينة على حسابه الرقمي في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، بالتعامل مع المحاضرة على أساس أنّها تصادف الذكرى الأربعين لإحداث شعبة الدراسات الإسلامية، بأنها تأتي في سياق تجديد نظام التعليم العالي من خلال اعتماد نظام البكالوريوس.

بل اعتبر أنّ ما جاء في محاضرة وزير الشؤون الإسلامية من أفكار وتصورات ليس أمراً جديداً، بل توصل إليه الخبراء في لقاءات سابقة، منها لقاء تنسيقي نظم بمدينة إفران العام 2018، والذي "ترأسته شخصياً حين كنت مكلفاً بقطاع التعليم العالي" كما يقول؛ كما أنّ "خلاصات المحاضرة تتقاطع أيضاً مع مخرجات المؤتمر الدولي الذي نظمه ماستر التربية والدراسات الإسلامية بالمدرسة العليا الأساتذة بتطوان جامعة عبد المالك السعدي سنة 2015 تحت عنوان "مستقبل التكوين والبحث في الدراسات الإسلامية في ضوء التجارب الدولية"؛ وترأسه وزير التعليم العالي الأسبق الدكتور لحسن الداودي [عن حزب "العدالة والتنمية" أيضاً]؛ والذي عرف تقديم العديد من الأوراق العلمية التي عرضت التجارب الدولية في مجال التكوين والبحث في الدراسات الإسلامية؛ وغيرها من الجهود التي تناولت مسار التكوين والبحث بالشعبة بالدراسة والتقويم".

 

اقرأ أيضاً: كيف ألقى تأجيل المؤتمر التاسع بظلاله على حزب العدالة والتنمية المغربي؟

تسببت هذه التدوينة في صدور توضيح لوزير الشؤون الإسلامية، والذي نادراً ما يفعل ذلك؛ أي الانخراط في توضيح مضامين أو رسائل محاضرة بسبب تفاعل فاعلين سياسيين، لولا أنّ الأمر هنا يهم تفاعل وزير سابق باسم حزب "العدالة والتنمية"، اعتبر أنّ مضامين المحاضرة "ليست أمراً جديداً".

 

اقرأ أيضاً: إلى أين يسير حزب العدالة والتنمية المغربي بعد الهزيمة الأخيرة؟

ردّ عليه الوزير الحالي بالإشارة إلى أن "المحاضرة في جوهرها لم تكن عبارة عن اقتراح برامج ومضامين، وإنّما كان الغرض منها إثارة الانتباه إلى الأهمية القصوى لهذه الشعبة إذا هي ركزت تكوينها على وعي تام بضرورة الالتزام بثوابت الأمة فيما يتعلق بتدريس الدين وتبليغه في المملكة المغربية"، مضيفاً نقطتين تحيلان على معضلة التأثير الإسلاموي في أداء الشعبة من جهة، ومن ذلك التفاعل الإسلاموي؛ حيث أكد أولاً أنّ "الغرض من المحاضرة كان إثارة الانتباه إلى أنّ إعمال هذا الجانب، وهو البيان العقلاني لفائدة الالتزام بالثوابت في تأطير عامة الناس، وهو مصير كل متخرج من هذه الشعبة، أمر واجب في دفع فتنة الدين التي ينشأ عن بعض تمظهراتها تيار الإرهاب في مختلف درجاته".

وأكد ثانياً أنّ "المقصود بالبيان العقلاني مراعاة السياق المغربي بكل مكوناته من جهة، وشرح الاختيار المعتدل للأجداد في ما يتعلق بالعقيدة والمذهب والسلوك"، ومن مميزات ذلك السلوك، الممارسة الصوفية التي غابت كلياً في "إعلان الرباط لإصلاح مناهج التعليم الديني بالمغرب" الصادر عن مركز بحثي إخواني ينتمي للمَجَرة الإسلاموية التي ينتمي إليها وزير التعليم الأسبق.

اقرأ أيضاً: بعد النكسة.. بنكيران يدق آخر مسمار في نعش "إخوان المغرب"

كانت التفاعلات الصادرة عن أعضاء التيار الإخواني، في مقدمة التفاعلات مع محاضرة أحمد التوفيق، ومنها تفاعلات أعضاء سابقين، ومنهم الباحث مصطفى بوكرن الذي اعتبر أنّه "حين يتحدث أحمد التوفيق لمدة ساعة وربع، في محاضرة مكتوبة يحضرها الدبلوماسيون والعلماء والطلبة والطالبات، فهذه ليست محاضرة عادية، لمثقف عادي. نحن نتحدث عن وزير أوقاف، يرافق الملك محمد السادس في تدبير الحقل الديني منذ 7 تشرين الثاني (نوفمبر) 2002، أي ما يقارب عشرين سنة؛ بمعنى، الرجل عرف خبايا الشأن الديني في تفاصيله الدقيقة، ويعرف حق المعرفة الأبعاد الحضارية والاستراتيجية لهذا الحقل".

بقيت إشارة أخرى، مفادها أنّ انتخابات 8 أيلول (سبتمبر) 2021، أفرزت هزيمة حزب "العدالة والتنمية"، حيث انتقل من الصف الأول في عدد المقاعد النيابية إلى الصف الثامن، إلى درجة أنه لا يتمكن من تشكيل فريق نيابي في مجلس النواب، ولكن هذا المعطى يهم الأداء السياسي والحزبي لإخوان المغرب، بينما الأمر مختلف مع الأداء الديني والاجتماعي، وهذه إحدى القراءات المتداولة حول محاضرة وزير الشؤون الإسلامية؛ أي إنّ مضامينها ورسائلها، وإن كانت متعددة ومركبة، فإنّ بعضها يهم التصدي للواجهة الدينية والثقافية للمشروع نفسه.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية