الشرع بين الطائفية وتجميل الإسلام السياسي

الشرع بين الطائفية وتجميل الإسلام السياسي

الشرع بين الطائفية وتجميل الإسلام السياسي


29/03/2025

منذ دخول أحمد الشرع القصر الرئاسي في سوريا (قصر الشعب) في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، وهو يظهر براغماتية شديدة في التعامل، إضافة إلى شيء من المراوغة، ويسعى بشكل واضح لتقديم صورة جديدة عن الإسلام السياسي الجهادي، فبعد حريق شجرة الكريسماس في مدينة السقيلبية، قام الشرع بإعلان 25 و26 كانون الأول (ديسمبر) إجازة رسمية في الدولة السورية بمناسبة الاحتفال بعيد الميلاد المجيد، وهي خطوة توضح مدى إدراكه للموقف الذي يقف فيه الإسلام الجهادي اليوم. 

وفي 12 آذار (مارس) الجاري شهدت سوريا مذبحة للعلويين في الساحل السوري، وتمّ نشر العديد من الفيديوهات المصورة للضحايا أثناء تعذيبهم وإهانتهم بصورة غير إنسانية من كافة النواحي، ووسط ترقب وإدانة عالمية لهذه الأحداث، حيث أفادت تقارير نشرتها (بي بي سي) العربية أنّ هناك عائلات بأكملها تمّت إبادتها خلال هذه المذابح، جاء خطاب الشرع مخيبًا للآمال، ويؤيد ما تمّ تداوله في الفيديوهات المصورة، بتسميتهم فلول النظام السابق، وهدّدهم بشكل واضح. 

رئيس الجمهورية العربيَّة السوريَّة للمرحلة الانتقالية: أحمد الشرع

الطائفية في سوريا

بالسؤال عن الطائفية في سوريا أجاب مدير قسم الدكتوراه بجامعة (هارتفورد) السوري الأمريكي الأستاذ الدكتور نجيب جورج عوض لـ (حفريات): "علينا أوّلًا أن نفرق بين الطوائفية والطائفية، والطوائفية هي وجود مجموعة من الطوائف تتعايش مع بعضها البعض في دولة واحدة في سوريا، بينما الطائفية إيديولوجيا دوغمائية تستخدم عادة لشيطنة الآخر، وعزل الشخص نفسه عن الآخرين، وسوريا قبل وجود جبهة النصرة وهيئة تحرير الشام كان فيها طوائف، ولم تكن تعاني من مرض الطائفية مثلما كان يعاني منه لبنان أو العراق مثلًا.

ومن المؤسف أنّه اليوم بعد حدوث الجريمة البشعة التي حدثت بمنطقة الساحل بسوريا، اتضح لي أنّ الطائفية بدأت تدخل إلى المشهد السوري، مع وصول فصائل مسلحة سلفية إسلامية مرتزقة، تعتمد خطاب الطائفية لتبرير وجودها، وتبرير قتل الآخر، وهذه ظاهرة في رأيي جديدة على المشهد السوري. 

وتاريخ الشعوب يوضح كيف فعلت الطائفية ما لم تفعله الحروب في الدول، لذا أظهر الجميع قلقه حول سوريا ومستقبلها، خاصة بعد ردّ الشرع الذي جاء مخيبًا للآمال، وهذا ما أكد عليه الدكتور عوض لـ (حفريات) قائلًا: الطائفية ظاهرة مدمرة وخطيرة جدًا، ويجب على الإدارة الحالية التعامل معها ووأدها في مهدها، حتى لا تنتشر وتتحول إلى حالة عامة اعتيادية عند الناس، فيمكن القول إنّ سوريا عريقة في الطوائف، ولكنّ ظاهرة الطائفية ومرض الطائفية فيها، هي ظاهرة خطيرة أنهت الكثير من الأوطان، وعلى السوريين التعامل معها على هذا الأساس. 

الإدارة السورية والنزوع نحو الطائفية 

حرص الشرع في إدارته على تقديم صورة معاصرة للحكم السوري الحالي، ورغم أنّ الطائفية هي أول ما يجعل العالم متخوفًا من الإسلام السياسي، وخاصة الجهادي منه، بما يخلقه من رفض للآخر وتبرير لمحوه وموته، لم ينتبه الشرع إلى خطابه ووصف العلويين بالفلول، ووعد بالردّ القاسي عليهم، ممّا دفع العديد من الدول إلى الضغط على الإدارة السورية وإبداء مخاوفها حول الوضع السوري، وهذا ما دفع الشرع إلى التراجع وعقد بعض المصالحات حتى لا تتوقف المعونات، ويفقد الشرعية الدولية لوجوده في سوريا. 

الدكتور عوض: الطائفية ظاهرة مدمرة وخطيرة جدًا، ويجب على الإدارة الحالية التعامل معها ووأدها في مهدها، حتى لا تنتشر وتتحول إلى حالة عامة اعتيادية عند الناس

وفي تصريح للدكتور عوض خصّ به (حفريات) قال: يبدو لي أنّ الإدارة في سوريا بسبب الضغط العربي، والضغط الدولي عليها، بدأت تدرك أنّه من غير الممكن التساهل مع الطائفية في سوريا، وعليها أن تنهج نهجًا آخر، وتعاقب الطائفيين المرتزقة (الكتائب التي ارتكبت الجرائم)، وهناك ضغط على الإدارة لتنفيذها، والإدارة أيضًا تدرك أنّ الطائفية ستدمر سوريا، لأجل ذلك سارعت إلى عقد تصالح مع الأكراد في سوريا مؤخرًا، ومع "قسد"، وعقدت تصالحًا آخر مع الدروز في جنوب سوريا، وهاتان الخطوتان مهمتان جدًا لحماية سوريا في المستقبل. 

وأكد عوض أنّه رغم جهود الإدارة الانتقالية يبقى على الإدارة تحدٍّ كبير جدًا، وهو: معاقبة الفصائل الراديكالية غير المنضبطة والمنفلتة والتخلص منها، التي لا تستمع إلى الإدارة الحالية، وتفكيكها وتسليم قادتها للقضاء لكي تتمّ محاسبتهم على الجرائم البشعة التي ارتكبوها في حق العلويين في منطقة الساحل. 

وبالرغم من حرص الشرع على تقديم صورة جديدة عن الإسلام السياسي، ولا سيّما الجهادي، والحيازة على الشرعية الدولية، وهي محط اهتمام معظم رؤساء الدول العربية عادة، إلا أنّ الإسلام السياسي يظهر من خلف الوجه الذي يحاول أن يقدمه. 

ويظهر وجه الإسلام السياسي والنزوع نحو الطائفية في مسودة الإعلان الدستوري التي قدمها الشرع، فقد أدان مجلس سوريا الديمقراطية  قسد" مسودة الدستور المقترحة، وأوضح "أنّ الدستور المقترح لا يتماشى مع الاتفاق الذي تم توقيعه مع الحكومة السورية، بل يمثل تراجعاً عن التفاهمات السابقة".

وأدى الإعلان عن هذه المسودة إلى أن وصف الشيخ حكمت الهجري، زعيم طائفة الموحدين الدروز، حكومة دمشق بـ "المتطرفة"، مشدداً على رفض الطائفة لأيّ وفاق أو توافق مع السلطة الحالية، وهو تطور خطير في مرحلة التفاهم الطائفي، ويوضح عدم نضج الإدارة السورية الكافي. 

وجاء في البند الأول من المادة الثالثة: "دين رئيس الجمهورية الإسلام، والفقه الإسلامي هو المصدر الرئيس للتشريع"، وتحمل عبارة الفقه الإسلامي المصدر الرئيس للتشريع مخاوف كبيرة حول التشريع وتطبيقه، كما أنّها تعلن عدم حياد القانون، ومن ثم عدم حياد الدولة، وهو ما تمّ التعبير عنه بأنّ هذا الإعلان جاء انقلابًا على التفاهمات التي أجراها الشرع مع باقي الطوائف السورية. 

وهذا ما حذّر منه قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، حين أوضح أنّ إبراز الشريعة الإسلامية كمرجعية للحكم سيؤدي إلى مزيد من الفوضى والانقسام. وأشار إلى أنّ هذا الإعلان ينذر بميلاد دولة مركزية لا تختلف عن دولة الأسد، إلا في طريقة تبريرها لأفعالها. 

والواقع أنّ الإدارة السورية تعمل حتى الآن ببراغماتية شديدة واتزان مقبول، وتسعى للحصول على التأييد الدولي والشعبي، خاصة الصورة الإسلامية التي تطرحها للدولة، ليحظى الإسلام السياسي بالوجود على الساحات العالمية مرة أخرى من خلال الصورة التي تقدمها، بيد أنّ سقطاتها توضح صورتها الطائفية الفجة التي لا تعرف غير العنف.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية