السريون الجدد... فقه القتل من "حسم" إلى حركة "ميدان"

السريون الجدد... فقه القتل من "حسم" إلى حركة "ميدان"

السريون الجدد... فقه القتل من "حسم" إلى حركة "ميدان"


04/05/2025

تعود جماعة الإخوان إلى المشهد بشكل جديد ينبئ بتغيير جذري في العمل المسلح، ممّا يذهب بالجماعة إلى التحلل من قيد الارتباط بمبدأ التغيير التدريجي، والانتقال إلى العمل تحت المبدأ الثوري، وصولًا إلى النصر المنشود. تحولات أظهرتها تحركات إخوان الأردن، ومحاولة تصنيع صواريخ محلية الصنع لنشر الفوضى داخل البلاد، قبل أن يُكشف المخطط في 15 نيسان (أبريل) 2025.

بالتوازي مع تلك التحركات أطلق إخوان مصر مشروع "ميدان" الداعي إلى العمل الثوري ضد النظام المصري ومحاولة تأجيج مشاعر الجماهير دفعًا لهم للانتفاضة ضد النظام؛ سعيًا إلى خلخلة المشهد وتفجير الأوضاع لفتح المجال للتحركات الثورية والمواجهة المسلحة مع الدولة.

تحولات يراها محللون ظهرت على السطح مع إطلاق مشروع "ميدان"، لكنّها مسألة لا تضع في اعتبارها جذور الفكرة الثورية التي تمخضت عن صدام الإخوان مع النظام المصري في اعتصام رابعة عام 2014، وقد أشار إلى تلك التحولات الباحث محمد توفيق في الجزء الثاني من كتابه "النقد الذاتي عند الإسلاميين ـ الإسلام السياسي"، الصادر عام 2016 في طبعته الأولى، يشير توفيق إلى "أنّ جماعة الإخوان المسلمين التي لم تعد هرمية ومنضبطة وحذرة وجامدة، ليست ببساطة الجماعة التي كانت موجودة سابقًا...". مضيفًا: "في المقابل، يبدو أنّ من هم في القاعدة يحكمون الحركة، في البيئة الجديدة، أكثر ممّن هم في قمتها. ويظهر أنّ المزيد من كبار الأعضاء مستعدون للإذعان إلى الأعضاء الأصغر سنًا".

زلزال رابعة يبطش بالإخوان

مع سقوط الجماعة المدوي في حزيران (يونيو) 2013 تشكلت سريعًا لجنة إدارية عليا المسؤول عنها محمد كمال وعضوية آخرين أبرزهم يحيى موسى الموضوع على قوائم الإرهاب الأمريكية، ومحمد منتصر المتحدث باسم الجماعة في تلك الفترة وعضو تيار التغيير حاليًا.

تزامن مع تشكيل لجنة إدارة الأزمة تشكيل هيئة شرعية برئاسة مفتي الجماعة عبد الرحمن البر، وضمت فيها أعضاء مكتب الإرشاد ممّن ظلوا خارج السجن بعد ثورة حزيران (يونيو)، مثل محمد عبد الرحمن المرسي ومحمود غزلان.

عضو مكتب الإرشاد في جماعة الإخوان-آنذاك-: محمود غزلان

كانت الهيئة الشرعية للجماعة قد أصدرت بيانًا في تلك الفترة يجيز عمليات القتل في حالات بعينها ضد رجال ومسؤولي الدولة. البيان الذي أصبح الأساس المبني عليه بحث "فقه المقاومة الشعبية"، مانيفستو لجنة محمد كمال في إدارة الأزمة ضد الجيش المصري، عقابًا له على دعم ثورة المصريين في حزيران (يونيو).

سريعًا ما وقع الصدام بين لجنة إدارة الأزمة وقادة الجماعة في السجون؛ صدام لم يكن معروفًا لمن هم خارج الجماعة حتى سقط عبد العظيم الشرقاوي أحد أخطر قيادات الجماعة في صعيد مصر في قبضة الأجهزة الأمنية عام 2015، ليدلي بأقوال أشعلت الصراع بين جبهات الجماعة، قال فيها إنّ المسؤول عن العنف الذي بدر من شباب الجماعة بعد سقوط الإخوان هو القيادي بمكتب الإرشاد محمد كمال. الأقوال نفسها أكدها عضو مكتب الإرشاد وصهر خيرت الشاطر محمود غزلان في تحقيقات نيابة أمن الدولة العليا، بيد أنّ كمال كان له رأي آخر؛ إذ قرر ورفاقه ممارسة سياسة الأرض المحروقة في محاولة للثبات على منهج حسن البنا كما تربوا عليه، لينشر كمال خطابًا بين قواعد الصف الإخواني انفردت بنشر أجزاء منه جريدة (الشروق) المصرية في أيلول (سبتمبر) 2015، بعد أقل من شهرين على اعترافات القيادي عبد العظيم الشرقاوي، كشف فيه موافقة الجماعة على جميع الخطوات الثورية التي نفذها كمال ورفاقه، من بينها تأسيس تنظيمات "حسم ـ سواعد مصر"، و"لواء الثورة".

التغيير الثوري بديلًا للتغيير التدريجي

تماشيًا مع تلك الأطروحة ظهرت "حركة المقاومة الشعبية" العام 2014، وانحصرت أعمالها في تفجير عبوات ناسفة تستهدف إعطاب عربات الشرطة، أو تجهيز كمائن لهم، أو الإضرار بمحطات كهرباء أو منافع عامة حكومية، وهي في المجمل كانت تسعى لاستنزاف وتشتيت الأجهزة الأمنية.

في السياق نفسه برزت في العام 2015 حركة "العقاب الثوري" بنمط "المقاومة الشعبية"، مع خفوت تام للأخيرة في بداية العام، واستمرّت الأولى في طريقة المهاجمة باستخدام العبوات الناسفة بدائية الصنع، واستهداف سيارات الشرطة وبعض المواقع بالقرب من أقسام الشرطة ومديريات الأمن وكمائن الشرطة، بيد أنّ تطورًا نوعيًا أظهرته حركة العقاب الثوري بعد شهور قليلة من خلال مواجهات بالأسلحة مع دوريات أو كمائن شرطة، واقتصرت على ضربات سريعة وإصابات في صفوف بعض أفراد الشرطة، ثمّ تصاعد الأمر لاستهداف أشخاص ثبت، من وجهة نظرهم، تورطهم في أعمال تعذيب وقمع أو وشاية بالمعارضين.

حتى تلك اللحظة اشتهرت في تنظيرات الداعمين لعمليات "العقاب الثوري"، و"المقاومة الشعبية"، لفظة "السلمية المبدعة"، والتي تعني بحسب دراسات نشرها المعهد المصري للدراسات في إسطنبول، التابع لجماعة الإخوان المسلمين، "كلّ ما دون الرصاص فهو سلمية".

استخدام الرصاص في المواجهة مع الشرطة في أواخر عمليات "العقاب الثوري"، كان إيذانًا ببدء مرحلة جديدة من العمل النوعي، جاهرت فيه جماعة الإخوان بالعنف، مع إطلاق جماعتي "حسم" و"لواء الثورة".

يحيى موسى ومراجعات حركية

عن تلك التحولات في فكر شباب الإخوان عقب ثورة حزيران (يونيو) 2013، قال يحيى موسى في مقابلة إلكترونية مع موقع (مدى مصر): إنّه -وكثيرين غيره- "أعادوا التفكير في طبيعة الصراع القائم وأدواته ومساراته وطريقة إدارته"، وذلك بعد فشل الجماعة في مواجهتها اﻷولى مع ما وصفته بالانقلاب العسكري على شرعية الرئيس المصري الراحل محمد مرسي، بين تموز (يوليو) 2013 و25 كانون الثاني (يناير) 2014.

موسى وإلى جواره علاء السماحي، الذراع اليمنى لعضو مكتب الإرشاد محمد كمال، صدر بحقهما قرار بتصنيفهما ضمن قوائم الإرهاب، صدر عن وزارة الخارجية الأمريكية، وجمعهما القرار نفسه مع تنظيم أنصار بيت المقدس (ولاية سيناء)، تنظيم داعش في محافظة شمال سيناء المصرية.

عضو مكتب الإرشاد في جماعة الإخوان-آنذاك-: محمد كمال

تمثلت ذروة تلك التحركات في تأسيس حركة "سواعد مصر" المعروفة باسم "حسم" المسؤول عنها علاء السماحي، بالتعاون مع يحيى موسى. نفّذت الحركة عدة عمليات منها اغتيال المستشار هشام بركات النائب العام السابق، ومحاولة اغتيال الدكتور علي جمعة مفتي مصر السابق. لاحقًا خفت اسم "حسم" مع الضربات الأمنية المتلاحقة لخلايا التنظيم في القاهرة، قبل أن يعود التنظيم مرة أخرى عام 2024 تحت اسم مشروع "ميدان"، وفي الواجهة منه يحيى موسى.

فقه الاغتيال على نهج الإخوان

بحسب دراسة نشرها "المعهد المصري للدراسات" في إسطنبول، التابع لجماعة الإخوان، بعنوان "حسم" و"لواء الثورة" الخطاب والممارسة"، بدأت حركة "حسم" نشاطها في منتصف تموز (يوليو) 2016 بعملية اغتيال الرائد محمود عبد الحميد، رئيس مباحث طامية بمحافظة الفيوم، وفي أوّل آب (أغسطس) عام 2016 أعلنت الحركة مسؤوليتها عن محاولة اغتيال المفتي السابق علي جمعة بالقرب من منزله في مدينة السادس من أكتوبر.

صدر عن حركة سواعد مصر "حسم" 15 بلاغًا عسكريًا يعلنون من خلالها عن تنفيذ عملياتهم المختلفة، وقد أعلنت الحركة في ذكرى تأسيسها الأوّل عن حصيلة عملياتها التي تمثلت في التالي: (5) عمليات تصفية من النقطة صفر"، (2) عملية استهداف بسيارات مفخخة"، (5) استهدافات بعبوات مفخخة"، "(2) اشتباك مسلح"، وصدر عنهم تصريح إعلامي واحد فقط في 16 تموز (يوليو) 2017، يدينون فيه قتل المواطن سيد الطفشان في جزيرة الوراق أثناء حملات الإزالة، والمواطن كمال الهته في محافظة البحيرة بحسب توصيف الجماعة.

وصدر عن الحركة (7) بيانات عسكرية، تضمّنت تهنئة لحركة "لواء الثورة" على تأسيسها في آب (أغسطس) 2016، ومباركة منها لعدد من عمليات "اللواء"، وأهمها على الإطلاق اغتيال العميد أركان حرب عادل رجائي، وبيان آخر تضمّن إعلان تصفية أمين شرطة في مدينة السادس من أكتوبر، وبيان يتضمّن تهنئة للمجاهدين في سوريا بمناسبة تحرير مدينة حلب في بدايات آب (أغسطس) 2016، بينما كان آخر بيان يحمل تعزية في مقتل أحد شباب الحركة وهو محمد عاشور دشيشة، وذلك في منتصف كانون الأول (ديسمبر) 2016.

وصدر عن الحركة بيانان سياسيان؛ الأوّل عنون بـ "سنوات الخيانة والاستبداد"، والبيان الثاني كان بمناسبة مرور عام على تأسيس الحركة، وتضمّن هذا البيان إجمالًا فلسفة الحركة وطبيعة المعركة التي تخوضها، وتضمنت رسالة مقتضبة إلى النظام المصري تهدّد فيه وتتوعد.

تلك الرؤية التي اتضحت مؤخرًا فيما يتعلق بعنف اللجان النوعية المنبثقة عن الإخوان ظلت الجماعة تنفيها أيضًا، منذ العام 2013 حتى 2020، متهمة الحكومة المصرية بتلفيق تهم باطلة للجماعة من أجل تشويه صورتها، واتهمت مواقع الإخوان الإخبارية الدولة المصرية بتصفية المعارضين، أو ممارسة الاختفاء القسري ضدّ أعضاء جماعة الإخوان.

غير أنّ عمليات النفي المتتابعة تلك انتهت عام 2020، في مقابلة للقائم بأعمال المرشد إبراهيم منير مع قناة (الجزيرة) القطرية، 20 في أيلول (سبتمبر) 2020، قال فيها نصًا: إنّ بعض شباب الإخوان الغاضب ـ بدافع وطني- مارس العنف عقب 30 حزيران (يونيو) 2013، في إشارة إلى عضو مكتب الإرشاد محمد كمال، وذراعه اليمنى علاء السماحي، ومسؤول ملف الطلاب بجامعة الأزهر يحيى موسى.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية