"الموت لأمريكا وإسرائيل"، هذه الجملة، الأكثر شهرةً ربما بين أوساط مقاتلي إيران، المنتشرين مثل أذرع الأخطبوط في أماكن مختلفة من عالمنا العربي، وهم، يثيرون المعارك في أي مكان، ويسعون للاستيلاء على المجتمعات بقوة السلاح، صارخين بجملتهم هذه، كشعارٍ للتجنيد لا أكثر، خصوصاً في اليمن، التي تتعرض إلى تدميرٍ لا مثيل له واحتلال، يدعي أنّه يريد تخليص فلسطين من الاحتلال! ويتكرر الأمر في لبنان، الذي يكاد يكون دولتين، واحدة منهما هي حزب الله، الذي يحتكر الحدود مع فلسطين، ويستخدم "المقاومة" أداةً لوجوده، المعتمد على الولاء المعلن لإيران.
الحوثيون من الجبل إلى المستنقع
من جبال صعدة في اليمن، هبط الحوثيون، وهم يراودون أنفسهم بإرجاع التاريخ إلى الوراء، حتى لو تطلب ذلك تعطيل الحياة القائمة الآن، أو حتى تدميرها، ولم يخفِ أتباع الشيعية الزيدية نواياهم، ولا معتقداتهم التي تقوم في صلبها على فكرةِ الخروج الدائم على الحاكم، وإشاعة الفوضى، متكئين على فكرة "مقاومة المستعمر"، وهي الحجة التي كانت ولا زالت، رافعة لترويج أفكارهم ومعتقداتهم، التي يرون أنها تحتاج إلى الحرب والسلاح، حتى تنتشر؛ حيث إنّهم ومنذ تأسيس جماعة الحوثي المسلحة عام 1992، خاضوا ستة حروب في اليمن.
إنهاك اليمن من خلال هذه الحروب، كان ربما، الطريقة التي أراد بها الحوثيون التعبير عن "يمنهم السعيد"، بإشاعة الفوضى، واستخدام العنف والتطرف لنشر معتقداتهم التي تطرفت كثيراً منذ عام 2004، حين قتل مؤسس حركتهم في إحدى المعارك بجبال صعدة "حسين الحوثي"، ليعتبروا مقتله كربلاء جديدة، ويعتبرونه "حسيناً جديداً"، ليقوموا بعد ذلك بالسعي إلى انتقامٍ طويل، من اليمن وشعبه انطلاقاً من هذا المعتقد، الذي لا يوجد أحد أقرب ما يكون إليه، غير إيران.
وبحسب دراسة لميساء شجاع الدين، منشورة في موقع "open democracy" بتاريخ 18 أيار (مايو) 2017، فإنه بمجرد حكم الخميني لإيران بعد الثورة، تمت "دعوة شبابٍ يمنيين لزيارة إيران والاستفادة من تجربة الثورة، كان من أبرزهم حسين الحوثي، وعبد الملك الحوثي". وبعد ذلك بفترة من الزمن، بدأت خطابات حسين الحوثي لأنصاره "تستعير الشعارات البراقة للثورة الإيرانية"، التي تستخدم لتحريك العواطف وتجنيد الناس باسم القدس وفلسطين، تماماً مثلما يأتي اسم "فيلق القدس" اليوم، وقائده الجنرال قاسم سليماني، حيث يمكن أن يكون هذا الفيلق مقاتلاً في العراق، أو سوريا، على أسس طائفية، أو أسس تخدم مصلحة إيران، لكنه لا يقترب من حدود فلسطين، التي ينتحل اسم عاصمتها.
بمجرد حكم الخميني لإيران بعد الثورة تمت "دعوة شبابٍ يمنيين لزيارة إيران والاستفادة من الثورة
وهو بالذات، ما استطاع الحوثي توظيفه أيضاً؛ إذ تعتبر إيران التي تعلم من "ثورتها"، مثالاً كبيراً على توظيف واستغلال القضية الفلسطينية، خصوصاً إنها لم تكتف بزرع حزب الله على الحدود اللبنانية مع فلسطين؛ بل واتجهت لدعم حركة حماس، حتى تحتكر هي الأخرى المقاومة من الداخل، لعل إيران توظف من خلالها مبدأ "المواجهة" لأجل مصالحها.
وتتجه الدراسة المذكورة إلى تعزيز هذه الآراء، بإشارتها إلى "دعوة إيران عام 2011 لأنصارها اليمنيين من الحوثيين، لعقد مؤتمراتٍ خاصة تتعلق بالثورة اليمنية في بيروت خلال عام 2011". وبحلول عام 2014، وسوء الأوضاع الأمنية والاقتصادية في اليمن، وتدهور الحوار بشأن "الثورة" والأحزاب، استثمر الحوثيون هذه الفرصة، وحاولوا إدخال البلد في أزمة جديدة، والسيطرة على مفاصل السلطة والمجتمع، وتكشف الدراسة أنّ "المستشار السياسي للرئيس عبدربه منصور: الدكتور عبدالكريم الإرياني، صرح إنّه لم يكن يتم إقرار أي اتفاق أو ورقة أثناء الحوار مع الحوثيين دون رجوع هؤلاء إلى طهران".
فلسطين التي تبعد عن قوات حزب الله كيلومترات يجب أن يمر الطريق إليها من إيران أولاً
وبالنسبة إلى اليمن البعيد عن مرمى الأحداث في فلسطين، ينتهج الحوثيون نهج إيران المميز بإطلاق صواريخ الشعارات عن بُعد. وما اغتيال الحوثيين في الآونة الأخيرة الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، وتصفيتهم لكل من يختلف معهم سياسياً أو يطالبهم بالحوار، إلا مؤشرات لوجود قوة طائفية مسلحة، تهدف للسيطرة والإقصاء، وهي وليدة عدة حروب، وتشبه الاحتلال، لكنها لا تشبه شعاراتها عن الحرية، خاصة فيما يتعلق بفلسطين.
حزب الله: الطريق إلى فلسطين يمر بإيران
الطرق الالتفافية، التي يقوم الاحتلال الإسرائيلي بشقها في فلسطين، لتجعل المسافة بين قريتين أو مدينتين فلسطينيتين، بعيدة ومعقدة، أشبه ما تكون بطريق المقاومة، التي شقها حزب الله إلى فلسطين؛ إذ تكمن المفارقة في أنّ فلسطين التي تبعد عن قواته مسافة كيلومترات، يجب أن يمر الطريق إليها من إيران أولاً؛ أي من عند الولي الفقيه، ولم يخفِ قائد الحزب السيد حسن نصر الله، ولاءه المطلق له، ولا ينسى الثناء على فيلق "القدس" وجنراله سليماني؛ حيث لا يمكن إيجاد خريطة واحدة، يمكن أن توحي بوجود فيلق القدس قريباً من فلسطين. إنه بعيد دوماً، يقاتل لأجل مصالح لا أحد يفقهها سوى إيران ووليّها.
تقارير صحفية عديدة نشرت، منها تقرير "فوكس نيوز" المنشور في تشرين الأول (أكتوبر) 2017، تتحدث عن "استغلال شركاتِ طيران إيرانية لنقل السلاح إلى قوات فيلق القدس المقاتلة في العراق وسوريا"؛ فحزب الله، يقاتل في سوريا أيضاً وفق مصالح إيران المعلنة، بعد أن قام بتأمين الحدود مع الاحتلال الإسرائيلي، والتزم باحتكار "المقاومة" هناك بعد حرب عام 2006 التي هرب فيها من أزمته الداخلية بعد اغتيال الرئيس اللبناني السابق رفيق الحريري.
الحزب يحتكر مساحاتٍ من أراضي الجنوب اللبناني اجتماعياً وعسكرياً، وعدم خضوعه للقوانين التشريعية في لبنان، مثلما فعل عام 2008 حين "قام باحتلال عاصمة بلاده ضمنياً يوم 7 أيار (مايو) بعد مسائلاتٍ حكومية عن تركيب الحزب لكاميرات مراقبة في مطار بيروت الدولي وصدور قرارٍ قضائي بتفكيكها" وإعلانه الواضح عن حصوله على "تمويل ودعم إيران". ورغم ذلك فإنّ البعض يعتبره "مقاوماً" متناسين استخدامه البعدين؛ الطائفي والعسكري في فرض وجوده داخل لبنان.
الإرياني صرّح إنه لم يكن يتم إقرار أي اتفاق أثناء الحوار مع الحوثيين دون الرجوع إلى طهران
ويعتمد حزب الله هو الآخر، على الخطاب العاطفي الذي يؤديه أمينه وقائده حسن نصر الله بين حين وآخر تجاه فلسطين، وتروج له بعض وسائل الإعلام العربية، فطالما ترافقت خطبه المشهورة مع "دوي صفارات الإنذار"، وتحرك حماس في غزة، ولو بمجرد خبرٍ على قناةٍ إعلامية، لاستثارة العواطف لا أكثر، وتجييش الناس وتجنيدهم لصالح الحزب، كما حصل خلال خطابه الأخير على خلفية إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "القدس عاصمة لإسرائيل"، وهو ما يجعل المشاهد ينسى خلق نصر الله في خطابيه السابقين لأعداء كثر، كادوا يكونون كل الدول العربية، وذلك لمجرد دعوته هو وحزبه إلى عدم "التحكم في لبنان".
وبصورة عامة، تتخذ ميليشيات الحوثي الإرهابي، وكذلك حزب الله في لبنان، شكل الاحتلال، بقوتهم المسلحة، وعقائدهم المنغلقة التي تستخدم في تجنيد أتباعها لمصلحتهم، كما إنهم يدينون بولائهم لمصالح دولٍ أخرى، ويحتكرون مفاهيم النضال وحتى شعاراته، ويوجهونه لخدمة أوليائهم، ولا يبدون أبداً ، بمظهر المناضلين، القائم ربما، على مفاهيم الحرية والمساواة وتحصيل الحقوق الإنسانية، خصوصاً تجاه فلسطين، التي لا يمكن بطبيعة الحال، أن يقوم احتلالٌ ما، بتحريرها من احتلالٍ آخر.