الحلقة الناقصة في مواجهة الحلف الإيراني – الروسي

الحلقة الناقصة في مواجهة الحلف الإيراني – الروسي

الحلقة الناقصة في مواجهة الحلف الإيراني – الروسي


02/02/2023

خيرالله خيرالله

من وراء ضرب مواقع عسكرية إيرانية في أصفهان وغير أصفهان؟ الواضح أنّ المواقع المستهدفة مرتبطة بإنتاج صواريخ باليستية وذخائر وأنّ إسرائيل وراء إستهداف هذه المواقع بواسطة طائرات مسيّرة. ما ليس واضحا، أقلّه إلى الآن، مدى التنسيق الأميركي – الإسرائيلي في ما يخصّ إيران ومشروعها التوسعي في المنطقة، وهو مشروع يصبّ تطرف الحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة بنيمين نتانياهو في خدمته.

يمكن إعتبار التصعيد الإسرائيلي في التعاطي مع إيران، في هذا التوقيت بالذات منعطفا في غاية الأهمّية يندرج في إطار واسع يتجاوز "الجمهوريّة الإسلاميّة" وسياستها العدوانيّة. إنّه إطار تحول إيران إلى طرف مباشر في الحرب التي يشنّها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أوكرانيا. صارت "الجمهوريّة الإسلاميّة" شريكا في هذه الحرب التي لم يستطع بوتين، منذ البداية، فهم أنّها مختلفة عن استعادة روسيا لشبه جزيرة القرم والتدخل في سوريا.

مثلها مثل الرئيس الروسي، لم تستوعب إيران، معنى الحرب الأوكرانيّة ببعدها الأوروبي. مسموح لإيران أن تخرّب وتقتل وتنهب العراق وسوريا ولبنان وأن تحول اليمن الشمالي إلى قاعدة صواريخ ومسيّرات، لكنّ الأمور تصير مختلفة عندما تمسّ الأمن الأوروبي. هذا ما يفسّر إتجاه الدول الأوروبيّة إلى إتخاذ موقف يصنّف "الحرس الثوري" بأنّه تنظيم "إرهابي". إنّه بالفعل إكتشاف يعبّر عن إستفاقة متأخرة على نشاطات "الحرس الثوري" والميليشيات التابعة له منذ ما يزيد على أربعين عاما.

هذا ما يفسّر أيضا التحول الأميركي في النظرة إلى الثورة الشعبية التي تشهدها إيران منذ السادس عشر من أيلول – سبتمبر الماضي، تاريخ مقتل الفتاة الكرديّة مهسا أميني على يد شرطة الأخلاق في طهران. بدأ المسؤولون يتحدثون على نحو مباشر عن هذه الثورة التي تقودها المرأة. أكثر من ذلك، بدأ هؤلاء يشيرون إلى أن المفاوضات في شأن الملفّ النووي الإيراني باتت مجمدة في الوقت الحاضر.

مع مرور الوقت، بدأت تتوضح الصورة أكثر، خصوصا أنّه بعد ساعات من عملية أصفهان الإسرائيليّة، قصفت طائرات التحالف، التي لا شكّ في أنها طائرات أو مسيرات أميركيّة، شاحنات تنقل أسلحة إيرانيّة إلى سوريا، وربّما لبنان. حدث ذلك بعيد خروج الشحنات من الأراضي العراقية إلى الأراضي السوريّة التي بات جزء كبير منها خاضعا للسيطرة الإيرانيّة المباشرة. إتسم القصف بالدقة، تماما مثل قصف الموقع الذي استهدفته مسيرات إسرائيلية في أصفهان. معنى ذلك أنّ هناك تنسيقا إسرائيليا - أميركيا في مواجهة إيران ودورها في المنطقة وفي أوكرانيا أيضا.

لم يمض شهر على بداية السنة 2023. هناك معطيات جديدة تميّز هذه السنة. في مقدّم هذه المعطيات عمق العلاقة بين روسيا و"الجمهوريّة الإسلاميّة". في خريف العام 2015، إستعانت إيران بسلاح الجو الروسي كي تُبقي بشّار الأسد في دمشق. في ربيع العام 2022، استعان فلاديمير بوتين بالمسيّرات والصواريخ الإيرانيّة كي يتمكّن من متابعة حربه على الشعب الأوكراني، وهي حرب ستدخل عامها الثاني بعد الرابع والعشرين من شباط – فبراير 2023.

لم يعد سرّا أنّ المواقف التي خرجت بها الدول العربيّة العاقلة، كانت مواقف في محلّها، خصوصا لجهة ضرورة التعاطي مع إيران من زاوية تتجاوز الملفّ النووي. إنتظرت الولايات المتحدة واوروبا دخول "الجمهوريّة الإسلاميّة" في إيران على خطّ الحرب الأوكرانية، إلى جانب روسيا، كي يدركا خطورة صواريخها الباليستية وطائراته المسيّرة وأبعاد وجودها في سوريا. هذا الوجود الذي سيتوسع أكثر ويتمدد في إتجاه الشمال السوري، في ظلّ انشغال روسيا بالحرب في أوكرانيا.

في ضوء الحرب الأوكرانيّة وما تمثله من تهديد لأوروبا، لم يعد ممكنا تجاهل العناصر التي يتشكل منها المشروع التوسّعي الإيراني. لا يمكن ربط هذا المشروع بالملفّ النووي فقط. بل لا مفرّ من ربطه بالصواريخ الباليستيّة والطائرات المسيّرة ونشاطات "الحرس الثوري" والميليشيات التابعة له في المنطقة العربيّة كلّها أيضا.

سبق لإيران، عبر ميليشياتها أن استخدمت هذه الصواريخ في عمليات إرهابيّة استهدفت المملكة العربيّة السعوديّة ودولة الإمارات العربيّة المتحدة. في إحدى المرات إستهدفت مطار عدن فيما كانت طائرة مدنيّة تستعد للهبوط فيها. نجا الذين كانوا في الطائرة من وزراء ومسؤولين في "الشرعيّة" بأعجوبة.

تظلّ الحلقة الناقصة في أي مخطط جدّي لمواجهة المشروع التوسّعي الإيراني، الذي تشكو منه حتّى دولة مثل أذربيجان، المعالجة الجدّية للوضع الفلسطيني. لا يمكن لإسرائيل ممارسة الأرهاب كما يحصل يوميا في الضفّة الغربيّة والشكوى من إيران وتصرفاتها. تحت عنوان استمرار الاحتلال ومنع الفلسطيني من أن تكون لديه دولته المستقلّة، تمارس إسرائيل إرهاب الدولة ولا شيء آخر غير ذلك. هناك إنتفاضة ثالثة سيقوم بها الشبان الفلسطينيون الذين تدفع بهم حكومة نتانياهو إلى اليأس. باختصار شديد، لا يمكن تجاهل وجود شعب فلسطيني يعاني من الاحتلال ومن حرمانه من أبسط حقوقه، فيما لا يمتلك "بيبي" أي مشروع سياسي باستثناء السعي إلى البقاء في السلطة عن طريق القضاء على سلطة المحكمة العليا الإسرائيلية عبر تطويعها.

أين دور الإدارة الأميركيّة التي تعرف تماما أنّ لا مفرّ من وضع حدّ للتصعيد بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

لا شكّ أن الكلام الصادر عن وزير الخارجية الأميركي انطوني بلينكين، في القاهرة قبيل إنتقاله إلى تل أبيب، عن خيار الدولتين كلام رجل عاقل يعرف تماما ما على المحكّ في المنطقة والعالم. ليس مستبعدا أن يكون أبلغ "بيبي" مثلما فعل قبله مدير وكالة الإستخبارات المركزيّة وليم بيرنز أنّ على إسرائيل التوقف عن ممارسة الإرهاب مع الفلسطينيين في هذا العالم الذي تغيّر. تغيّر العالم إلى درجة بات الحلف الروسي – الإيراني واقعا لا يمكن تجاهله. أكثر من ذلك، سقط فلاديمير بوتين في الحضن الإيراني وأصبح عاجزا عن ممارسة أي دور إيجابي في سوريا، بما في ذلك في الجنوب السوري. لم يعد الجنوب السوري "ساحة" لإيران وميليشياتها المذهبيّة فحسب، بل صار أيضا معبرا لتهريب المخدرات والأسلحة إلى الأردن ودول الخليج العربي.

عن "ميدل إيست أونلاين"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية