الحركات الإسلامية و"المقاومة"... توظيف "الانتصارات" للخارج!

الحركات الإسلامية و"المقاومة"... توظيف "الانتصارات" للخارج!


29/05/2021

إيراهيم حيدر

أعلنت قوى الممانعة وحركات الإسلام الجهادي أو المقاوم انتصارها في المعركة مع إسرائيل. أعلنت هذه الحركات وفي مقدمها "حزب الله" في لبنان ايضاً انتصارها في سوريا ضمن المحور الإيراني الداعم للنظام السوري الذي تنفس بالسلاح والعتاد والمال والميليشيات ضد الثورة الشعبية أولاً قبل أن تظهر "النصرة" و"داعش" وتتحول الحرب مدمرة أخذت معها سوريا إلى التفكك والهاوية. وها هو المحور يضيف انجازاً جديداً له بفوز بشار الأسد رئيساً لولاية جديدة تمتد لـ7 سنوات، وهو الانتصار الثاني في أقل من شهر بحسب المعايير الذي يضعها هذا المحور لشعوب المنطقة وخياراتها، لا بل يأخذ مكتسباتها إلى نوافذ كثيرة ولحسابات خاصة ومشاريع ضد إرادتها.

المعركة في فلسطين ضد الاحتلال الإسرائيلي، كانت في قلب فلسطين التاريخية، في القدس وفي أراضي الـ48 وهي التي شكلت الفارق في مواجهة آلة القتل والاقتلاع الإسرائيلي، حتى عندما تدخلت حركة "حماس" بصواريخها، فالإنجاز هو فرض معادلة جديدة وتضامن عالمي مختلف، قبل أن يتقدم محور الممانعة و"حماس" لإعلان الانتصار ضد إسرائيل.

المعركة وإعلان الانتصار يفترض أن يكون لهما في العادة حسابات مختلفة، وفي مقدمها أن تعرف نقطة ضعف عدوك وتقاتل لحماية الداخل، فعندما تعلن الانتصار في معركة يجب أن تقيس الخسائر والأرباح والقدرة على الصمود في مرحلة لاحقة، وأن تكون جاهزاً لتتفوق في مواجهات أخرى ولا يمكن أن تنزل تحت عنوان الانتصار الذي أعلنته، وهنا تكمن المشكلة في الحسابات وتجيير ما تحقق للخارج ولا تستطيع الاستثمار لإعادة ترتيب بيتك الداخلي.

خاض الفلسطينيون معركة مواجهة كبرى مع الاحتلال الإسرائيلي، وها هو إعلان الانتصار يوظف في حسابات مشاريع خارجية، فيما يعود الانقسام الفلسطيني إلى الواجهة عبر مشاريع السلطة و"حماس" و"الجهاد". وجاء إنجاز غزة والداخل الفلسطيني ليتلاقى مع ذكرى تحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الإسرائيلي في 25 أيار (مايو) عام 2000، ليوزع "حزب الله" إنجاز اللبنانيين ومقاومتهم التي استمرت 18 عاماً على مقاومات تشبهه، على ما شهدناه من إشادات واحتفالات هلّل لها السيد حسن نصر الله للانتصار الذي تحقق في فلسطين وفي غزّة، "فلم يكن ليتحقق لولا القتال والمقاومة، ومساندة إيران ومحور الممانعة لحركة حماس وللجهاد الإسلامي".

الصورة التي يقدمها هذا المحور حول المقاومة وتاريخها يختزلها بمسارات قوى الإسلام السياسي والعسكري، وعندما يتحدث نصرالله عن القدرات ويحدد الخيارات، لا يترك مجالاً للآخرين ولا لمسارات أخرى، لتصل الأمور إلى تخوين المختلفين عنه. فيما الأمور على الأرض في لبنان، وإن كان التحرير إنجازاً تاريخياً إلا أنه لم يصرف في الداخل إلا مزيداً من الهيمنة والتحكم، فيما البلد ذهب بفعل السياسات المتعاقبة إلى الانهيار وأهدرت طاقات اللبنانيين ودخلت أكثريتهم الساحقة إلى دائرة الفقر، فيما الدولة تفككت وغابت معالمها لمصلحة قوى الأمر الواقع.

أمعن "حزب الله" في السياسة والممارسة في استثمار انجاز التحرير في مشروعه، وفي كل مناسبة يوظفها كفرصة لتثبيت قواعد انتصاره، حتى في إعلان دعمه واستعداده لنصرة الفلسطينيين الذين كانوا يواجهون بسواعدهم وباللحم الحي قبل أن تتدخل "الجهاد" و"حماس" بصواريخهما، ولم يخف نصرالله مثلاً دعم إيران للمقاومة الإسلامية وكذلك النظام السوري بنسختيه مع حافظ الأسد وبشار، ولا ينسى إشارته إلى أنه لولا إيران ومحور المقاومة في توريد الأسلحة إلى غزة لما انتصر الفلسطينيون ولما تغيّرت المعادلات، وهذا يعني أن المحور الإيراني يريد استثمار هذا الدعم وإثبات صوابية توجهاته ضد الخيارات الأخرى كلها على اختلافها في النظر إلى المقاومة.

الرواية ذاتها سمعناها على لسان نصرالله. لكنها تجاوزت هذه المرة كل الحدود الجغرافية. أدرجت الانتصار في استثمار سياسي وعسكري إقليمي، على غرار الانتصار اللبناني أو الانجاز التاريخي للبنانيين عام 2000. ومرة جديدة يُصنف نصرالله اللبنانيين، بين من يريد أن يهرب إلى التطبيع ولا يؤمن بخيار "حزب الله" ومرجعيته الإيرانية، ثم تخوين بعض من لا يؤيد هذا الخيار الوحيد الذي يعرف الجميع أنه وُظف في السياسة الداخلية وفي مشاريع إقليمية ايضاً، وأدخل المقاومة في كل الساحات العربية. وهذه السياسة بدأت تنتهجها حركات الإسلام "المقاوم" في فلسطين وغزة، وهي ترتبط بإيران وبمرجعيات أخرى خارجية أقله لجهة الدعم ما يعني أن على الجميع التسليم لهذا المحور وخياراته، حتى لو كانوا من أهل المقاومة المختلفة أو غير التابعة لـ"حزب الله"، فيما المفارقة أن التوطيف يحسّن فرص إيران في المفاوضات واستثمارها على أفضل وجه.

وفي المسارات الأخرى ينطلق دور الحزب أيضاً من أنه يشكل الرئة اللبنانية للنظام السوري، وليس من حلفاء في لبنان للنظام يستطيعون أن يتولوا نصرته كما فعل الحزب بقرار مرجعيته الإيرانية التي حشدت ميليشيات عراقية وأفغانية أيضاً للدفاع عنه أولاً، ولوضع موطئ قدم في سوريا. وفي هذا التوظيف الذي حقق من خلاله بشار الأسد انتصاراً، فيما تحوّلت سوريا ساحة تُستخدم لتحسين الشروط الإيرانية مع الأميركيين.

الأمور اختلفت إذاً، وبدأنا نشهد مساراً مختلفاً. هكذا سار "حزب الله" على هدي مرجعيته الإيرانية، في سوريا وفلسطين، وفي الوقت نفسه تمسك بشعاراته وخطابه السياسيين وبنودهما السابقة. وسنشهد ايضاً مزيداً من التوظيف والمعارك، بصرف النظر عن مشروعية المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي وأحقيتها، لكن ليس خدمة للخارج.

عن "النهار" العربي


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية