الحرس الثوري الإيراني ليس بالقوة التي يدعيها

الحرس الثوري الإيراني ليس بالقوة التي يدعيها


22/04/2021

يعتبر الهجوم الذي استهدف منشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم الرئيسية في إيران مجرد انتكاسة أخيرة للحرس الثوري في البلاد، على الرغم من أن القوة شبه العسكرية التي يقودها المرشد الأعلى علي خامنئي نادرا ما يتم انتقادها علنا بسبب قوتها وسيطرتها على مفاصل الدولة.

ولكن مع تفكير بعض قادته الآن في التنافس على الرئاسة، وهي سابقة لم تحدث منذ إسقاط الشاه قبل أكثر من أربعة عقود، يمكن أن يصبح نفوذ الحرس الثوري وإخفاقاته أمراً في غاية الأهمية بالنسبة إليهم. ويعتقد على نطاق واسع أنه سيسعى إلى الظهور بمظهر القوي من خلال ردود فعله الداخلية وإظهار المزيد من التشدد عبر توسيع نفوذه وخنق معسكر الإصلاحيين.

واستفاد الحرس كثيرا من سنوات العقوبات التي فرضت على طهران بسبب برنامجها النووي، ليكون إمبراطورية اقتصادية ممتدة الأطراف من صناعة الأسلحة إلى شركات النفط والطيران والنقل والاتصالات والسياحة وإنتاج السيارات والتشييد والبناء.

ومع ذلك، فإن إحكام قبضته لم يسمح له من الناحية الاستخباراتية باكتشاف العمليات داخل الأراضي الإيرانية وحتى خارجها قبل وقوعها، مما يعني أن هناك خللا في نشاطه على عكس الصورة التي يروج لها في وسائل الإعلام المحلية بأنه جهاز صلب ولا أحد بإمكانه كسر شوكته.

النكسات لن تنتهي

أطلق المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي يد الحرس الثوري في كل مفاصل الدولة دون استثناء وقد زرع عناصره في كل مكان ولاسيما الأماكن الحساسة، ليمنح بذلك فرصة ترسخ قوّته في البلاد التي يتوقع أن تشهد تغييرا في ملامح نظام الحكم فيها.

وعلناً، يبدو قادة الحرس غير منحنين من جراء النكسات الأخيرة التي قد لا تنتهي قريبا بسبب المتغيرات على الساحتين الإقليمية والدولية. ومع ذلك، فإن الوقوف على ما حصل داخل البلاد خلال الأشهر القليلة الماضية دليل قاطع على سلسلة النكسات المتتالية التي شابت عمل الحرس.

ففي الثامن من يناير 2020، وبعد أيام من استهداف قائد فيلق القدس قاسم سليماني في مطار بغداد، أسقط الحرس الثوري طائرة ركاب أوكرانية، مما أسفر عن مقتل 176 شخصا بشكل خاطئ وكان يعتقد أنها صاروخ يستهدف العاصمة طهران.

كما فشلت قواته في وقف هجوم على منشأة نطنز الإيرانية في شهر يونيو العام الماضي، وكانت المنشأة قد تعرضت إلى جانب منشآت نووية أخرى لهجمات إلكترونية في 2010.

ومن بين النكسات الأكبر للحرس الثوري اغتيال محسن فخري زادة، العالم النووي الكبير الذي بدأ برنامجا نوويا عسكريا قبل عقود. وأيضا تعرضت سفينة “سافيز” التي تعد قاعدته العائمة في البحر الأحمر وترسو منذ 2016 قبالة سواحل اليمن لانفجار.

وبعد ذلك تعرضت المنشأة النووية الأهم والواقعة في صحراء محافظة أصفهان، والتي يعتبر الحرس حاميها الرئيسي، في وقت سابق هذا الشهر لانقطاع التيار الكهربائي الذي ألحق أضرارًا ببعض أجهزتها الطاردة المركزية. ويُعتقد أن إسرائيل نفذت العملية، على الرغم من أنها لم تصرح بمسؤوليتها عن ذلك.

وفي أعقاب الهجوم الأخير أعلنت إيران أنها بدأت تخصيب اليورانيوم بنسبة نقاء 60 في المئة قياسا بمستواه السابق عند 20 في المئة، وهو أعلى مستوى وصل إليه برنامجها على الإطلاق، مما أثار المخاوف والانتقادات وخاصة من قبل الدول الموقعة على الاتفاق النووي.

ولم يحمّل أحد قوات الحرس الثوري مسؤولية هذا الحادث بشكل مباشر، وهو ما اعتبره جون غامبريل مراسل وكالة أسوشيتد برس ليس مفاجئًا؛ فهذه القوة التي تم إنشاؤها بعد الثورة الإسلامية عام 1979 لديها جهاز استخباراتي واسع النطاق ينافس تلك الموجودة في الحكومة المدنية الإيرانية وهي وحشية في قمعها للمعارضة.

ويصف محتجزون سابقون في سجن إيفين بطهران الحرس الثوري بأنه يدير جناحًا كاملاً بالمنشأة يضم سجناء سياسيين، كما يمكن أن يتعرض الصحافيون المحليون للاعتقال والمحاكمة والسجن بسبب عملهم.

وعلى كل حال بدأ الانتقاد يظهر من جديد؛ فقد أعرب إسحاق جهانجيري، النائب الأول للرئيس المعتدل حسن روحاني، عن أسفه لأنه “لا أحد مستعد لتحمل المسؤولية” عما حدث في نطنز، في تصريحات بدا أنها تستهدف الحرس الثوري.

وتساءل جهانجيري في مقطع فيديو تم نشره على وسائل التواصل الاجتماعي “ما هي الجهة المسؤولة عن تحديد ومنع أعداء البلاد من ارتكاب أفعال تخريبية بها؟ هل سبق أن تمت محاسبة أي شخص على ما يفعله أكبر عدو لهذا البلد هنا؟”.

ونقلت صحيفة “كيهان” المتشددة عن جهانجيري قوله “يحتاج الناس إلى معرفة الموارد والمصداقية والهيبة التي تُنفق عليها البلاد”. وهذا انتقاد آخر واضح للحرس الثوري، الذي تصل حجم استثماراته التجارية من خلال البناء والصناعات الأخرى إلى مليارات الدولارات. لا يزال النطاق الدقيق لجميع ممتلكاته غير واضح، على الرغم من أن تقديرات الخبراء تتراوح من 15 في المئة إلى 40 في المئة من إجمالي الاقتصاد الإيراني.

استغلال الانتخابات

هذه الرغبة الجديدة في توجيه أصابع الاتهام -ولكن بحذر- إلى الحرس الثوري قد تكون جُزئيًّا بسبب الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في يونيو المقبل.

ولا يمكن لروحاني، رجل دين معتدل نسبيًا داخل الثيوقراطية الإيرانية الذي أبرمت إدارته اتفاقا نوويا عام 2015 أدى إلى تخفيف العقوبات على بلده، أن يترشح للمرة الثانية بسبب قيود المدة ما يسمح لبقية المرشحين بالتقدم للترشح عند بداية الانتخابات في مايو المقبل.

وينقسم المرشحون السياسيون داخل إيران؛ فمنهم المتشددون الذين يرغبون في توسيع البرنامج النووي الإيراني ومواجهة العالم، والمعتدلون الذين يتمسكون بالوضع الراهن، والإصلاحيون الذين يريدون تغيير النظام الديني من الداخل. وأولئك الذين يعدون بالتغيير الجذري يجدون أنفسهم ممنوعين من الترشح لمنصب من قبل هيئة الرقابة الدستورية الإيرانية، مجلس صيانة الدستور.

ولم يشغل قائد في الحرس الثوري بعد منصب القائد المدني الأعلى لإيران منذ 1979، رغم هيمنة قادة هذه المؤسسة العسكرية والاقتصادية والأمنية الكبرى على عدد من المناصب الحساسة والمفصلية. ويرجع ذلك بشكل جزئي إلى الشكوك في أن القوات العسكرية لا تزال تدين بولائها للشاه المخلوع.

ومع ذلك بدأ عدد من قادة الحرس الثوري السابقين في رفع ملفاتهم الشخصية قبل التصويت، وقد يحاول الكثيرون الترشح. ويقول محللون إنهم قد يستغلون الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الداخلية والتحديات الإقليمية لكسر القاعدة السائدة.

ومن بينهم محسن رضائي، وهو قائد كبير سابق، وحسين دهقان مستشار المرشد الأعلى علي خامنئي، ورستم قاسمي وزير النفط السابق، ومحمد باقر قاليباف، رئيس البرلمان الإيراني المعروف بتأييده لحملة دامية أطلقت ضد الطلاب في عام 1999.

كما تقدم جيل من الشباب من قادة الحرس الثوري إلى الترشح أيضاً بقيادة سعيد محمد، الذي كان يرأس ذات مرة مقر “خاتم الأنبياء” التابع للحرس والذي يعد أحد أكبر التكتلات التجارية في إيران.

ترويج وهمي للقوة

يعد الجدل حول مدى القوة التي يجب أن يمارسها الحرس الثوري في السياسة الإيرانية قديما، حيث برز منذ نشأة الجمهورية الإسلامية نفسها على يد آية الله الخميني.

ومع ذلك تمكنت القوة من تصوير نفسها على أنها المدافع عن البلاد من خلال وسائل الإعلام في التلفزيون الحكومي الإيراني، عبر مسلسل التجسس الإيراني التلفزيوني “غاندو”، وهو حلم بنظريات المؤامرة بما يتماشى مع رؤية الحرس الثوري للعالم.

وتم عرض موسمه الثاني للتو، مما أثار المزيد من الانتقادات بسبب تصويره الحكومة المدنية الإيرانية على أنها ضعيفة وتطغى عليها القوى الأجنبية. لكن على الرغم من ذلك يظل هناك فرق واضح بين نسختهم التلفزيونية المثالية وحقيقة الهجمات الأخيرة التي استهدفت أقوى القوى الإيرانية.

وكتبت صحيفة “جمهوري إسلامي” اليومية المتشددة متساءلة لماذا لم يتم إحباط الهجمات الأخيرة “لقد أنفقنا مواردنا وقدراتنا على إنتاج مسلسل تلفزيوني لتصوير أنفسنا على أننا أقوياء في مجالات الأمن والاستخبارات، فضلاً عن اتهام مسؤولينا بالتجسس”.

وفي ضوء ذلك يتوقع غامبريل أن تشهد الانتخابات الرئاسية المرتقبة مرشحين يكررون مثل هذا السؤال مرة أخرى، وفي كل الأحول تبقى الإجابات عن ذلك أمرا لا يعرفه أحد في ظل التشعبات الكثيرة حول ما يحصل داخل النظام الإيراني.

عن "العرب" اللندنية

الصفحة الرئيسية