الحب إذ يهديك نفسك، فيعيد ترتيب الوجود

الحب إذ يهديك نفسك، فيعيد ترتيب الوجود

الحب إذ يهديك نفسك، فيعيد ترتيب الوجود


15/05/2025

هل للحب تاريخ صلاحية؟ هل الحب كطاقة وشعور يخضع لقوانين الكون، فلا يفنى غير أنّه يُستحدث من عدم دون منطق أو سبب؟

 لا أرى الحب رجلًا/ امرأة، بل هو فيض من نور الله، وهو حالة تتخطى اثنين يعتقدان أنّ في وجودهما معًا سعادة مؤكدة، ولا هو جدلية الأنوثة والذكورة المستمرة، ولا هو مسرة أن تكون مفهومًا بشكل أكيد عند إنسان آخر. بل تكمن عظمة الحب في تعبيراته الإنسانية الجليلة التي يفيضها المرء على نفسه أوّلًا حين ينبض خافقه، فأنت تتماس مع إنسانيتك بشكل مفرط، بشكل لم تعرفه من قبل، وتكتشف في نفسك أبعادًا لم تكن لتُرى إلّا بوجود آخر، وكأنّ الحب يُهديك نفسك. تتخلى عن مركزيتك وتخلع رداء أنانيتك وتنسلخ من غريزة البقاء، أكثر الأجزاء حيوانية فيك، لتختار مركزية أخرى خارجك، تراها بقاءك. وهنا تعرف إلى أيّ حد أصبحت إنسانًا. تقول علوية صبح: "كنت أظن أنّ الحب حدث يقع، حتى اكتشفت أنّه مسار روحي نعيش به ونتحول".

 

إعادة تعريف العالم والذات

يُعيد الحب تعريفنا للعالم وتعريفنا لأنفسنا، ليس بوصفنا أشخاصًا تُسيجنا حدودنا الخاصة، بل بتماهٍ مُفرط مع العالم، ذوبان مع حبيب ليس لتكوينه المحدود ولا سماته الجسدية والروحية والنفسية، ولكن كمعبر لعالم داخل العالم قبل الحب لم نره، ولعالم خارج العالم قبل الحب لم نبصره، ولعالم داخل أنفسنا قبل الحب لم نحسه. 

ولهذا في حياة البعض يكون الحب تجربة روحية عميقة، يختبر فيها المرء سعة قلبه من الشعور، وسعة روحه من الإنسانية، مديات صدقه وعطائه وصبره ومثابرته، يختبر الحب الروحي هذه القيم داخل الإنسان، ولا يكون الحب حبًّا حتى ينطوي القلب العاشق على رأفة ومحبة لجميع الخلائق. ربما لهذا قال ابن عربي: "الحب حركة الروح في الأشياء، هو أن ترى وجه الله في كل شيء".

ولهذا الحب مادة غير قابلة للعطب، لأنّه لا يخص اثنين، هو عظيم في ذاته ومعطاء في ذاته، حتى لو خذله أصحابه أو خانوه أو كانوا أقلّ قامة منه، هو طاقة تتخطى أصحابها دومًا تسبق وجودهم وأطول عمرًا من آجالهم، وكأنّي أتذكر لابن عربي شيئًا مماثلًا حول بقاء تردد الكلمات في أثير الكون خالدة وأبدية، حتى بعد موت أصحابها، فالطاقات لا تفنى وكذا الحب. 

يتذكره الناس بوصفه السعادة أو الشقاء، الفرح أو الألم، القرب أو الحرمان، لكنّهم ينسون أنّ وظيفته الأولى هي أنّه "مُعلم" تَقطع داخل عباءته رحلتك من الساذج إلى الإنسان الكامل، من نوعك الجندري إلى كمالك الإنساني، من أنانيتك لتصوفك، ومن رغائبك لأشواقك، منك ومن شريكك إلى الله...، الله بوصفه كمال الحب والطلب. 

 

هل للحب تاريخ صلاحية؟

كيف إذًا يكون للحب تاريخ صلاحية، والذين مَسّ الحب الحقيقي قلوبهم مرة يعرفون أنّه عاطفة لا تموت، تهدأ وتنزوي ويتراكم عليها الزمن والخيبات لكنّها لا تنفني، محفوظة في سجلات الكون وقلوب أصحابها؟

كيف يكون للحب تاريخ صلاحية، وهو أينما حَلّ حلا، وأينما مرّ أغدق، ومتى مَسّ شفى، وحتى حين يغادر الحبيب لا يغادر الحب، وتظل مساحات كاملة من الشعور وأبهة التجربة الفيضية عالقة أنوارها بالقلب؟

كيف يكون للحب تاريخ صلاحية، وهو الذي ترك لنا خلفه الأدب والشعر والموسيقى ولوحات خالدة تتحدى الزمن وتعبر فوق القرون لمحبة أراد أصحابها ديمومتها فأسالوا قصائدهم ورسموا لوحاتهم حتى يعبر هذا الحب لزمن آخر ويستعيره محبون تالون في متوالية للحب تتوسع وتتأكد، وكأنّ الحبّ هو البطل في النهاية لا المحبّ؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية