التّطرف المدهش لـ"الحوثي" و"طالبان"

التّطرف المدهش لـ"الحوثي" و"طالبان"

التّطرف المدهش لـ"الحوثي" و"طالبان"


05/01/2023

عز الدين سعيد الأصبحي

تُعتبر حركة "طالبان" نموذجاً للرؤية المتشددة والرافضة للآخر، وهي تؤمن بالعنف كأسلوب للتعامل مع الآخرين، ولا تعنيها منظومة القوانين والقيم الدولية، ولا تكترث لسخط الرأي العام العالمي.

إن "طالبان" مثلها مثل "داعش" أو ميليشيات الحوثي في اليمن أو ميليشيات التطرف فى أكثر من بلد، تنظيمات معلنة برؤية منغلقة تجاه الآخر، تؤمن بالعنف وتمارسه كمنهج حياة، صادقة مع نفسها، وهي تؤمن أيضاً بأن من حقها إلغاء الآخر وقتله، كون ذلك من وجهة نظرها أمراً إلهياً هي مكلفة به.

فكيف نندهش إذا سنَّ الحوثي نظاماً مذهبياً مقيتاً أو ألقى بالنساء فى غيابة الجب؟ أو منعت "طالبان" المرأة حقها في التعليم والعمل؟ كل ذلك تحصيل حاصل لمسار معلن.

فعلها الحوثي ويكررها كل يوم فى صنعاء، من تمييز ضد النساء اللواتي ما عرفن سجوناً سياسية في اليمن إلا في عهده، وما عرف اليمن تمييزاً معلناً ضد الشعب، عرقياً ومذهبياً ومناطقياً إلا مع هذا التيار، الذي فتح المقابر والسجون وأغلق المدارس وصادر الجامعات! وأحال اليمن من بلد يتباهى بالحكمة إلى مدن تزهو بالجنون وتكتظ بالمقابر! ولكن العالم لم ير بعد هذا الإرهاب فى اليمن مقيتاً، لا لشيء إلا لكون اليمن ضحية تقاطع مصالح تُرى بعين التجاهل، إن لم تكن عين الرضا ببقاء هذا العقاب الجماعي على الشعب. والأمر لا يُقلق أحداً غير اليمنيين الذين يبحثون عن الحكمة المفقودة.

ما يدهشنا حقاً هو اندهاش البعض من المندهشين، من هذا التطبيق العملي لهذه النظريات المعلنة، وما يثير فينا قهراً ووجعاً ذاك الإصرار من القوى الدولية، فى تمكين هذه التنظيمات من مُقدرات بلداننا ورقاب شعوبنا.

ثم تندهش هذه القوى الدولية لمنهجيات العنف في مسار تعامل هذه التنظيمات ورؤية حكمها!

ولن نسأل السؤال البريء دوماً عمّن سلّم أفغانستان بكل عدتها وعتادها إلى "طالبان"، واحتفل بخروج القوات الدولية على عجل؟ وقبلها من فتح العراق لميليشيات متعددة الولاءات وموحدة الرؤية في ضرب العراق ومؤسساته. أين العالم منذ مطلع الثمانينات من القرن الماضي و"حزب الله" يكرّس لعبة الطائفية في بلد التنوع؟

ولماذا تحرص بعض القوى الدولية على تسليم كل شيء فى اليمن منذ أكثر من ثماني سنوات لميليشيا الحوثي لتعزيز سطوة هِراوات عنفه المخيف؟ ثم نستغرب التعثر فى إتمام خطوة للسلام في اليمن. ويندهش البعض للإرهاب الحوثي المتزايد كل يوم في صنعاء تجاه الشعب اليمني وحده لا غير.

لماذا تسكت كل منابر الإعلام الدولية والإقليمية، بل وحتى تلك التي تدّعي الوطنية وكل وقتها وجهدها لضرب ما تبقى من مؤسسات الدولة الشرعية وتدمير رموزها، وتسفيه كل خطوة نحو بناء مؤسسات الدولة، لتحظى ميليشيات الحوثي بأكبر دعم معنوي، المعلن والخفي منه؟

أنا أدرك اختلاف وجهات النظر السياسية، ولكن مع مشروع ظلامي، فالأمر يختلف، ولم يعد مجرد وجهة نظر أمام جريمة ضد كل قيم حقوق الإنسان، مشروع يلاحق أصحاب الرأي وينصب لهم المشانق، يصادر الثروات الوطنية ويسلب الرأسمال الوطني كل ثروته، ويعمد يومياً لتمزيق نسيج المجتمع، ويكرّس قمعاً معلناً ضد فئات الشعب لأسباب عنصرية أو مناطقية أو مذهبية، يمتهن كرامة النساء ويزج بهن في غياهب السجون، ويعمل على تجريف كل قيم الحضارة، ثم نقول كل ذلك مجرد وجهة نظر تسمح لمدّعي السلام باتخاذ موقف الحياد؟

فذاك حياد أسوأ من الشخص المنتمي صراحة لتشدده، كون مسعّر الحرب المتخفي برداء الإنسانية أسوأ، مثل القاتل المندس في معركة المواجهة.

إن مواجهة التطرف والإرهاب تحتاج من المجتمع، خصوصاً صفوته وقياداته، انحيازاً حقيقياً لقيم العصر، وشجاعة في المواجهة تصوغ إطار مشروع الانعتاق من التخلف بكل سماته المدمرة، وتقاوم التطرف الذي ما زال العالم الآخر ينظر إليه بدهشة لا غير!

عن "النهار" العربي


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية