البرهان يبحث عن شرعية دولية على أنقاض السودان

البرهان يبحث عن شرعية دولية على أنقاض السودان

البرهان يبحث عن شرعية دولية على أنقاض السودان


11/11/2024

عبدالمنعم همت

لا يزال قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان، يسعى جاهدًا للحصول على الشرعية الدولية التي فقدها منذ الانقلاب العسكري في العام 2021. آخر محاولاته كانت مشاركته في الدورة الثانية عشرة للمنتدى الحضري العالمي، الذي عقد في القاهرة تحت شعار “كل شيء يبدأ محليًا.. لنعمل معًا من أجل مدن ومجتمعات مستدامة”. وعلى الرغم من أن المنتدى كان فرصة لمناقشة قضايا التنمية المستدامة، إلا أن البرهان حوله إلى منصة للحديث عن قضايا لا تعكس الواقع السوداني ولا تخدم أهداف المجتمع الدولي في هذا المجال.

في كلمته، تحدث البرهان عن التطور الحضري والعمراني في مصر، متجاهلًا تمامًا معاناة السودان، الذي يمر بظروف كارثية نتيجة للحرب المستمرة. ففي الوقت الذي يسعى العالم إلى بناء مدن مستدامة ومحاربة الأزمات الإنسانية مثل ارتفاع تكاليف المعيشة والطوارئ المناخية، يواصل السودان الغرق في حرب طاحنة أدت إلى نزوح الملايين من المواطنين وتدمير البنية التحتية للمدن السودانية. استغل البرهان هذا المنبر ليعطي انطباعًا بأنه جزء من المجتمع الدولي القادر على المساهمة في الحلول العالمية، في حين أن وطنه يعاني من الانهيار الداخلي على كافة الأصعدة.

ولعل المثير للاهتمام في حديثه كان اتهامه لقوات الدعم السريع بمحاولة تخريب الفترة الانتقالية، رغم أن البرهان نفسه وحليفه محمد حمدان دقلو (حميدتي) هما من قاما بالانقلاب على هذه الفترة في أكتوبر 2021، وأجهضا بذلك الآمال في تحقيق انتقال ديمقراطي حقيقي في السودان. البرهان، الذي ألغى الوثيقة الدستورية واعتقل الوزراء المنتخبين، يواصل محاولات تصوير نفسه على أنه حامي الثورة السودانية بينما هو في الواقع المسؤول عن الانقلاب عليها. وفي محاولة منه لإضفاء الشرعية على سلطته، حاول أن يضع نفسه في موقف المدافع عن مسار الثورة السودانية، في تناقض صارخ مع واقع الأحداث.

ثم جاء حديثه عن دعمه للشعب الفلسطيني، وهو موقف يثير تساؤلات عديدة، خاصة عندما نتذكر أنه في عام 2020 التقى البرهان مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أوغندا، في خطوة كان هدفها تعزيز العلاقات بين السودان وإسرائيل.

هذا التناقض في المواقف يظهر أن البرهان يحاول استغلال قضايا مثل دعم فلسطين لكسب تأييد شعبي ودولي، في حين أنه يعجز عن الوفاء بتعهداته تجاه شعبه. واللافت أن موقفه هذا في المنتدى لم يكن سوى محاولة للاقتراب من الجماهير العربية والإسلامية، في وقت تغرق فيه بلاده في نزاع دموي لا نهاية له.

لم يقدم البرهان خلال المنتدى أي خطة عملية لوقف الحرب في السودان أو للمساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة التي يناقشها المنتدى، بل استمر في المزايدة على قضايا الشعب السوداني من دون أي حلول جادة. في الوقت الذي يرزح فيه الشعب السوداني تحت وطأة الحرب والنزوح والفقر، يتحدث البرهان عن استدامة المدن والمجتمعات، متجاهلًا تمامًا أن الشعب السوداني هو من يعيش في خيام ومخيمات اللجوء، وأن الملايين منهم شردوا من ديارهم بسبب الصراع المدمر. لم يتطرق البرهان إلى الأزمة الإنسانية المتفاقمة أو إلى دور قواته العسكرية في تدمير المدن والقرى، بل اكتفى بإلقاء اللوم على الآخرين في محاولة يائسة لتحويل الأنظار عن مسؤولياته.

من المفارقات أن المنتدى يهدف إلى تعزيز التعاون الدولي لتحقيق التنمية المستدامة، بينما السودان، تحت قيادة البرهان، يعيش في فوضى تامة. البرهان الذي يفشل في حماية المدنيين أو تأمين سبل الحياة لهم، يحاول أن يظهر بمظهر القائد الذي يعزز التعاون العالمي لبناء مجتمعات مستدامة، بينما يترك مدنه مدمرة وأهلها مشرّدين فكيف لمن لا يستطيع حماية المدنيين أو توفير السكن لهم أن يدعو إلى التعاون الدولي لبناء مدن مستدامة؟

كيف يمكن لشخص يقف على رأس نظام عسكري يعيث في البلاد فسادًا، أن يتحدث عن تحقيق أهداف الأمم المتحدة الخاصة بالإسكان أو الصحة أو التعليم؟

إن مسعى البرهان للظهور في المحافل الدولية وكأنه يمثل الشرعية في السودان هو مسعى بائس. فالشرعية الحقيقية لا تأتي من التصريحات في المؤتمرات الدولية، بل تأتي من إرادة الشعب السوداني الذي طالما حلم بالحرية والديمقراطية. الشرعية التي يسعى البرهان لتحقيقها على حساب الدماء السودانية لن تكتسبها محافل العالم، بل من خلال استعادة المسار الديمقراطي ووقف الحرب المدمرة. ولا يمكن لعالم أن يصدق دعوات البرهان للسلام والتنمية بينما قواته العسكرية تواصل ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية على الأرض السودانية.

ما يجب أن يدركه البرهان هو أن العالم لن يصدقه وهو يلاحق الشرعية عبر اللقاءات الدولية بينما يعجز عن توفير الحد الأدنى من الأمن والخدمات الأساسية لشعبه. الشرعية لن تأتي من الخارج، بل من الداخل، من الشعب الذي عانى، ولا يزال يعاني، بسبب الأنظمة العسكرية التي حكمت البلاد لعقود.

العرب




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية