البابا فرنسيس وشيخ الأزهر بالإمارات.. حصاد زيارة تاريخية جذبت أنظار العالم

البابا فرنسيس وشيخ الأزهر بالإمارات.. حصاد زيارة تاريخية جذبت أنظار العالم


06/02/2019

أحمد نصير

انتهت زيارة قداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف في الإمارات؛ لكن أصداء هذا الحدث التاريخي لم تنته حتى الآن، ولا تزال وسائل الإعلام العالمية ترصد كل لحظة شهدتها أبوظبي على مدار ثلاثة أيام للزيارة.

ولم تخل محصلة هذه الزيارة من إنجازات مميزة "كتوقيع وثيقة الإخوة الإنسانية، وإطلاق جائزة الأخوة الإنسانية، وإقامة قداس تاريخي بحضور نحو 140 ألف شخص، ووضع حجر الأساس لبناء كنيسة القديس فرنسيس ومسجد الإمام الأكبر أحمد الطيب في أبوظبي، وتشييد بيت العائلة الإبراهيمية في أبوظبي".

اليوم الأول.. مشاهد ورسائل
على الرغم من أن اليوم الأول للزيارة لم يتضمن مشاركة قداسة البابا فرنسيس أو فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب في أية فعاليات، إلا أنه كان مفعماً بالمشاهد التي حملت في دلالاتها رسائل، أنبأت بزيارة ناجحة قبل أن تبدأ.

أولى تلك المشاهد وأبرزها كان حرص الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، على استقبال قداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف رئيس مجلس حكماء المسلمين، لدى وصولهما مطار الرئاسة في أبوظبي، في رسالة واضحة على تقديره للقطبين الدينيين ومكانتهما على حد سواء، بما يمثله كل منهما من قيمة وقامة.

أيضاً كان من المشاهد اللافتة، حرص شيخ الأزهر على المشاركة في استقبال البابا فرنسيس في المطار رغم وصوله قبله بدقائق، في رسالة تنشر قيم التسامح والمحبة والإنسانية والإخاء وسمو العلماء.

وعقب وصوله، شارك الإمام الأكبر، ولي عهد أبوظبي في مراسم استقبال قداسة البابا فرنسيس، ثم استقل البابا والإمام الأكبر سيارة مشتركة إلى مقر إقامتهما، في مشهد يجسد معاني المحبة والإخاء.

وفي لافتة تدل على التسامح، شهدت الزيارة التاريخية حدثاً غير مسبوق، تمثل في إقامة القطبيين الدينيين في بيت واحد، في سابقة تحدث لأول مرة في التاريخ على أرض الإمارات، في خطوة تهدف إلى تعزيز المحبة والتسامح.

اليوم الثاني.. إنجازات تاريخية
ثاني أيام الزيارة (يوم الإثنين) كان حافلاً باللقاءات والفعاليات، وفي مستهله استقبل الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، قداسة البابا فرنسيس في قصر الرئاسة في العاصمة أبوظبي.

وعقب زيارة القصر الرئاسي، توجه قداسة البابا فرنسيس إلى جامع الشيخ زايد الكبير في أبوظبي برفقة شيخ الأزهر، وشاركا بمجلس حكماء المسلمين.

وكان هذا اللقاء هو أول مناسبة من نوعها تجمع بين بابا الكنيسة الكاثوليكية وأعضاء مجلس حكماء المسلمين الذي يترأسه فضيلة شيخ الأزهر، في دلالة واضحة على الالتزام المشترك من الطرفين بتوثيق العلاقات، والحوار المنفتح، ضمن مناقشات أوسع تعقد خلال لقاء الأخوة الإنسانية الذي تحتضنه الإمارات ترجمة للمكانة العالمية المرموقة التي خولتها لتكون عاصمة للتسامح في العالم، ومنصة للحوار البناء بين الثقافات والشعوب.

وأكد الدكتور سلطان الرميثي، أمين عام مجلس حكماء المسلمين، أن هذا اللقاء قد لا يكون الأول بين فضيلة الإمام الأكبر وقداسة البابا ولكنه ربما الأهم، لأنه ينعقد أولاً ضمن أول زيارة بابوية إلى منطقة شبه الجزيرة العربية، وثانياً لأنه في دولة الإمارات العربية المتحدة التي قامت بتسمية 2019 بـ"عام التسامح"، والذي يدعو في أهم تفاصيله إلى تدعيم قيم الأخوة الإنسانية بين البشر، ومن هنا تم اختيار عنوان اللقاء والمؤتمر المصاحب له "لقاء الأخوة الإنسانية".

ومن جامع الشيخ زايد الكبير إلى صرح زايد المؤسس في أبوظبي؛ حيث شارك الرمزان الكبيران في المؤتمر العالمي للأخوة الإنسانية الذي نظمه مجلس حكماء المسلمين، وألقى قداسة البابا فرنسيس كلمة خلاله، أكد فيها أن دولة الإمارات العربية المتحدة بفضل بُعد النظر والحكمة تمكنت خلال سنوات قليلة تحويل الصحراء إلى مكان مزدهر ومضياف، وصارت مكاناً للقاء بين الثقافات والديانات.

بدوره أعرب فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطـيب عن شكره الجزيل لدولة الإمارات قيادة وشعبا لاستضافة اللقاء العالمي للأخوة الإنسـانية، الحدث التاريخي الذي جمع قادة الأديان وعلماءها ورجال الكنائس والسياسة والفكر والأدب والإعلام في "أبوظبي"، ليشهدوا مع العالم كله إطلاق "وثيقة الأخوة الإنسانية".

وثيقة وجائزة "الأخوة الإنسانية"
وخلال اللقاء، وقع قداسة البابا فرنسيس وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب "وثيقة الأخوة الإنسانية"، التي تهدف إلى تعزيز العلاقات الإنسانية وبناء جسور التواصل والتآلف والمحبة بين الشعوب، إلى جانب التصدي للتطرف وسلبياته.

ومن منطلق المسؤولية الدينية والأدبية، وعبر وثيقة الأخوة الإنسانية، افتتح الأزهر الشريف ومن حوله المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها والكنيسة الكاثوليكية ومن حولها الكاثوليك من الشرق والغرب، الوثيقة بإعلان تبني ثقافة الحوار والتعاون المشترك، والتعارف المتبادل بين الأزهر والكنيسة.

وطالبت الوثيقة قادة العالم وصناع السياسات الدولية والاقتصاد العالمي بالعمل جدياً على نشر ثقافة التسامح والتعايش والسلام، والتدخل فوراً لإيقاف سيل الدماء البريئة، ووقف ما يشهده العالم حالياً من حروب وصراعات.

وخلال مراسم التوقيع على الوثيقة ودعماً لأهداف الوثيقة، أعلن الشيخ محمد بن راشد إطلاق الإمارات "جائزة الأخوة الإنسانية.. من دار زايد"، التي ستكرم في كل دورة منها شخصيات ومؤسسات عالمية بذلت جهوداً صادقة في تقريب الناس من بعضهم البعض.

وأعلن منح الجائزة في دورتها الأولى لقداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، "لجهودهما المباركة في نشر السلام في العالم".

كنيسة القديس فرنسيس ومسجد الإمام الطيب
وفي ترجمة عملية للوثيقة وأهدافها، أعلن الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، عبر حسابه في "تويتر" توقيعه وأخيه محمد بن راشد وقداسة البابا فرنسيس، وفضيلة الشيخ أحمد الطيب على حجر الأساس لبناء كنيسة القديس فرنسيس، ومسجد الإمام الأكبر أحمد الطيب في أبوظبي.

وتحدث الشيخ محمد بن زايد أن المسجد والكنيسة سيكونان "منارتين لإعلاء قيم التسامح والسمو الأخلاقي والتآخي الإنساني في سماء الإمارات".

توقيع كرة الأولمبياد
أيضاً في اليوم الثاني للزيارة، وقع قداسة البابا فرنسيس وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب على "كرة الأولمبياد الخاص التذكارية"، بحضور الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.

جاء التوقيع بمناسبة استضافة العاصمة أبوظبي الأولمبياد الخاص للألعاب العالمية، خلال الفترة من 8 إلى 22 مارس/آذار المقبل.

وقدمت الكرة التذكارية لاعبة الأولمبياد الخاص الشيخة شيخة القاسمي، خلال استقبال قداسة البابا فرنسيس لها في مقر إقامته في أبوظبي.

وتمنى البابا فرنسيس والإمام الأكبر شيخ الأزهر النجاح والتوفيق في إقامة هذه البطولة الإنسانية العالمية، ومشاركة أصحاب الهمم فرحتهم وسعادتهم، وتقديم أوجه الدعم كافة لهم.

اليوم الثالث.. قداس تاريخي
وفي اليوم الختامي للزيارة (الثلاثاء)، ترأس قداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، قداساً بابوياً بمدينة زايد الرياضية في أبوظبي بحضور 140 ألفاً من المقيمين في دولة الإمارات وخارجها، في أجواء من التسامح والمحبة والسلام، تعبر عن مبادئ الأخوة الإنسانية التي تتبناها دولة الإمارات.

ويعد هذا القداس التاريخي الأول من نوعه في شبه الجزيرة العربية، والأكثر تنوعاً من حيث عدد الجنسيات، إذ يعكس التنوع الحضاري والثقافي الذي تتميز به دولة الإمارات باحتضانها مقيمين من 200 جنسية.

وتحمل إقامة هذا القداس التاريخي على أرض الإمارات -ولأول مرة في شبه الجزيرة العربية- دلالات مهمة، إذ يعكس نهج الدولة والتزامها بمبدأ التسامح للتأكيد على أن المعتقدات الدينية يمكنها أن تزدهر في بلد يعتنق التنوع الديني ويشجع التعايش ما بين الأديان المختلفة.

وجاءت إقامة القداس بعدما زار قداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، الثلاثاء، كاتدرائية القديس يوسف في أبوظبي.

وتعد كاتدرائية القديس يوسف في أبوظبي أهم وأكبر كنائس الكاثوليك في الإمارات، وأول كنيسة كاثوليكية تحتضنها البلاد، ووضع حجر أساسها فبراير/شباط 1964 على قطعة أرض تطل على الكورنيش، تبرع بها الشيخ شخبوط بن سلطان بن زايد، حاكم أبوظبي آنذاك.

نسختان من "وثيقة الأخوة الإنسانية"
وغادر قداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور بمثل ما استقبلا به من حفاوة وتكريم، مختتمين زيارتهما التاريخية.

وكان في وداعهما لدى مغادرتهما مطار الرئاسة في العاصمة أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية.

وتسلم الشيخ محمد بن زايد نسختين من "وثيقة الأخوة الإنسانية" من قداسة البابا فرنسيس وفضيلة الإمام الأكبر قبيل مغادرتهما.

وفي ولفتة تقدير، غرد الشيخ محمد بن زايد مودعاً الرمزين الكبيرين، قائلاً "نودع بالحب ضيفي الإمارات العزيزين.. البابا فرنسيس وفضيلة الإمام الدكتور أحمد الطيب".

ولخص نتائج تلك الزيارة المهمة، قائلاً "هذه الزيارة تشكل حجر أساس في تنمية العلاقات الإنسانية، والتحاور بين الشعوب والثقافات، كلنا شركاء في تعزيز قيم التسامح والمحبة، وبث الأمل والتفاؤل والتآلف بين شعوب العالم".

بيت العائلة الإبراهيمية
وتخليداً لذكرى الزيارة التاريخية المشتركة بين قداسة البابا فرنسيس، وفضيلة الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب، لدولة الإمارات وإطلاقهما من أبوظبي "وثيقة الأخوة الإنسانية"، أمر الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بتخصيص مساحة أرض في جزيرة السعديات، وتشييد معلم حضاري جديد يُطلق عليه اسم "بيت العائلة الإبراهيمية".

ويرمز المعلم الديني الفريد إلى حال التعايش السلمي وواقع التآخي الإنساني الذي تعيشه مختلف الأعراق والجنسيات من العقائد والأديان المتعددة في مجتمع دولة الإمارات، كما أنه سيستقي نهجه من الوثيقة التاريخية، تتقارب فيه الشعوب والطوائف والأديان باختلافاتها وتنوعاتها، وسيكون الصرح الجديد أحد المعالم البارزة على مستوى الدولة والعالم.

عن "العين" الإخبارية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية