
خلال الاحتجاجات والاضطرابات التي شهدتها بنغلاديش أثناء الثورة الطلابية التي اجتاحت البلاد احتجاجاً على تعديلات قانون الوظائف، وُجهت اتهامات موثقة إلى الجماعة الإسلامية، الذراع السياسية للإخوان، وجناحها الطلابي "شاترا شيبير" بالضلوع في أعمال عنف وتخريب. وأشارت تقارير إعلامية ومصادر حكومية إلى تورط أعضاء من "شاترا شيبير" في القيام بهجمات على مؤسسات تعليمية، والتورط في اشتباكات مع قوات الأمن، ممّا أدى إلى سقوط ضحايا وحدوث إصابات.
في المراحل الأخيرة من الاحتجاجات الطلابية، خاصّة تلك المتعلقة بمطالب إصلاح نظام التعليم والوظائف، تمّ الإبلاغ عن مشاركة نشطة من قبل أعضاء "شاترا شيبير" في الحدث الثوري الذي بدأ في تحقيق نجاحات كبيرة. هذه المشاركة أثارت جدلًا واسعًا، فقد اتهمت الحكومة الجماعة الإسلامية بمحاولة استغلال الاحتجاجات لتحقيق أهداف سياسية، بينما نفت الجماعة هذه الاتهامات، وزعمت أنّ مشاركتها تأتي دعمًا لمطالب الطلاب المشروعة.
ردًّا على هذه الأحداث، قامت الحكومة البنغلاديشية باتخاذ إجراءات صارمة ضدّ الجماعة الإسلامية وذراعها الطلابي، شملت اعتقالات واسعة، وحظر بعض أنشطتهم، وملاحقات قانونية لهم. كما تمّ تعزيز التواجد الأمني في الجامعات والمناطق التي شهدت اضطرابات، في محاولة للسيطرة على الوضع ومنع تكرار مثل هذه الأحداث.
ويمكن القول: إنّ الجماعة الإسلامية في بنغلاديش وذراعها الطلابي، لعبا دورًا مثيرًا للجدل خلال الاحتجاجات ضدّ حكومة حسينة واجد. بينما تؤكد الجماعة أنّ مشاركتها كانت سلمية وتهدف إلى دعم مطالب الطلاب، في حين تشير تقارير موثقة إلى تورطها في أعمال عنف وتخريب، ممّا أدى إلى ردود فعل حكومية حازمة وإجراءات قانونية ضدها.
تحويل السلمية إلى عنف مفرط
كان انخراط الجماعة الإسلامية في الحراك الثوري نقطة تحول نحو العنف المفرط، حيث اندلعت اشتباكات بين أعضاء الذراع الطلابية للجماعة والشرطة داخل الحرم الجامعي، ممّا أدى إلى إصابة عدد من الطلاب ورجال الأمن. ففي جامعة راجشاهي اندلعت مواجهات عنيفة بين "شاترا شيبير" وطلاب منظمات طلابية أخرى، أسفرت عن إصابة عدة أشخاص وتعرّض مباني الجامعة لأضرار. كما جرت اشتباكات في جامعات أخرى، حيث وقعت اشتباكات بين طلاب الإخوان ومعارضيهم في جامعة شيتاجونج وجامعة خولنا. وخلال هذه الأحداث قُتل العشرات بينهم طلاب ورجال أمن، وأصيب المئات بجروح متفاوتة.
كما شنت الأذرع المسلحة للجماعة الإسلامية هجمات متفرقة على مبانٍ حكومية عديدة، فتعرضت مبانٍ حكومية في منطقة شيتاجونج لهجمات من قبل "شاترا شيبير"، وتمّ إلقاء قنابل حارقة على المكاتب ممّا أدى إلى حدوث أضرار مادية جسيمة.
ومارست الجماعة الإسلامية تحريضًا واسعًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأشارت تقارير الشرطة إلى استخدام الإخوان لمنصات التواصل الاجتماعي للتحريض على العنف وتنظيم الاحتجاجات بشكل ممنهج.
بالتزامن مع ذلك، قام أعضاء من "شاترا شيبير" بقطع الطرق الرئيسية في دكا، مثل طريق ميربور وطريق موتيجيل، ممّا تسبب في تعطيل حركة المرور لساعات.
إرهاب الأقليات
في أعقاب استقالة رئيسة الوزراء شيخة حسينة واجد في 5 آب (أغسطس) 2024، شهدت بنغلاديش موجة عنف طائفي كبيرة، بفعل أنصار الجماعة الإسلامية ضدّ الأقلية الهندوسية، وتمّ تسجيل أكثر من (2000) حادثة، تخللتها هجمات إرهابية على المنازل وأماكن العبادة، أدّت إلى إزهاق أرواح عدة مدنيين، خاصة في الريف (مثل: دوارابازار بمقاطعة سيلهيت) وفي ضواحي دكا.
وأظهرت بيانات مجلس الوحدة الهندوسية والبوذية والمسيحية في بنغلاديش وقوع أكثر من (2000) حادثة من 4 إلى 20 آب (أغسطس) 2024 استهدفت منازل وأعمالاً تجارية، وأماكن للعبادة، من بينها (69) هجومًا على معابد وحرق منشآت دينية، وذلك في مختلف المحافظات. وأشارت تحقيقات مستقلة إلى تورط الجماعة الإسلامية في أحداث العنف الطائفي التي أدت إلى مقتل (9) مدنيين هندوس، بعضها كان بدوافع شخصية وسياسية وفقًا للتحقيقات.
وشهد الريف في مناطق مثل: منجلارغاون ودوارابازار (سيلهيت) عمليات سلب ونهب واسعة، حيث دُمّرت متاجر ومنازل، وتمّ رصد حالات احتجاز قسري لسكان هندوس، وتهجير واسع، تحت إشراف الجماعة الإسلامية.
الصحافة الهندية بدورها وصفت موجة العنف الطائفي بأنّها "ردّ فعل من الجماعة الإسلامية على سقوط حكم حسينة"، مع إطلاق تحذير من أن يؤدي ذلك إلى تهجير آلاف الهندوس نحو الحدود.
الضغط على الحكومة من أجل الإفراج عن مجرم حرب
حاولت الجماعة الإسلامية استغلال الموقف قدر الإمكان، وطالبت بالإفراج عن زعيمها المعتقل أتم أزهر الإسلام، المدان بارتكاب جرائم حرب أثناء حرب الاستقلال، وهو ما رفضته الحكومة.
من جهتها، أعلنت الجماعة الإسلامية عن مليونية احتجاج في 17 شباط (فبراير) الماضي للمطالبة بالإفراج عن أزهر الإسلام، وجرى تنظيم مسيرات واعتصامات في دكا وغيرها من المدن، بقيادة الأمير شفيق الرحمن، وانطلقت تظاهرة ضخمة من ميدان "شهييد تشيراغ" في منطقة بولتون، صاحبتها أحداث عنف.
وفي 18 شباط (فبراير) الماضي شهدت مدينة بانبنا مسيرة جماهيرية حاشدة على الطريق الرئيسي، وتم تسجيل أعمال عنف كبيرة واعتداء لفظي على رموز الدولة والحكومة.
الجيش يُحذر الإخوان
في أعقاب تزايد العنف الإخواني، وفي 25 شباط (فبراير) الماضي، وخلال مراسم تخليد ذكرى ضباط وجنود، حمّل الجنرال واقر الزمان قائد الجيش، الجماعة الإسلامية مسؤولية "الفوضى والعصيان"، ودعاها إلى التراجع فوراً، وإلّا سيُنظر إليها كخصم يهدّد وحدة البلاد وحريتها، قائلاً: إنّ "استمرارها في العنف سيضع مستقبل الجمهورية بأكمله على المحك".
قائد الجيش أشار في تصريحات لاحقة إلى أنّ فصائل مثل جماعة الإسلام وحركة الطلاب الإسلاميين، تتعمد استهداف مقرات الشرطة والجيش لزعزعة الاستقرار، مهددًا باستخدام "القوة الحاسمة" لردع أيّ اعتداءات مستقبلية.
وفي نيسان (أبريل) الجاري كرر قائد الجيش دعوته للتهدئة، وقال: إنّ الجيش "جاهز لحماية سيادة القانون"، رغم كونه لا يرغب في الصدام الداخلي. وأكد بلهجة حاسمة على موقف الجيش الحازم ضد أيّ جماعة تستهدف الأمن القومي.