إخوان بنغلاديش بين ممارسة الحسبة وخطاب المظلوميّة

إخوان بنغلاديش بين ممارسة الحسبة وخطاب المظلوميّة


12/04/2022

في ظل المواجهات الأمنية المتصاعدة، بين الحكومة البنغاليّة، من جهة، والجماعة الإسلامية، الذراع السياسية للإخوان، من جهة أخرى، أصبحت الأوضاع في بنغلاديش على صفيح ساخن. وفي هذه الآونة تلعب الجماعة الإسلاميّة على محورين رئيسييّن: الأول؛ مواصلة العمل خلف غطاء ديني، وتكريس وجود عناصر التنظيم كجهاز للحسبة في الشارع البنغالي، والثاني؛ هو رفع شعارات المظلومية، وإنكار كافة الجرائم المعلن عنها، والثابت فيها تورط الجماعة في التخطيط لأعمال عنف وإرهاب.

التشدّد الديني في استراتيجيّة الإخوان

على صعيد الدعاية الدينيّة، أصدر أمير الجماعة الإسلاميّة الشيخ شفيق الرحمن، يوم الجمعة الأول من نيسان (إبريل) الجاري، بياناً دعوياً طالب فيه الشعب البنغالي بـ"الحفاظ على نقاوة وقدسيّة شهر رمضان، واستثمار هذا الشهر في بناء شخصية، أساسها التواضع على أساس التقوى". وأضاف شفيق الرحمن: "أحث جميع إخواننا المسلمين، بغض النظر عن اعتقاداتهم السياسيّة، إلى أداء الشعائر الدينية الخاصّة بهذا الشهر". 

 أمير الجماعة الإسلاميّة الشيخ شفيق الرحمن

كما حث الشعب على الإكثار من الصلوات، وقراءة القرآن الكريم، ومطالعة كتب التاريخ والأدب الإسلامي، والمساهمة في حماية المجتمع من الفواحش، كما طالب الشعب بالتدخل، لمنع ما وصفه بـ "مظاهر الابتذال والتعري والفحش". الأمر الذي يوضح عمق التكوين الديني المتطرف لدى الإخوان، ومحاولتهم فرض عقيدتهم بالقوة على الشارع البنغالي.

توظيف الدين لخدمة الأجندة السياسيّة

سرعان ما انتقل أمير الجماعة الإسلاميّة من الدين إلى السياسة، ما يعكس ثبات المنهج الإخواني في التحرك الأفقي، من الدعوي إلى الدنيوي؛ لمنح أطماعهم السياسيّة صبغة دينية؛ حيث تطرق شفيق الرحمن، إلى ما أسماه "التدهور الخطير في الأوضاع الأمنية للبلاد"، زاعماً أنّ "الأوضاع الأمنية للبلاد قد تدهورت بشكل خطير، في الأيام والأسابيع الماضية".

قامت السلطات الأمنية باعتقال العشرات من أعضاء الجماعة الإسلاميّة، في اليوم الثاني من شهر رمضان، إثر قيامهم بعقد اجتماع تنظيمي، تحت غطاء حفل إفطار

ثم انتقل إلى التحريض على الحكومة، منتقداً ارتفاع الأسعار؛ بل وانتقد قيام الحكومة بتسيير شاحنات (تي سي بي) العملاقة، والمحملة بمواد تموينيّة بأسعار مخفضة، زاعماً أنّها كشفت عن عمق الفقر في البلاد، في ظل تكدس الجماهير حولها.

خطاب المظلوميّة تحت وطأة الضربات الأمنية

في الثاني من نيسان (أبريل) الجاري، أصدر أمير الجماعة الإسلاميّة بياناً، طالب فيه السلطات البنغاليّة، بإطلاق سراح "جميع الزعماء والقادة الكبار، المعتقلين للجماعة الإسلاميّة واتحاد الطلاب الإسلامي، وعلى رأسهم نائب أمير الجماعة الإسلاميّة، والنائب البرلماني السابق، دلاور حسين سعيدي، ومساعد الأمين العام للجماعة الإسلاميّة، الشيخ أبو تراب محمد أظهر الإسلام، والنائب البرلماني السابق، الشيخ عبد الخالق مندل، وتمكينهم من قضاء شهر رمضان مع أسرهم".

رفع شعارات المظلومية وإنكار كافة الجرائم المعلن عنها

البيان وصف الحكومة بأنّها غير قانونيّة، وتفتقد إلى الشرعيّة، زاعماً أنّ كلّ القضايا التي يحاكم بسببها قادة الإخوان ملفقة ومفبركة، مضيفاً: "مئات من منسوبي ونشطاء الجماعة الإسلاميّة، واتحاد الطلاب الإسلامي، قابعين في السجون منذ شهور لأسباب سياسيّة بحتة، فضلاً عن اعتقالها العشرات من العلماء، الذين كانوا يؤمون المصلين في المساجد، والذين لا زالوا يقبعون في السجون، حيث نتج عن ذلك حرمان المصلين من أداء صلواتهم خلف إمامهم المفضل، في هذا الشهر الفضيل". 

 

اقرأ أيضاً: الإخوان في مواجهة الدولة.. ما الذي يحدث في بنغلاديش؟.. وما علاقة طالبان؟

من جهتها، قامت السلطات الأمنية باعتقال العشرات من أعضاء الجماعة الإسلاميّة، في اليوم الثاني من شهر رمضان، إثر قيامهم بعقد اجتماع تنظيمي، تحت غطاء حفل إفطار، أقامته الجماعة في مدرسة دار الإسلام الثانوية، الواقعة في مدينة سراج غنج، وفيه كشفت المراقبة والتحريات، عن قيام المعتقلين بالتخطيط للمزيد من أعمال العنف، والتواطؤ من أجل إسقاط الدولة. 

في الثاني من نيسان الجاري، أصدر أمير الجماعة الإسلاميّة بياناً، طالب فيه السلطات البنغاليّة، بإطلاق سراح جميع الزعماء والقادة الكبار، المعتقلين للجماعة الإسلاميّة واتحاد الطلاب الإسلامي

من بين الذين جرى اعتقالهم، أمير الجماعة الإسلاميّة في مدينة سراج غنج، الشيخ شاهينور عالم، ورئيس حزب اتحاد الطلاب الإسلامي في مدينة سراج غنج، السيد طارق الإسلام، والأمين العام للحزب في المدينة، السيد عمران حسين، والسيد الحاج الدين، والأمين العام للحزب في المدينة، السيد عبد العزيز، وسكرتير القسم الإعلامي، السيد أيوب علي. بالإضافة إلى عدد آخر من القادة المحليين للجماعة الإسلاميّة، وحزب اتحاد الطلاب الإسلامي، المتحالف معها.

 

اقرأ أيضاً: الفتنة الطائفيّة.. خطة الإخوان الأخيرة في بنغلاديش

القائم بأعمال الأمين العام للجماعة الإسلاميّة، الشيخ أبو طاهر محمد معصوم، أصدر بياناً رسمياً، في 4 نيسان (أبريل) الجاري، استنكر فيه ما وصفه بـ "الاعتقال التعسفي غير المبرر للعشرات من منتسبي ونشطاء الجماعة الإسلامية". منتقداً الجهات الأمنية والقضائيّة، التي رفضت الإفراج عن المعتقلين، وأرسلتهم إلى السجن.

أبو طاهر محمد معصوم، دافع عن حزب اتحاد الطلاب الإسلامي، الذي يسير على نفس النهج الإخواني، بوصفه "المنظمة الطلابية الإسلاميّة، الأكثر شعبية، والأكثر شهرة في بنغلاديش". على حد مزاعمه، وادعى أنّ هذه المنظمة "ماضية قدماً في الأنشطة البناءة، في المؤسسات والمعاهد الأكاديميّة، التي لها سمعة طيبة". وكشف معصوم، ربما عن غير قصد عن الطابع التجنيدي لحزب اتحاد الطلاب الإسلامي، حيث قال إنّ الحزب يركز بالدرجة الأولى على الطلاب؛ كي يكونوا طلاباً مطيعين، يخافون الله ويعملون عن نشر منهجه، وفرض شريعته في الجهات الحكومية وغير الحكومية.

القصاص: قيام الجماعة الإسلاميّة برفع خطاب المظلوميّة بات أمراً معتاداً

وختم القائم بالأعمال بيانه، بخطاب المظلوميّة الإخواني المعتاد، قائلاً: "لقد بدأ شهر رمضان المبارك للتو، وأهم احتفالية في هذا الشهر الفضيل، هو الاجتماع على موائد الرحمن الجماعية، وهذا احتفال تقليدي، وهذه المحافل دائماً ما تكون مليئة بالصائمين، والحكومة بدلاً من إلقاء القبض على المجرمين، تلقي القبض على الصائمين، منتسبي ونشطاء الجماعة الإسلاميةّ الذين لا يعرف عنهم إلا السلمية".

عبد السلام القصاص: استراتيجيّة التمكين الإخواني في بنغلاديش، تعتمد بشكل كبير على الغطاء الدعوي، وممارسة نهج الحسبة، تحت شعار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الدكتور عبد السلام القصاص، الباحث المصري في العلوم السياسيّة، خصّ "حفريات" بتصريحات، قال فيها إنّ قيام الجماعة الإسلاميّة برفع خطاب المظلوميّة، بات أمراً معتاداً، للمدارة على نهج العنف والتواطؤ الذي تقوم به الجماعة من آن إلى آخر، وآخرها أحداث العنف الطائفي ضد الهندوس، والتي خلّفت عدداً من الضحايا.

ولفت القصاص إلى أنّ استراتيجيّة التمكين الإخواني في بنغلاديش، تعتمد بشكل كبير على الغطاء الدعوي، وممارسة نهج الحسبة، تحت شعار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكنّ الأمور كثيراً ما تنتهي بمواجهات دامية، مشيراً إلى قيام الجماعة في شهر رمضان الماضي، بنشر رجال الحسبة في المساجد والأحياء المختلفة، لمراقبة الممارسات الدينيّة، ما أدّى إلى حدوث حالة من الفوضى، انتهت بقيام الحكومة باعتقال هؤلاء المحتسبين الإخوان، ثم توجيه ضربات أمنية قوية ومتتالية، ما وضع الجماعة في موضع حرج، تحاول الخروج منه، عن طريق تكثيف الخطاب الديني، ورفع شعار المظلوميّة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية