الإخوان في السودان: انقسامات الداخل وخطة العودة تحت عباءة الجيش

الإخوان في السودان: انقسامات الداخل وخطة العودة تحت عباءة الجيش

الإخوان في السودان: انقسامات الداخل وخطة العودة تحت عباءة الجيش


03/06/2025

بعد سقوط نظام عمر البشير، الذي كان مظلة الحركة الإسلامية لعقود، تعرّض الإخوان لانقسامات وسط تساؤلات حول مستقبلهم. وفي خضم الحرب الأهلية الراهنة بين الجيش النظامي وقوات الدعم السريع، منذ نيسان (أبريل) 2023، وجدت فصائل الإخوان نفسها تنشط بطرق مختلفة ضمن التيار الإسلامي العريض، في محاولة لاستعادة الهيمنة أو على الأقل حماية مصالحها.

حاليًا، هناك فصيلان رئيسيان يتجاذبان تمثيل الإخوان بالسودان: الأوّل بقيادة سيف الدين أرباب، والثاني بقيادة عادل إبراهيم، المراقب العام الذي ما يزال مُعترَفًا به من قِبل جماعة الإخوان الأم في مصر.

ويشير الخبراء إلى أنّ سيف الدين أرباب يمثل تيارًا أكثر تشدّدًا وراديكالية، ويتمتع بنفوذ أوسع ميدانيًا داخل السودان، ويمثل عادل إبراهيم التيار التقليدي الأقلّ تأثيرًا، لكنّه ذو شرعية تنظيمية في نظر الخارج.

تمدد وانتشار

ضمن التيار الإسلامي الأوسع في السودان تنتشر الأفكار الإخوانية في عدة مكونات: من السلفيين والجماعات الدعوية، مرورًا بالحركة الإسلامية السودانية، وهي الإطار الجامع لفلول نظام البشير، وصولًا إلى شخصيات في الجيش والأمن تتبنّى إيديولوجيا إسلامية. وقد  تبنّى الإخوان ما يمكن تسميته "استراتيجية التشظي الخلّاق"؛ أي السماح بتعدد الكيانات والمبادرات المحسوبة عليهم لإرباك خصومهم واستعادة النفوذ تدريجيًا. فمثلاً، من رحم الإخوان خرجت جماعة "التيار الإسلامي العريض" التي تضم إسلاميين من مشارب شتى، وكذلك هيئة علماء السودان التي تُعتبر الذراع الدعوية، فضلًا عن حراك نداء السودان وغيره.

سقوط البشير والفراغ السياسي

أدى انهيار نظام عمر البشير في السودان إلى حالة من الفراغ السياسي داخل صفوف جماعة الإخوان المسلمين، التي لطالما اعتمدت على ذلك النظام كمظلة إيديولوجية وسياسية. ومنذ اندلاع الحرب الأهلية في نيسان (أبريل) 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع، وجدت الجماعة نفسها تتكيف مع المتغيرات بشكل براغماتي، محاولةً ترميم حضورها عبر تحالفات جديدة وتكتيكات موزعة بين العمل العلني والخفي.

أدى انهيار نظام عمر البشير في السودان إلى حالة من الفراغ السياسي داخل صفوف جماعة الإخوان المسلمين.

وبرز في الساحة جناحان رئيسيان يمثلان الجماعة: أحدهما بقيادة سيف الدين أرباب، الأكثر ميلًا للتشدد والميدانية، والثاني بقيادة عادل إبراهيم، المُعترَف به تنظيميًا دوليًا، لكنّه أقلّ فعالية على الأرض. ويعكس هذا الانقسام التوتر بين شرعية الخارج وفاعلية الداخل.

الإخوان لم يعودوا يتحركون كوحدة تنظيمية صلبة، بل اختاروا الاندماج في التيارات الإسلامية المتعددة ضمن ما يُعرف بـ "التيار الإسلامي العريض". فكانت جماعة "نداء السودان" وهيئة علماء السودان وبعض التكتلات السلفية أدوات لتوسيع النفوذ دون لفت النظر، وتضليل الخصوم بمشهد معقد لا يسهل تتبعه.

التموضع العسكري: الإخوان والجيش ضد العدو المشترك

مع احتدام الصراع بين البرهان وحميدتي، اتخذ الإخوان موقفًا واضحًا بدعم الجيش، استجابةً للخطاب المعادي لهم الذي تبنته قوات الدعم السريع. فقد صرح مستشار الأخيرة علنًا أنّ الحرب تستهدف الإسلاميين، ممّا فتح الباب لتعاون وثيق بين الجماعة والمؤسسة العسكرية.

وانخرطت عناصر الجماعة في تشكيلات ميدانية شملت ميليشيات محلية، ولجان أحياء، وخلايا معلوماتية نشطة. وظهرت وجوه جهادية معروفة تقاتل إلى جانب الجيش، وسط تحذيرات من تحول النزاع إلى مواجهة عقائدية بين الإسلاميين والعلمانيين، وهو ما يخشاه المجتمع الدولي.

شكلت قيادات الإخوان بقيادة أرباب تكتلًا سرّيًا مع الفريق ياسر العطا داخل الجيش، ونسّق الطرفان تحركات دعائية وميدانية، شملت بيانات دينية وتحركات احتجاجية للتأثير على الرأي العام وتوجيه دفة الصراع الخارجي، ووجّها اتهامات كاذبة لدولة الإمارات، بحثًا عن تغطية الفشل السياسي والعسكري، دون تقديم أيّ أدلة لهذه الادعاءات.

مع احتدام الصراع بين البرهان وحميدتي، اتخذ الإخوان موقفًا واضحًا بدعم الجيش، استجابةً للخطاب المعادي لهم الذي تبنته قوات الدعم السريع.

في المقابل، يركّز جناح عادل إبراهيم على التهدئة الخارجية وكسب الاعتراف الدبلوماسي. ويُقدّم نفسه كخيار مقبول في أيّ ترتيبات ما بعد الحرب، لكنّ ضعف حضوره الشعبي يقلل من قدرته على التأثير الداخلي، ممّا يجعله ورقة هشة، نظرًا لضعف موارد مجموعته، وانقطاع صلاته التنظيمية بالجماعة الأم التي تعاني من التمزق بين جبهتي لندن وباريس.

توازن القوى بين الجيش والإسلاميين: دعم متبادل وحذر متبادل

رغم التعاون بين الجيش والإخوان، ما يزال البرهان يتعامل معهم بحذر. فهو يستفيد من قدراتهم التعبوية دون السماح لهم بالتحكم المباشر. وقد ساعد غياب قيادة موحدة في صفوف الإخوان على إبقاء البرهان متحكمًا في موازين القوى دون أن يخضع كليًّا للجماعة.

وقد تحالف الإخوان مع قوى إسلامية أخرى مثل حزب المؤتمر الشعبي وبعض السلفيين الذين التحقوا بالصف العسكري ضد قوات الدعم السريع، ممّا أنتج اصطفافًا واسعًا يضم الإسلاميين والجماعات الإرهابية وأنصار البشير، في مقابل قوى الهامش وتحالفات مدنية وثورية.

إذا انتصر الجيش، فالأرجح أن يمنح الإسلاميين تمثيلًا سياسيًا يعيدهم إلى الواجهة، وقد يضطر البرهان لصياغة ترتيبات دستورية تُرضيهم. لكنّ هذا الانتصار قد لا يحسم الصراع الداخلي بين جناحي سيف الدين أرباب وعادل إبراهيم. أمّا إذا طالت الحرب، فسوف تزداد الخلافات، وربما تتحول إلى مواجهة داخلية، خاصة إذا شعرت بعض التيارات الجهادية أنّ الجماعة تخلت عن مشروعها الأصلي.

رغم السقوط المدوي لنظام البشير، استطاع الإخوان التكيف والانقسام والتخفي والتحالف وفق متطلبات المرحلة. فقد عادوا إلى السطح من باب مختلف، عبر الحرب، وتسللوا إلى السلطة تحت مظلة الجيش. وهم اليوم قوة مُدمِّرة لا يمكن تجاهلها في المشهد العسكري والسياسي، ولا يمكن لأيّ حل إقليمي أن يتجاهل خطرهم الكامن، ممّا يجعلهم ـ رغم ضعفهم البنيوي ـ عاملًا مستمرًّا للتوتر في مستقبل السودان.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية