"الإخوان المسلمون" والكذب في سبيل الله!

"الإخوان المسلمون" والكذب في سبيل الله!


07/08/2022

منير أديب

هل الكذب من صفات "الإخوان المسلمين"؟ وإذا كان بعض "الإخوان" يكذبون، فهل يكذب كبيرهم؟ وهل يمكن فهم تصريحات مرشد "الإخوان" وقيادات مكتب الإرشاد في سياقها السياسي بعيداً من الكذب؟ بمعنى أن الواقع السياسي يختلف عن الواقع القيمي وهو ما يحتاج إلى تغيير وتبديل في المواقف؟ تساؤلات عابرة ربما تحمل إجاباتها تعريفاً دقيقاً لتنظيم "الإخوان المسلمين" ومن يختبئون وراءه.

ربما يُطلق "الإخوان المسلمون" على الكذب مصطلحاً يستخدمه بعض السياسيين "مراوغة سياسية"، وربما يستخدم التنظيم دراسة الواقع تبريراً للتخلي عن التزاماته؛ التنظيم يتعامل مع الواقع السياسي بمنطق الفرصة التي لا بد من استغلالها حتى ولو كان ذلك على التزام التنظيم، كما ادعى في العام 2011 أنه لن يترشح لمقعد الرئاسة، ففوجئنا به يتقدم بمرشح، وهو ما أثار أحد قيادات التنظيم آنذاك، كمال الهلباوي، فقدم استقالته من التنظيم على الهواء أثناء استضافته في أحد البرامج، ولعلها الحالة الوحيدة داخل التنظيم التي أزعجها انقلاب التنظيم على وعده السابق.

التنظيم طرح في وقت سابق شعار "مشاركة لا مغالبة" في أكثر من انتخابات سابقة قبل العام 2011، ولكن في الحقيقة كان يُغالب كل الانتخابات التي دخل فيها بمكر ودهاء، هذا الشعار نفسه أكده في أول انتخابات برلمانية بعد العام 2011، ولكنه ضرب بتعهداته عرض الحائط، وعقد تحالفاً مع كل التيارات الدينية المتطرفة لتشكل أغلبية داخل البرلمان. ليس ذلك فقط، ولكنه قام باغتيال الحركة المدنية داخل البرلمان وخارجه؛ تحالف "الإخوان" هذا رفض تحية العلم والوقوف احتراماً وإجلالاً للسلام الوطني، كما أن أحدهم قطع جلسات البرلمان ليؤذن لصلاة الظهر ثم طلب وقف أي مناقشات مهما كانت حتى تأدية الصلاة التي أذن فيها تحت القبة.

ما كان يدعيه "الإخوان" سابقاً انقلبوا عليه، فقد كانوا يكذبون على النّاس وأنفسهم، وربما هذا الكذب هو ما ألفى بهم في مهاوي الردى، صدقوا أنفسهم بينما فقد النّاس الثقة بهم، ولذلك أي محاولات لـ"الإخوان المسلمين" للعودة إلى المشهد السياسي لن تأتي بأي نتائج إيجابية، لأنها ببساطة ليست مرتبطة برضا السلطة من عدمه ولكنها مرتبطة بالموقف الشعبي من التنظيم، المبني على الوعي والذي فقد الثقة بالتنظيم إلى الأبد.

أجرى القائم بعمل مرشد "الإخوان المسلمين" إبراهيم منير، الذي يتزعم إحدى جبهات الصراع في التنظيم، حواراً مطولاً مع وكالة "رويترز" يوم الجمعة في تاريخ 29 تموز (يوليو) الماضي أدعى فيه أن التنظيم لن يشارك في السلطة أو ينافس عليها ولن يكون جزءاً منها، كما ادعى أن التنظيم بريء من علاقته بالعنف!

القائم بعمل المرشد يُدرك كما يُدرك كل أتباعه أنه يكذب، وأنه لا يمكن أن نطلق على ما قاله إلا الكذب البواح، وأن صاحبه كذاب أشر؛ السلطة تجري في دماء تنظيمات الإسلام السياسي مجرى الدم، فلا يمكن لجسد التنظيم أن يتخلى عن عنصر حيويته ولا أن يتخلى عن الدماء التي تجري في عروقه، قد يعتقد البعض أنه يراوغ وقد يصنف الرجل نفسه في التصريح السياسي كذلك، لكن لا ضمانه لحديثه وهو ابن تنظيم سبق وانقلب عن تعهد في المساحة نفسها قبل سنوات قليلة.

فقد أعلن مرشد "الإخوان" السابق محمد مهدي عاكف عدم نيته خوض انتخابات الرئاسه في العام 2011، وترجمت قيادات مكتب الإرشاد هذا التوجه في تصريحات كانت مانشيتات الصحف ووسائل الإعلام في هذا التوقيت، حتى أن مجلس شورى التنظيم نفسه صوت في الاجتماع المخصص لذلك بعدم خوض هذه الانتخابات أو المنافسه فيها، وهو ما لم يرقَ لقادة التنظيم من الحرس الحديدي، خيرت الشاطر وإخوانه، فقرروا بعد موافقة المرشد ومكتب الإرشاد على عقد إجتماع ثانٍ لمجلس الشورى العام برئاسة المرشد، وبعد توجيه قيادات المكتب التنفيذي لـ"الإخوان" صوّت "الإخوان" في العام 2012 لمصلحة الترشح للرئاسة، ولم يلقوا بالاً لتصريحات سابقة لمرشد "الإخوان" وقادة التنظيم بأن الجماعة لن تنافس على مقعد الرئاسة، وهنا خرج التنظيم ليبرر كذبه من دون أن يعترف به، فسقطت قيم "الإخوان" المزيفة أمام جموع المصريين.

هذا ما حدث في الماضي القريب وما سوف يحدث في المستقبل إذا ما أتيح لـ"الإخوان" الوصول إلى السلطة أو السيطرة عليها، إبراهيم منير وقادة التنظيم غير قادرين على المناقسة ويُغازلون السلطة السياسية في البلاد التي خاصموها وخاصمتهم عشر سنوات كاملة، فهم يحاولون التودد إليها بهذا التصريح، ولكنهم لن يمانعوا الإنقلاب عليها إذا شعروا بالقوة كما حدث في العام 2011 بعد هذا التصريح، لأنها ببساطة تدرك أنهم يكذبون.

أدعى منير في تصريحاته الى وكالة "رويترز" أن التنظيم لا علاقة له بالعنف، ولم يفسر لنا كيف نشأت ميلشيات: "سواعد مصر"، "حسم"، "لواء الثورة"، "ولع"، "المقاومة الشعبية"، و"كتائب حلوان"، وغيرها من الميلشيات المسلحة؟، وهل كانت نبتة شيطانية أم أنها خرجت بقرار من اللجنة الإدارية العليا التي رأسها عضو مكتب الإرشاد د. محمد كمال؟ لقد أخذت موافقة كل المكاتب الإدارية لـ"الإخوان" في المحافظات، فبات التنظيم عن بكرة أبيه أعضاءً في تنظيم مسلح، صحيح تراجع "الإخوان" عن هذه التوجه، ولكنه تراجع تكتيكي.

تراجع "الإخوان" مرتبط برد فعل السلطة وأجهزة الأمن، وبخاصة أجهزة الأمن والمعلومات التي كشفت عن هذه التنظيمات بعد أن جندت أعضاء فيها، فاستهدفت أغلب المجموعات، حتى أن قيادات التنظيم دفعت ضريبة ذلك، وهو ما اضطرهم في النهاية إلى التراجع، وكما أنه قد يدفع في وقت قادم إلى استخدام العنف، عندما يشعرون بأنهم بهذا العنف سوف يكونون قادرين على ردع خصومهم.

وقائع الكذب عند "الإخوان" لا تُحصى ولا تُعد، ذاكرة الشعوب ملأى بها؛ ولعل هذا رهان عدم عودة "الإخوان المسلمين" اجتماعياً أو سياسياً. عدم عودة "الإخوان" ليست مرتبطة بفشلهم في إدارة شؤون الحكم بمصر، وإن كان ذلك سبباً وجيهاً، ولكن لأنهم أنكشفوا أمام النّاس الذين أدركوا أن بوناً شاسعاً بين ما يرفعون من شعارات وبين ممارسات التنظيم الفعلية، فالكذب شعارهم والنميمة ديدنهم والاغتيال المعنوي والجنائي وسيلتهم في مواجهة المختلفين عنهم، والموت في سبيل هذه الفكرة أسمى أمانيهم، فأي دعوة هذه؟ 

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية