اتحاد علماء المسلمين يغسل سمعة إيران والإخوان بفتوى الجهاد المسلح

اتحاد علماء المسلمين يغسل سمعة إيران والإخوان بفتوى الجهاد المسلح

اتحاد علماء المسلمين يغسل سمعة إيران والإخوان بفتوى الجهاد المسلح


09/04/2025

هشام النجار

عكست فتوى أطلقها الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، المرجع الفقهي للتنظيم الدولي للإخوان، بوجوب ما أسماه الجهاد بالسلاح ضد الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين على كل مسلم مستطيع في العالم الإسلامي، مستوى غير مسبوق من الانكشافات تواجهها إيران وفصائل الإسلام السني، ما جعل اللجوء إلى عولمة الصراع موقفا الغرض منه التغطية على هزيمة التيار الإسلامي، بشقيه الشيعي والسني، وتفكيك عُقده.

وبعد أن كانت الفتاوى تصدر منفردة من دعاة محسوبين على الإخوان، مثل الصادق الغرياني، أو من قبل منظرين لجماعات حليفة مثل القاعدة طوال المرحلة السابقة، خرجت الفتوى هذه المرة من أكبر هيئة فقهية تعبر عن الإخوان بالعالم، كدلالة على فداحة المحنة والشعور الجمعي بالخطر.

ونصت الفتوى التي نشرها الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين على موقعه الإلكتروني مؤخرا على “وجوب التدخل العسكري الفوري من الدول العربية والإسلامية ووجوب حصار العدو الصهيوني المحتل برًا وبحرًا وجوًا بما في ذلك الممرات والمضائق وسائر الأجواء في الدول العربية والإسلامية.. ووجوب الجهاد المالي لدعم أهل غزة وسرعة فتح المعابر.”

وتُضاف هذه الفتوى إلى عديد من الفتاوى المصيرية المُسيسة التي واكبت محطات مفصلية في جماعة الإخوان، منها ما عُرف بنداء الكنانة في العام 2015، عندما لاحت بوادر هزيمة خلايا الإخوان العسكرية أمام الجيش المصري والأجهزة الأمنية، فصدرت فتوى جماعية من دعاة جميعهم محسوبون على الإخوان، وقريبون من المرجع الفقهي للجماعة الراحل يوسف القرضاوي بوجوب قتال الجيش ومن عاونه من سياسيين وإعلاميين وقضاة.

وأصدر مفتي ليبيا السابق الصادق الغرياني، الذي يلعب حاليًا دورًا شبيهًا بأدوار القرضاوي خلال ثورات ما عُرف بالربيع العربي، فتوى تزامنًا مع الهزائم التي مُني بها حزب الله في لبنان والخسائر التي تكبدتها حركة حماس في قطاع غزة، بوجوب اقتحام المعابر الحدودية، معتبرًا ذلك في حق الجنود الذين يحرسون الحدود “فرض عين على المسلمين دفاعًا عن إخوانهم وعن حرماتهم وأمهاتهم ونسائهم.”

وتهدف فتوى الغرياني، وما يشبهها من تنظيرات وفتاوى لشرعيين محسوبين على تنظيم القاعدة، توسيع نفوذ إيران خلال مراحل الصراع الأولى عقب هجوم طوفان الأقصى، وجعل دول مهمة في الإقليم داخل محورها، عبر تأسيس ميليشيات تابعة لها. وتريد فتوى اتحاد علماء الإخوان تخفيف الضغوط عن طهران الموضوعة بين خيارات جميعها مؤلم، علاوة على كونها محاولة يائسة لتفكيك مأزق حماس، التي تحتاج إلى معجزة لتستمر في المشهد.

وعُدت فتوى نداء الكنانة من قبل عبثية وغير مسؤولة لأنها دعوة لحشد الجماعات التكفيرية المسلحة حول العالم لقتال الدولة المصرية ومؤسساتها غضبًا لجماعة عزلها الشعب عن السلطة، ولذلك ففتوى علماء الإخوان الأخيرة أكثر عبثًا في ظل محاولات مستميتة لتخليص طهران وأذرعها السنية والشيعية من المأزق الوجودي الذي وضعوا أنفسهم فيه ببدء حرب مدمرة دون نظر إلى مآلات على عدة جبهات مع إسرائيل.

وتفضل طهران التخلي عن وكيل جديد من وكلائها (الحوثيون) كي لا تقحم نفسها في مواجهة عسكرية مباشرة مع الولايات المتحدة وإسرائيل، فيما يطالب منظرو الإخوان دولًا معروفة مسبقًا أدوارها ومواقفها وحساباتها بأن تنخرط في مواجهة شاملة ضد إسرائيل وحلفائها. وضح من الفتوى الأخيرة لعلماء الإخوان الرغبة في غسل سمعة محور إيران وجماعة الإخوان وحماس بعد الهزيمة التاريخية التي زلزلت أركانه في محاولة مكشوفة لإشراك الدول العربية في المسؤولية.

وفوت ما يُعرف بمحور المقاومة الفرصة ولم يستثمر الضربة المباغتة الأولى لتحطيم إسرائيل نفسيًا وميدانيًا في السابع من أكتوبر 2023، ومع مرور الوقت فاق الإسرائيليون من صدمة الهجوم المباغت، على الرغم من إطلاق قادة المحور شعارات من قبيل القضاء على إسرائيل وتدميرها.

ولا يراجع محور إيران وتيار الإسلام السياسي أخطاءه، وبدلًا من الكشف عن أسرار أحداث العامين الماضيين، بدءًا من خطاب قائد كتائب عزالدين القسام الذي نشرته حماس يوم السابع من أكتوبر الذي عكس رهانًا على انضمام قوى محور المقاومة إلى المعركة وكانت الفرصة سانحة في الساعات الأولى من الهجوم، وانتهاءً بالسماح لإسرائيل بالانفراد بكل ذراع على حدة وتكبيد المحور بأكمله هزيمة تاريخية مهينة.

ولو جرى تطبيق الخطة المتعلقة بوحدة الساحات عبر انضمام حزب الله إلى المعركة، مقتحمًا الحدود والمستوطنات القريبة، لأربك ذلك حسابات الغرب وترك إسرائيل لفترة طويلة شبه مشلولة قبل أن تكون قادرة على الرد، وامتلاك القدرة على الردّ بقسوة على مختلف الجبهات.

وأوضح افتضاح محور إيران وانهيار نظرية (وحدة ساحات المقاومة) وتاليًا البدء في مرحلة استفراد إسرائيل، ومعها حليفتها الرئيسية الولايات المتحدة، بكل ساحة من ساحات محور المقاومة على حدة وقنصها لكبار قادة حماس وحزب الله وباقي كيانات المحور وانفتاح شهيتها لاستغلال الفرصة بهدف تحقيق أكبر قدر من المكاسب، أن الهدف لم يكن الانقضاض على إسرائيل (حسب خطاب محمد الضيف في 7 أكتوبر 2023)، إنما الانقضاض على الداخل العربي وتحقيق مكاسب لقوى إقليمية غير عربية ولتيار الإسلام السياسي.

وركز تيار الإسلام السياسي عبر لجانه الإلكترونية وهيئات الفتوى التابعة له على ترويج الدعاية وبث التحريض المكثف ضد الدول العربية، ضمن خطة ارتدادية لإعادة تموضع فصائله بساحاته، فيما ركزت طهران على التنصل من الهزيمة المُذلة. وركزت إسرائيل على تعظيم مكاسبها وتقليص المخاطر والتهديدات، من مركز المحور وأذرعه إلى الحدود الدنيا، ووجدتها تل أبيب فرصة لمحاولة شطب الشعب الفلسطيني سياسيًا وإخضاعه والهيمنة عليه من النهر إلى البحر والتخفف ما أمكن من الثقل الديمغرافي لغزة.

وتُعد فتوى اتحاد علماء الإخوان الأخيرة محاولة يائسة ومكشوفة لإعفاء محور إيران وجماعة الإخوان فضلًا عن جناح العثمانيين الجدد بقيادة تركيا من المساءلة التاريخية الواجبة عن خطايا وكوارث الأربعة عشر عامًا الماضية. وتقدمت إيران وتصدرت زعامة الشرق وتحركت كيانات محورها لتحقيق أهدافها المعلنة التي وردت في بيانات قادة حماس عقب شن هجوم طوفان الأقصى، وما حدث فعليًا ويجري تدشينه هو مسار وضع الشرق الأوسط بالآلام والمعاناة تحت هيمنة إسرائيل، وكيلة الولايات المتحدة في المنطقة.

ولم يحدث تحرير لفلسطين ولا عبور جديد، وهو ما تشدق به قادة أجنحة الإسلام السياسي، ولا استعادة لمدينة واحدة أو قرية، بل صورة للشرق الأوسط الجديد كتلك التي تحدث عنها رؤساء الولايات المتحدة، والتي رسمها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهو يحمل في مقر الأمم المتحدة خريطة لا وجود فيها لدولة فلسطينية، وطغى اللون الأزرق وعليه كلمة إسرائيل شاملًا الضفة الغربية المحتلة كاملة وقطاع غزة.

وبعد أن كانت الراية المرفوعة هي تحرير فلسطين والأقصى صار الحديث عن تغيير ديمغرافي يطول الشرق الأوسط وليس فلسطين وحدها. وطرح تيار الإسلام السياسي السني والشيعي نفسه كبديل للمشروع العربي القومي بداية من توظيفه لضرب هذا التوجه منذ بزوغه مرورًا بالثورة الإيرانية والتمركز في لبنان والعراق وسوريا واليمن، والصعود في أعقاب ثورات الربيع العربي خلف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ثم التراجع وصولًا لتداعيات الحرب الحالية الكارثية.

وجرى إطلاق الشعارات الجاذبة للرأي العام على صعيد زعم امتلاك المشروع الأمثل لإصلاح الحكم بالمنطقة العربية، فهل عندما تولت أفرع الإسلام السياسي السني والشيعي السلطة حدث إصلاح للحكم؟ وتم إطلاق شعارات أن محور المقاومة وجماعات الإسلام السياسي هي الأجدر والأقدر دون غيرها على مناهضة الغرب وإسرائيل وتحقيق الريادة واستعادة الأمجاد، فهل هُزمت الحضارة الغربية وهل اندحرت إسرائيل وتحررت فلسطين، وهل تحققت الريادة لحضارة الشرق وهل أُعيدت للأمة أمجادها؟

وأطلق من يُوصفون بأنهم علماء الهيئة الفقهية العالمية للتنظيم الدولي للإخوان الفتوى الأخيرة، لصرف النظر عن مأزق إيران والإخوان الوجودي وحتى لا يستقر في الوجدان الجمعي أن هذا التيار مُني بهزيمة تاريخية، وعليه تحمل مسؤوليتها وتبعاتها، وأول التبعات أنه غير جدير بزعامة الشرق والعالم الإسلامي، ولا يملك الصلاحيات ولا الإمكانات لتحقيق الريادة للأمة ناهيك عن تحقيق الاستقلال والتحرر.

العرب




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية