إيقاف راشد الغنوشي والاحتفاظ به... ما أسبابه ودلالاته وتداعياته؟

إيقاف راشد الغنوشي والاحتفاظ به... ما أسبابه ودلالاته وتداعياته؟

إيقاف راشد الغنوشي والاحتفاظ به... ما أسبابه ودلالاته وتداعياته؟


25/04/2023

في الوقت الذي ساد فيه الاعتقاد أنّه وحركته فوق المساءلة ولا تطالهم يد القانون، بالرغم ممّا قد يكونون اقترفوه من أخطاء، وما شهدته فترة حكمهم من جرائم، كاغتيال السياسيين والأمنيين والعسكريين والمدنيين، وتجنيد الشباب التونسي في الجماعات الإرهابية وتسفيرهم إلى بؤر القتال، والتوتر وإفساد الحياة السياسية، فقد مثل إيقاف زعيم حركة النهضة الإخوانية راشد الغنوشي والاحتفاظ به حدثاً بالغ الأهمية في السياق التونسي الداخلي، وله أبعاده في الخارج أيضاً.

أصبح الغنوشي منذ عودته إلى تونس في 30 كانون الثاني (يناير) 2011، هو وحركته، أحد أبرز المتحكمين في السياسات العامة للدولة والموجهين لقراراتها والماسكين بزمام أجهزتها، وهو ما جعل خبر اعتقاله الشاغل الأكبر للمشهد التونسي.

هذا الحدث تناولته دراسة للباحث التونسي غير المقيم فريد بن بلقاسم الباحث المتخصص في الحركات الإسلاموية، بموقع "تريندز للبحوث والدراسات"، واهتمت بعنصرين أساسيين هما من أسباب هذا الحدث وملابسات وقوعه، إلى جانب دلالاته وتداعياته الممكنة.

أسباب الإيقاف وملابساته

الخبر هو إيقاف راشد الغنوشي، بينما المصادر اختلفت، ففي البداية تداوله النشطاء في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك مساء الإثنين 17 نيسان (أبريل) الجاري، ولاحقاً أعلن مصدر مسؤول بوزارة الداخلية لوكالة تونس أفريقيا للأنباء الرسمية أنّ عملية الإيقاف تمت على خلفية تصريحات تحريضية أدلى بها الغنوشي، وقد صدرت في شأنه مذكرة إيقاف من النيابة العمومية بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب، وصاحب الإيقاف عملية تفتيش لمنزله.

وبعد ساعات من هذا الحدث، داهمت قوات الأمن المقر المركزي لحركة النهضة وقامت بتفتيشه، وأوقفت (3) أشخاص من حركة النهضة من أعضاء المكتب السياسي للحركة، وهم: محمد القوماني وبلقاسم حسن ومحمد شنيبة، ثم أصدر وزير الداخلية في اليوم التالي قراراً يقضي بمنع الاجتماعات بمقرات حركة النهضة في كامل البلاد، وكذلك منع اجتماعات ما تُسمّى "جبهة الخلاص الوطني" بمحافظات تونس الكبرى.

وكان الغنوشي، بحسب الدراسة، قد ألقى خلال مسامرة رمضانية، بمقر اعتصام ما يُسمّى بـ"جبهة الخلاص الوطني” المتكونة من مجموعة من الأحزاب والشخصيات، والتي تشكل حركة النهضة عمودها الفقري، قال فيها: إنّ ما حدث في 25 تموز (يوليو) انقلاب على الثورة والديمقراطية، وإنّ الانقلاب لا يُحتفى به، بل ينبغي رميه بالحجارة، كما قال إنّ احتفاء النخبة التونسية بالانقلاب فضيحة ينبغي إدانتها، وهم استئصاليون وإرهابيون ودعاة لحرب أهلية.

وأضاف أنّه "لا يمكن تصور تونس دون نهضة ودون إسلام سياسي، وهذا إجرام، وهناك إعاقة فكرية وإيديولوجية تؤسس لحرب أهلية".

ويرى كاتب الدراسة أنّ هذه النقاط تكشف عن أمرين؛ الأوّل: حجم المغالطات وعدم إدراك الواقع والانفصال عن حقائقه التي يتضمنها خطاب الغنوشي من جهة موقفه من حدث 25 تموز (يوليو) 2021، وأنّ الغنوشي لم يدرك بالرغم من مرور ما يناهز العام ونصف العام على هذا الحدث، أنّه بات وحركته منبوذَيْن اجتماعياً، ولم تفلح التحركات  التي قاموا بها في تعبئة الشارع معهم ودفعه للانتفاضة على حكم الرئيس قيس سعيّد.

ساد الاعتقاد أنّه وحركته فوق المساءلة ولا تطالهم يد القانون، بالرغم ممّا قد يكونون اقترفوه من أخطاء، وما شهدته فترة حكمهم من جرائم

والأمر الثاني، وفق الدراسة، هو كثافة معجم العنف والتهديد به الذي يتخلل الخطاب، وفي الواقع ليس الحديث عن الحرب الأهلية في صورة إقصاء النهضة جديداً في خطابات الحركة الإسلاموية بتونس منذ 2011، فهو أحد ثوابت خطابها.

ورجّح الباحث التونسي أن يُحمل خطابه هذه المرة على محمل الجد، وأنّه يشكّل فعلاً تهديداً مقصوداً، لأنّه جاء في سياق أصبحت فيه الحركة في أضعف مراحلها سياسياً ومعزولة اجتماعياً وشعبياً وفاقدة الدعم الداخلي والخارجي.

ولفتت الدراسة إلى أنّ العنف مُكوِّن بنيوي في هذه الحركات، ويشهد تاريخها بأنّها التجأت إلى التصادم مع الدولة، في إطار الصراع على السلطة، كلما مرت بمراحل الاستضعاف، مشيرةً إلى خطة تحرير المبادرة التي وضعتها حركة النهضة عام 1991 لمواجهة الدولة في عهد حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي.

وباعتقال الغنوشي، ذهبت الدراسة إلى اعتبار أنّ المشروع السياسي للرئيس قيس سعيّد يبدو على وشك الاكتمال بعد إقرار الدستور وانتخاب أعضاء مجلس نواب الشعب الجديد، ولم يبقَ سوى انتخاب أعضاء الغرفة البرلمانية الثانية، وهي مجلس الجهات والأقاليم، وهو ما يضع حدّاً بصفة تكاد تكون نهائية "لحُلم" حركة النهضة وراشد الغنوشي بإيجاد تسوية سياسية تتيح له أن يجد مخرجاً "مشرفاً" له ولمسيرته السياسية.

واستنتجت الدراسة أنّ الحركة الإسلاموية فشلت في استغلال الأزمة الاقتصادية والاجتماعية لإثارة النقمة ودفع الناس إلى الانتفاضة، وهو ما قد يفسّر مشاعر اليأس والخيبة التي تدفعها إلى الحلول القصوى، ومنها التهديد باللجوء إلى العنف، والتحريض ضد الجيش، على غرار ما صدر منذ أيام عن رفيق عبد السلام صهر الغنوشي.

الدراسة فسّرت خطوة الاعتقال بالتطورات التي يشهدها السودان منذ 15 نيسان (أبريل) الجاري، والمعارك الطاحنة الدائرة هناك، ممّا قد يكون جعل السلطات تتوجس من انفجار وضع مماثل في تونس، لتفادي الأسوأ حتى لا تدخل البلاد في وضع معارك مسلحة بين قوى الشرعية من جيش وأمن وجماعات مسلحة خارجة عن الشرعية، وتسعى لفرض أجندتها السياسية على الدولة.

دلالات الحدث وتداعياته

حدث إيقاف الغنوشي ومنع الاجتماعات بمكاتب حركة النهضة ومقارها ينطوي، بحسب الدراسة، على جملة من الدلالات؛ من أبرزها أنّ هذا الرجل لم يعد يتمتع بما يتردد في بعض الأوساط من حصانة تجعله في منأى عن إيقافه وإيداعه السجن، ولا سيّما أنّه أُبقيَ في حالة سراح في كل القضايا المرفوعة ضده سابقاً، وأنّ خطابه هذه المرة المشحون بنزعة إلى العنف تجعله يقع تحت طائلة القانون.

وقد تكون السلطة الحاكمة أرادت أن تبعث برسالة قوية، مفادُها أنّها لم تعد تسمح بالخطابات التحريضية التي تهدد أمن الدولة واستقرار المجتمع، وأنّه لا أحد مهما يكن شأنه فوق المحاسبة القانونية، وهي رسالة إلى الداخل التونسي وإلى القوى الخارجية تشي بأنّ السلطات قد وطّدت أركان حكمها، وهي تُمسك بإحكام بأجهزة الدولة ومؤسساتها، وأنّها ماضيةٌ في التشبث بسيادتها الوطنية واستقلالية قراراتها.

الدراسة اعتبرت أيضاً أنّ ما حدث للغنوشي قد يكون فتح الباب للفصل الأخير من مسيرة الرجل المثيرة للجدل، بين من يعدُّه من أنصاره زعيماً ذا استراتيجية سياسية ثاقبة ورؤية فكرية مجددة، ومن يعدُّه شخصية منبوذة فاقدة للثقة والمصداقية وتثير الازدراء.

وبخصوص قرار منع الاجتماعات في مقار حركة النهضة، فقد حمّله كاتب الدراسة دلالتين: الأولى سعي السلطات التونسية إلى احتواء ردة فعل عناصر حركة النهضة إزاء ما حدث لزعيمهم، وتجنب أن تكون تلك الاجتماعات تحضيراً لتحركات تثير الفوضى والشغب.

والثانية أن يكون هذا القرار تمهيداً لحلّ الحركة إذا ما اتخذ القضاء التونسي حكماً بإدانة راشد الغنوشي، وهو الممثل القانوني للحركة بوصفه رئيسها، بما يجعل الحركة برمتها مدانة، وهو ما قد يؤدي إلى حلها.

وخلص إلى أنّ وضع الحركة في تراجع بكل الأحوال، إذ أنّها لم تعد قادرة على استنفار عناصرها لمواجهة الإجراءات التي تتخذها الدولة منذ 25 تموز (يوليو) 2021، وفقدت طاقتها على الحشد الشعبي للدفاع عن نفسها وعمّا يلاحق رئيسها من تهم وقضايا، بما يؤكد الهوة السحيقة التي باتت تفصل بينها وبين مختلف فئات المجتمع، فضلاً عمّا تشهده من مشاكل داخلية أدت إلى استقالة العديد من قياداتها.

الباحث التونسي لاحظ أيضاً أنّه، باستثناء حركة النهضة و"جبهة الخلاص" اللتين نددتا بهذه العملية وطالبتا بإطلاق سراحه، فإنّ معظم مكونات الساحة السياسية والاجتماعية من أحزاب ومنظمات لزمت الصمت إلى حدّ الآن، ولم تصدر عنها مواقف إزاء هذا الحدث، في حين أبدت قطاعات أخرى ترحيبها بذلك.

باعتقال الغنوشي ذهبت الدراسة إلى اعتبار أنّ المشروع السياسي للرئيس قيس سعيد يبدو على وشك الاكتمال

 كما لم يصدر إلى حدّ الآن، على صعيد المواقف الإقليمية والدولية، سوى (3)، وهي: المفوضية الأوروبية للشؤون الخارجية التي أصدرت بياناً مفاده أنّها تتابع بقلق شديد التطورات الأخيرة في تونس، وخاصة إيقاف رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، بالإضافة الى تقارير حول إغلاق مقر الحركة. وأعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن قلقه إزاء توقيف الغنوشي، وأنّه سيتحدث إلى السلطات التونسية لينقل لها مخاوفه حيال هذا الحدث، وليقول لها إنّه لا يرى ذلك مناسباً، وأصدر المتحدث الإعلامي لجماعة "الإخوان المسلمين" في صفحة على موقع فيسبوك بياناً يدين فيه اعتقال راشد الغنوشي.

ويبدو، وفق تقدير الدراسة، إيقاف الغنوشي مفتوحاً في مستوى التداعيات على سيناريوهين اثنين: الأوّل أن تستكمل السلطات القضائية التونسية التحقيق معه في هذه القضية وغيرها من القضايا الأخرى المتعلقة به، وتُصدِر أحكامها الباتة فيها في ظروف محاكمة عادلة تُحترم فيها كل الضمانات القانونية، فتدينه فيما يتحمل فيه مسؤولية وتبرئه فيما لا مسؤولية له عليه، وهو ما يسحب البساط إزاء خطاب المظلومية.

وأمّا السيناريو الثاني، فهو أن تتراجع السلطات عن مواصلة مسار المحاكمة بتأثير عوامل داخلية عدة، كإمكانية حدوث اضطرابات، وهو أمر يبدو مستبعَداً في المستقبل.

مواضيع ذات صلة:

لماذا يسعى الاتحاد التونسي للشغل لفتح قنوات حوار مع الحكومة؟

إيقاف الغنوشي.. للإخوان تاريخ طويل من التحريض على أمن الدولة في تونس

انحاز للفئات التونسية الفقيرة... ما تداعيات رفض سعيد لشروط النقد الدولي؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية