انحاز للفئات التونسية الفقيرة... ما تداعيات رفض سعيد لشروط النقد الدولي؟

انحاز للفئات التونسية الفقيرة... ما تداعيات رفض سعيد لشروط النقد الدولي؟

انحاز للفئات التونسية الفقيرة... ما تداعيات رفض سعيد لشروط النقد الدولي؟


10/04/2023

رفع الرئيس التونسي قيس سعيّد شعار "الانحياز إلى الفئات الفقيرة" خلال حملته الانتخابية، وظلّ يدافع عنها طيلة فترة توليه الرئاسة منذ 2019، وقد رفض إجراءات صندوق النقد الدولي التي قال إنّها تزيد من معاناة هذه الفئات، خصوصاً منها تلك المتعلقة برفع الدعم عن المواد الأساسية.

 وبرغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها تونس، وما تبعها من دعوات للتسريع بتوقيع اتفاق صندوق النقد، فقد أكد سعيّد أنّه لا يعارض الإصلاحات، لكنّه يرفض التخلي التام عن الدعم الذي يقدّم للمواد الأساسية، ممّا يؤثر على مستوى عيش الناس، وبالتالي رفض إملاءات النقد الدولي، وتعقيد عملية الحصول على القرض المطلوب، وهو ما أشعل الجدل بتونس خلال اليومين الماضيين.

سعيّد يرفض إملاءات النقد الدولي

في أوضح رفض من الرئيس التونسي قيس سعيّد لإبرام اتفاق مع صندوق النقد، قال في تصريحات الخميس: إنّه يرفض "الإملاءات"، مؤكداً أنّه لن يجازف بتهديد السلم الأهلي في البلاد، في إشارة إلى الاضطرابات التي قد يتسبب فيها تقليص الدعم بشكل حاد تنفيذاً لشروط صندوق النقد.

 وقال الرئيس سعيّد في كلمة على هامش تخليد الذكرى (23) لوفاة الرئيس الحبيب بورقيبة: إنّ "الإملاءات التي تأتي من الخارج وتؤدّي لمزيد من التفقير مرفوضة"، مشيراً إلى أنّ "البديل هو التعويل على أنفسنا".

 ويعارض الرئيس سعيّد بشكل خاص النقطة المتعلقة بخفض الدعم، وبدل ذلك يقترح توجيه الدعم إلى مستحقيه، أو فرض أداءات على المصنعين المستهلكين للمواد المدعمة.

تراجعت سندات العملة الصعبة الصادرة عن تونس بنحو (4.6) سنتات، بعد رفض شروط برنامج صندوق النقد الدولي

 وكانت تونس قد توصّلت إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد بشأن حزمة إنقاذ بقيمة (1.9) مليار دولار، مقابل إصلاحات اقتصادية لا تحظى بتوافق، بما في ذلك خفض دعم المواد الغذائية والطاقة وإصلاح المؤسسات العمومية والتحكم في كتلة الرواتب.

 ويطالب صندوق النقد بضمانات حقيقية لتطبيق حزمة إصلاحات قبل البدء بصرف الشريحة الأولى من القرض؛ منها إلغاء الدعم وتشريع لإعادة هيكلة أكثر من (100) شركة مملوكة للدولة، والتي تحتكر أجزاء كثيرة من الاقتصاد، وخصوصاً تخفيض مصاريف الدولة على الأجور.

أكد سعيّد أنّه لا يعارض الإصلاحات، لكنّه يرفض التخلي التام عن الدعم الذي يقدم للمواد الأساسية، ممّا يؤثر على مستوى عيش الناس

 ويضغط شركاء تونس في الخارج من أجل أن تتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد لمنع انهيار مالي محتمل، في وقت يتدفق فيه المهاجرون بأعداد كبيرة من سواحل البلاد نحو السواحل الإيطالية، خصوصاً أنّ ذلك تزامن مع الجدل الذي أثارته التحذيرات الأوروبية الأخيرة التي ذهبت إلى حدّ القول إنّ تونس لم تعد بعيدة جداً عن الانهيار، وإنّ السبيل الوحيد لتلافي ذلك هو تسريع التوصل إلى اتفاق نهائي بخصوص قرض صندوق النقد الدولي.

 حجم الأزمة

ويعاني التونسيون منذ عام 2011 من أزمة اقتصادية متنامية، والتي تفاقمت بسبب جائحة فيروس كورونا وتداعيات الحرب الأوكرانية، فضلاً عن السياسات الحكومية المعتمدة خلال العقد الأخير، وفساد نظام الإخوان.

 وتعاني البلاد من تضخم عالٍ ومتزايد، وارتفع معدل التضخم في شهر آذار (مارس) الماضي إلى 10.3%، وارتفع في الأغذية الحرة إلى 18.5%، وبشكل عام زاد معدل التضخم بنسبة 0.7% في شهر آذار (مارس) عن شهر شباط (فبراير)، وهو أعلى مستوى منذ (4) عقود.

 ووفقاً لميزانية 2023، تعتزم تونس خفض نفقات الدعم بنسبة 26.4% إلى (8.8) مليارات دينار (2.89 مليار دولار).

 لكن حتى الآن لم ترفع الحكومة أسعار الوقود هذا العام، على عكس ما خطط سابقاً، فيما يبدو أنّه سعي لتجنب الغضب الشعبي.

يعاني التونسيون منذ عام 2011 من أزمة اقتصادية متنامية

 هذا، وتراجعت سندات العملة الصعبة الصادرة عن تونس بنحو (4.6) سنتات، بعد رفض شروط برنامج صندوق النقد الدولي، وأظهرت بيانات تريدويب أنّ الإصدارات التونسية المقوّمة باليورو تعرضت لأكبر انخفاض.

 فقد تراجعت السندات المستحقة في شباط (فبراير) 2024 إلى ما يزيد قليلاً عن (67) سنتاً لليورو، وهو أدنى مستوى منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2022، وهوت السندات التونسية المقومة بالدولار بنحو (3.5) سنتات، لتباع بما يزيد قليلاً عن (50) سنتاً للدولار.

 تداعيات اقتصادية

بعد موقف سعيّد، توقع المحلل الاقتصادي التونسي حسن بالي أن تلجأ بلاده للخيار الأصعب، من أجل إيجاد حل للأزمة الاقتصادية المتفاقمة في البلاد، وهو (نادي باريس) ليساهم في تقديم حلول، ووفق تعبير (بالي) في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، فبلاده لم يتبقَّ أمامها الكثير من الخيارات لحلّ الأزمة الاقتصادية.

 واقترح (بالي) أن تبدأ الحكومة بحزمة إجراءات لتصحيح الأوضاع سريعاً؛ منها تحفيز الاستثمارات الوطنية والأجنبية بإجراءات تعزز الثقة في الاقتصاد التونسي، جنباً إلى جنب مع مراعاة الشأن الاجتماعي، وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين، ومكافحة الفساد.

يعارض سعيّد بشكل خاص النقطة المتعلقة بخفض الدعم، وبدل ذلك يقترح توجيه الدعم إلى مستحقيه، أو فرض أداءات على المصنعين المستهلكين للمواد المدعمة

 

 وقال الخبير الخبير الاقتصادي معز حديدان لموقع "أصوات مغاربية": "ربما يعوّل الرئيس على قانون الصلح الجزائي داخلياً، ويراهن على وقوف الجزائر وإيطاليا إلى جانب تونس للخروج من أزمتها المالية، لكنّني أعتقد أنّ ذلك غير كافٍ على المدى الطويل في اقتصاد بحاجة إلى إصلاحات ضرورية لينتعش ويتعافى مجدداً".

 وأوضح حديدان أنّه في حالة عدم تعبئة تونس لموارد مالية ستكون "معرضة لمخاطر اقتصادية واجتماعية كبرى داخلياً وخارجياً"، لأنّها إذا لم تتمكن من الحصول على تمويلات، فإنّها "لن تكون قادرة على تسديد الديون الخارجية وتوفير ميزانية الدعم اللازمة للمواد التي تستوردها بالعملة الصعبة كالطاقة والحبوب".

 بالمقابل، اعتبر الخبير المالي التونسي محمد صالح الجنّادي أنّ "الرئيس سعيّد محقّ في التمسك بهذا الموقف، لأنّه لا يوجد بديل للتعويض للمواطنين في ظل الركود الاقتصادي القائم وغياب خطط لتجاوز العجز والمديونية".

 وقال الجنّادي في تصريح لصحيفة "العرب": إنّ "دعم المواد الأساسية هو السياسة الاجتماعية التي قامت عليها الدولة بهدف مساعدة الفئات الهشة والضعيفة في ظل محدودية إمكانيات الأفراد والمؤسسات الصغرى والمتوسطة".

وأضاف: "لو قمنا برفع الدعم، فإنّه سيؤدي إلى محرقة اجتماعية، باعتبار ضعف القدرة الشرائية للمواطن وارتفاع نسبة التضخم لتبلغ 10.4%، وهو ما سيزيد من نسبة الفقر في البلاد".

 وأكّد الجنّادي أنّ "ما يطلبه صندوق النقد مقترح غير مدروس اجتماعياً، وإجراء رفع الدعم لا بدّ أن يستند إلى دراسة اجتماعية دقيقة"، معتبراً أنّه "من المفترض أن يساعد الصندوق الدولة التونسية على بعث مشاريع استثمارية داخلية".

 سحب ورقة الدعم من اتحاد الشغل

وفضلاً عن موقفه المبدئي المنحاز للفئات الفقيرة، فإنّ قيس سعيّد بإعلانه معارضة رفع الدعم عن المواد الأساسية يكون قد سحب ورقة مهمة من اتحاد الشغل الذي يتخذ من الموافقة على شروط صندوق النقد، وخاصة في موضوع الدعم، ورقة للمزايدة السياسية ضد الرئيس سعيد وحكومة نجلاء بودن.

 

حتى الآن لم ترفع الحكومة أسعار الوقود هذا العام، على عكس ما خطط سابقاً، فيما يبدو أنّه سعي لتجنب الغضب الشعبي

 

 فقد أبدى اتحاد الشغل وعدد آخر من المتخصصين ومكونات المجتمع المدني مخاوفهم من أن يلحق برنامج الدعم الذي وصفوه بالوحشي أضراراً بالحكومة نفسها قبل الشعب، نظراً إلى أنّ برنامج الإصلاحات سيضر بالاقتصاد، لا سيّما رافعة الاستهلاك التي ستنهار بشكل لافت، مع إمكان تعطل الاستثمار الخاص وسط الارتفاع المتواصل لنسب الفائدة من البنك المركزي، ممّا سيجعل النفاذ إلى القروض البنكية أمراً مكلفاً لرواد المشاريع والمستثمرين.

 وقد حذّر الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي مراراً من تداعيات رفع الدعم، مؤكداً أنّ "عواقب هذه الخطوة ستكون وخيمة"، وهدد باحتلال الشوارع والتظاهر في حال تم ذلك.

 ويثار موضوع رفع الدعم بشكل حاد في تونس، بسبب تأثيره على موازنة البلاد في ظل أزمة اقتصادية ومالية حادة تحتاج فيها إلى التقشف.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية