احتجاجات الأردن: صحوة المجتمع المدني في مواجهة الفساد والإقصاء

الأردن

احتجاجات الأردن: صحوة المجتمع المدني في مواجهة الفساد والإقصاء


03/06/2018

التعليقات التي ركزت على الإضراب الذي دعت إليه النقابات المهنية الأردنية الأربعاء الماضي، ركزت في جلّها على سلمية الاحتجاجات، ومدنية الشعارات، وبروز "قيادات" شابة غير مألوفة، عموماً، تصدت للدفاع عن حقوقها وحقوق مجتمعها في إطار الدفاع عن الوطن في الحصيلة النهائية.

وتعكس الاحتجاجات التي أخذت في بعض وجوهها طابع التحدي، عبر اصطفاف السيارات في الميادين والشوارع العامة، وإغلاق المحال، والتوقف عن العمل، وأحياناً الاشتباك مع قوات الأمن، ملمحاً يُعيد إلى الأذهان محطات سابقة من تاريخ الحراك الأردني الذي شهد انبثاقات مبكرة سبقت، في نظر معلقين، ثورة التونسي محمد البوعزيزي الذي أحرق نفسه، فأشعل المنطقة العربية بربيع جرى اختطافه وعسكرته، فخرج عن مساره، واضطربت رؤيته.

احتجاجات الشارع الأردني كشفت عن يقظة المجتمع المدني بكل قواه الحية بعيداً عن هيمنة الأحزاب والقيادات التقليدية

وما لاحظه المراقبون في الأردن، هو أنّ الحراك الأخير الذي كان مفجِّره القانون المعدل لضريبة الدخل انبثق من النقابات المهنية، لكنه خرج عن سيطرتها؛ حيث اتهم ناشطون النقابات بـ"لعب سياسة" مع الحكومة والبرلمان، والدخول في صفقات، رأوا أنها لا تتناسب مع الغليان الذي يمور تحت الرماد.

الاحتجاجات لا تستهدف الضريبة وحسب

الاحتجاجات التي ما تزال متأججة، وتتجدّد كل ليلة، بعد موعد الإفطار، لا تستهدف وحسب قانون الضريبة، الذي قال رئيس وزراء سابق إنه قد عدّل أكثر من ثماني مرات، بل كان القانون المذكور القشّة التي توشك أن تقصم ظهر البعير، في ظل حالة من اليأس العام من السياسات الاقتصادية للحكومات الأردنية بشكل عام، وليس فقط حكومة هاني الملقي الذي يتوقع مراقبون أن يكون الأضحية المقبلة لنزع فتيل أزمة يُخشى أن تخرج عن السيطرة.

المحتجون الشباب في الميادين العامة في سائر مناطق المملكة يرددون شعارات لها علاقة بالجوع ولقمة الخبر والمستقبل المعتم، وأيضاً يرفعون يافطات تدعو إلى محاكمة المسؤولين والمتورطين في الفساد. كما يهتفون من أجل النزاهة والشفافية والحكم الرشيد، وتلك في مجموعها ما يهجس به الإنسان العربي من الماء إلى الصحراء.

تغيير عام وجذري للسياسات

الحراك الأردني الجديد لم يطفئه قرار التراجع عن رفع أسعار المحرقات الذي أمر الحكومة به الملك عبد الله الثاني، وربما لا يكون مطلب تغيير الحكومة كافياً؛ لأنّ الهدف الذي يتطلع إليه المحتجون هو تغيير عام وجذري للسياسات، وتوريث المناصب، واختطاف الدولة من قبل مجموعة من المستفيدين الذين يتحكمون بقرارات البلاد والعباد، كما يقول ناشطون شباب، أعربوا عن يأسهم مما سموه "تدوير الأزمة" من دون البحث عن حلول جذرية حقيقية ملموسة صارت كما قالوا أشبه بـ"الحلم".

الديْن العام للمملكة بلغ زهاء 38 مليار دولار، وهو يعني أكثر من 95 بالمائة من الناتج الإجمالي

الديْن العام للمملكة بلغ، كما أعلن وزير المالية الأردني عمر ملحس، زهاء 38 مليار دولار، وهو يعني أكثر من 95 بالمائة من الناتج الإجمالي، فيما يطمح برنامج الإصلاح الاقتصادي، الذي وقعه الأردن مع صندوق النقد الدولي ومدته ثلاث سنوات، إلى توليد المزيد من الإيرادات للدولة لخفض الدين العام تدريجياً إلى 77 بالمائة عام 2021.

وصفة صندوق النقد

ويرى صندوق النقد أنّ الوصفة الأمثل لتحصيل عائدات للخزينة يتمثل في فرض الرسوم والضرائب على السلع والخدمات الأساسية لتوفير إيرادات سنوية تناهز المليار دولار سنوياً، وهو ما يعد في نظر ناشطين استنزافاً لجيوب الشعب الذي يعاني من البطالة وازدياد نسبة الفقر وانسداد الآفاق. ويعتقد هؤلاء الناشطون أنّ الإصلاح الاقتصادي الحقيقي له عناوين واضحة: مكافحة الفساد، بلا أية استثناءات، والحاكمية الرشيدة، وإشراك الشعب والقوى الحية في صنع القرار وحمل المسؤولية، والابتعاد عن سياسة التوريث وتوزيع الأعطيات على الأنصار والمقربين الذين يصنفون في خانة "الموالاة"!

الاحتجاجات التي عصفت بالشارع الأردني، كشفت عن يقظة المجتمع المدني بكل قواه الحية، بعيداً عن هيمنة الأحزاب والقيادات التقليدية، فقادت حراكاً واسعاً يبشر بالخير من جهة، لكنه يوحي بالقلق؛ لأنّ هذا الحراك بلا رأس، وبلا رؤية واضحة، وبرنامج إنقاذ، ما يستدعي إمكان أن ينطفئ الحراك، وتخفت حرارته في الأيام المقبلة، إلا إذا جرى التوافق على جعل الحراك مستداماً لا لإقلاق الحكومة وإشغال أجهزة الدولة، بل لمساعدتها في الخروج من عنق الزجاجة.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية