لماذا يسعى الاتحاد التونسي للشغل لفتح قنوات حوار مع الحكومة؟

لماذا يسعى الاتحاد التونسي للشغل تجاه فتح قنوات حوار الحكومة؟

لماذا يسعى الاتحاد التونسي للشغل لفتح قنوات حوار مع الحكومة؟


18/04/2023

استقبل وزير الداخلية التونسي كمال الفقي مساء الخميس 13 نيسان (أبريل) الجاري، بمقر الوزارة، الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدّين الطبوبي.

جاء اللقاء مناسبة عبّر من خلالها نور الدين الطبوبي عن تقديره لكمال الفقي، متمنياً له التوفيق في مهامه الجديدة، كما تمّ التطرق إلى الوضع العام بالبلاد، والتزام وزارة الداخلية بتطبيق القانون في كنف الاحترام التام للحقوق والحريات، بحسب البيان الذي صدر عن وزارة الداخلية.

يأتي اللقاء في سياق سعي الاتحاد التونسي للشغل لتقريب وجهات النظر مع الحكومة على عدة مستويات، خاصّة السياسية والاقتصادية، بالتزامن مع الحراك الدبلوماسي الذي تتبناه الدول الأوروبية في ملف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، والعلاقة المتوترة مع السلطة السياسية، والرئيس قيس سعيّد، على خلفية التصريحات الأخيرة للأمين العام للمنظمة الشغيلة، مطلع الشهر الماضي، ودعوته لمبادرة مع عدة منظمات تونسية.

تطمينات متبادلة

من جانبه، يذهب الكاتب السياسي عدنان البراهمي إلى أنّ استقبال وزير الداخلية للأمين العام للاتحاد التونسي للشغل يأتي في سياق الاهتمام بتقديم تطمينات، بالتزامن مع الاتفاق الوشيك مع صندوق النقد الدولي، حول الحزمة الأولى من القرض، والتأكد من أنّ الاتفاق لن يكون من بين شروطه المضيّ في ضرب القطاع العام، وهو ما أكده الرئيس قيس سعيّد في أكثر من مناسبة؛ وذلك بغاية وهدف رئيسي نحو  تجنب أيّ صدامات يمكن أن تحدث خلال الأشهر القادمة.

وزير الداخلية التونسي كمال الفقي خلال لقاء الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدّين الطبوبي

ويرى البراهمي في إطار تصريحاته لـ "حفريات" أنّ الابتعاد عن الصدام أصبح هدف وغاية الجميع في هذا التوقيت الدقيق، خاصّة بعد أن لوحت قيادة المنظمة الشغيلة بالمضي في تحركات احتجاجية دفاعاً عن المؤسسات العمومية والقدرة الشرائية للمواطن. ويمكن القول إنّ كمال الفقي، النقابي السابق والرجل القوي في منظومة 25 تمّوز (يوليو)، يسعى لإعادة صياغة العلاقة بين المنظمة الشغيلة والسلطة الحالية، بعيداً عن التجاذبات والمماحكات التي شهدها العام الماضي، وذلك ما كان يخدم حركة النهضة وحلفاءها بشكل أو بآخر.

ويؤكد عدنان البراهمي أنّ هذا اللقاء بالذات جاء لوضع النقاط على الحروف، بعد الدور الذي لعبته قيادة المنظمة الشغيلة، والذي تعتبره السلطة سلبياً إزاء المرحلة الدقيقة التي تمر بها البلاد، ولتوجيه رسائل سياسية واضحة من السلطة؛ مفادها أنّ دور الاتحاد العام التونسي للشغل هو دور نقابي بحت، يجب عدم تجاوزه إلى الدور السياسي، الذي يحتكره الرئيس ومؤسسات الدولة ومجلس النواب حديث العهد، وبعض الأحزاب المساندة لا غير.

عدنان البراهمي: استقبال وزير الداخلية للأمين العام للاتحاد التونسي للشغل، يأتي في سياق الاهتمام بتقديم تطمينات، بالتزامن مع الاتفاق الوشيك مع صندوق النقد الدولي

ويختتم البراهمي حديثه لـ "حفريات" بقوله: على أيّ حال، اللقاء الذي جرى في مقر وزارة الداخلية وجمع نور الدين الطبوبي والوزير الجديد كمال الفقي، سيكون له صدى داخل المنظمة الشغيلة، وفي المشهد السياسي بشكل عام، وسوف يحدد ماهية العلاقة بين السلطة والاتحاد العام التونسي للشغل.

ردّ الاتحاد

"حفريات" تواصلت مع الأمين العام المساعد للاتحاد التونسي للشغل سامي الطاهري، الذي أكد أنّ اللقاء، على أهميته، كان ضمن اللقاءات التي تعودنا على عقدها مع المسؤولين الحكوميين، خاصّة مع عدد من الوزراء. لافتاً إلى أنّ اللقاء أثار تساؤلات كثيرة؛ خاصّة في ظل القطيعة شبه الكاملة مع رئاسة الدولة ومع عدد من الوزراء، الذين يمارسون انتهاكات كثيرة في حقّ النقابيين، كوزير الشؤون الدينية، ووزيرة الثقافة، ووزير النقل وغيرهم، بحسب تصريحاته.

عدنان البراهمي: هذا اللقاء بالذات جاء لوضع النقاط على الحروف

الطاهري قال: إنّ الجدل الذي أثاره اللقاء يعود إلى فتور العلاقة مع الحكومة؛ بسبب تنصلها من الاتفاقيات التي وقعت عليها، ولسعيها نحو ضرب الحوار الاجتماعي، كما أنّ أنصار الرئيس الذين تمّت برمجتهم على التهجّم على الاتحاد، تفاجؤوا باللقاء مع وزير الداخلية، الذي يُعدّ أقرب وزراء الحكومة إلى رئيس الدولة. علاوة على ذلك فإنّ أغلبية الأطياف ستقرأ اللقاء على أنّه اختراق للعزلة القائمة بين السلطة والمعارضة، وخاصّة جبهة الخلاص التي تأمل دوماً الإبقاء على التوتّر بين الاتحاد العام التونسي للشغل والسلطة؛ ليكون ذلك منفذاً للتصعيد.

ويختتم الأمين العام المساعد سامي الطاهري تصريحاته لـ "حفريات"؛ لافتاً إلى أنّ اللقاء تمّ عادياً، وشمل تبادل وجهات النظر حول الوضع العام، وحول احترام الحريات وتطبيق القانون، وكانت فرصة للتأكيد من قبل الأمين العام نور الدين الطبوبي على وجوب التعاون لفضّ العديد من الإشكاليات المتعلّقة بالسير العادي للنشاط النقابي الذي يلاقي بعض العراقيل من قبل دوائر حكومية بعينها.

مبادرة الاتحاد تصطدم بالسلطة التنفيذية

أطلق اتحاد الشغل أواخر كانون الأول (ديسمبر) الماضي مبادرة "حوار وطني" مع عدد من مكونات المجتمع المدني؛ للخروج من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد.

ويشارك الاتحاد في مبادرته كل من الهيئة الوطنية للمحامين، ومنتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والرابطة التونسية لحقوق الإنسان، وقد جدد الرئيس قيس سعيّد رفضه للمبادرة، قائلاً: إنّ البرلمان موجود ومنوط به الحوار والمقاربات السياسية.

سامي الطاهري: اللقاء على أهميته، كان ضمن اللقاءات التي تعودنا على عقدها مع المسؤولين الحكوميين

ومن جهته، انتقد رئيس البرلمان التونسي إبراهيم بودربالة دعوات المضي في مبادرة الحوار الوطني التي أطلقها عدد من المنظمات الوطنية، في مقدمتها الاتحاد العام التونسي للشغل، قائلاً إنّها منقوصة، وتقصي الدولة ممثلة في الحكومة.

وأضاف بودربالة في حوار بث الخميس الماضي، عبر إذاعة (الديوان إف إم) المحلية، أنّ البرلمان يعوّض مبادرة الحوار الوطني؛ لأنّه مؤسسة دستورية منتخبة من طرف الشعب. مشدداً على أنّ الحوار الجدّي يكون بين المجلس التشريعي ومجلس الجهات والأقاليم، الذي يعوّل عليه التونسيون لتحقيق التنمية. وأضاف: "إنّ مبادرة الحوار منقوصة؛ لأنّها جاءت من طرف واحد، خاصّة أنّ المنظمة العمالية هي من تقود قاطرة المطالبة بتلك المبادرة، إضافة إلى عمادة المحامين، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان".

وشدّد بودربالة على أنّ المبادرة لا تمثل إلّا طيفاً واحداً من المجتمع المدني، وتقصي الدولة، ومنظمات وطنية أخرى، "على غرار الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، والاتحاد النسائي".

 الأمين العام المساعد سامي الطاهري: اللقاء تمّ عادياً، وشمل  تبادل وجهات النظر حول الوضع العام

من جهتها، أشارت الكاتبة الصحفية التونسية آسيا العتروس إلى أنّ الزيارة التي قام بها نور الدين الطبوبي كانت لافتة، وباتت حديث الساعة، وذلك لعدة أسباب؛ من أهمها المفاجأة لكافة المتابعين، خاصّة أنّه لم يتم الإعلان عن اللقاء، ولم يكن مشفوعاً بأيّ تصريحات تكشف عن مضمونه، واكتفت الوزارة ببيان مقتضب عن الزيارة فقط.

وترجع آسيا العتروس، في سياق حديثها لـ "حفريات"، ذلك إلى أنّ الزيارة جاءت على خلفية المشاورات التي دارت حول الحوار الوطني، خاصّة بعد تصريحات رئيس الجمهورية أثناء إحياء ذكرى الرئيس المؤسس الحبيب بورقيبة، حين قال: إنّ أيّ حوار سيكون تحت قبة البرلمان، مستبقاً بذلك مبادرة اتحاد الشغل والمنظمات المشاركة لإنهاء الأزمة. فضلاً عن تصريحات الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، عبر شاشة الجزيرة، عندما أشار إلى وجود حوار تونسي/تونسي، وأنّ بلاده على استعداد للقيام بدور الوساطة بين المنظمة والحكومة.

آسيا العتروس: وزير الداخلية كمال الفقي، الذي كان والي تونس، هو نقابي سابق، وهو أيضاً من المقربين من رئيس الجمهورية، ومن المدافعين عن مسار 25 تمّوز 

وتلفت الكاتبة آسيا العتروس إلى أنّ وزير الداخلية كمال الفقي، الذي كان والي تونس، هو نقابي سابق، وهو أيضاً من المقربين من رئيس الجمهورية، ومن المدافعين عن مسار 25 تمّوز (يوليو)؛ وبالتالي فإنّ حضوره في الحكومة التنفيذية، ولقاءه بممثل قلعة نور الدين الطبوبي يعني في تقديرها الخاص أنّ هناك مساعي لإذابة الجليد مع السلطة، خاصّة أنّ المنظمة الشغيلة تسعى لكشف مبادرتها بعد نهاية عطلة العيد.

نحو تطبيع العلاقات مع الدولة

من جانبه، يرى الكاتب التونسي باسل الترجمان أنّ زيارة الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل إلى وزير الداخلية الجديد كمال الفقي، جاءت بطلب من الأول؛ لتهنئة وزير الداخلية بالمنصب، ومحاولة منه لتعديل الاتجاهات؛ خاصّة بعد جملة من التصريحات السلبية التي صدرت عن الطبوبي يوم 4 آذار (مارس) الفائت، في اجتماع شعبي عقده مع أنصار الاتحاد، طالب فيها بالإفراج عن الموقوفين على ذمة  قضايا التآمر ضد أمن الدولة، وقدم لهم الدعم، في إشارة إلى أنّ القضية سياسية.

ويواصل الترجمان تصريحاته لـ "حفريات" مؤكداً أنّ الطبوبي يريد من خلال هذه الزيارة تعديل هذه التصريحات، والسعي لفتح قناة حوار، وصفحة جديدة، خاصّة أنّ العلاقة اليوم بين قيادة الاتحاد وبين الحكومة ورئيس الجمهورية منعدمة تماماً جراء التصريحات الأخيرة، ورفض مبادرة المنظمة للحوار. مؤكداً أنّ مواقف رئيس المنظمة الشغيلة من الأحداث الأخيرة، وتصريحاته التي أدلى بها مطلع الشهر الماضي، وبعض المواقف التي لم يفهمها الشارع التونسي، جراء هذا الاصطفاف السياسي الذي اختاره الأمين العام ومن معه، مع حركة النهضة وجبهة الخلاص، في مواجهة الرئيس قيس سعيّد، وضعته في حيز الجهة الضعيفة والمعزولة عن الأحداث.

توافق في الرؤى حول شروط صندوق النقد

الأسبوع الماضي، عبّر الرئيس التونسي قيس سعيّد عن رفض ما وصفه بشروط صندوق النقد وإملاءاته، فقد قدّمت تونس ملفاً للحصول على تمويل من المؤسسة الدولية، بينما طلبت الأخيرة تنفيذ إصلاحات اقتصادية تتعلق بالدعم والضرائب والمؤسسات العامة، وهي الشروط التي وصفها الرئيس بأنّها ستؤدي إلى إفقار الشعب، وتهدد السلم الاجتماعي، ورفضها في تصريحات رسمية.

آسيا العتروس: الزيارة التي قام بها نور الدين الطبوبي كانت لافتة، وباتت حديث الساعة

من جانبه، صرّح مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بصندوق النقد الدولي جهاد أزعور، لوكالة الأنباء التونسية، أنّ ملف المفاوضات مع تونس لم يشهد أيّ جديد، وأكد أنّ الصندوق لم يتلقَّ طلباً من السلطات التونسية لإعادة النظر في برنامج إصلاحاتها الاقتصادية. وكان صندوق النقد قد أرجأ في كانون الأول (ديسمبر) الماضي اجتماع مجلس إدارته بشأن برنامج قروض لتونس؛ بهدف منحها مزيداً من الوقت للانتهاء منه. وفي مؤتمر صحفي بواشنطن، حيث يعقد صندوق النقد والبنك الدولي اجتماعات الربيع، أكد أزعور أنّ "الصندوق لم يفرض أيّ إملاءات".

باسل الترجمان: المنظمة الشغيلة معنية اليوم بدرجة كبيرة بمسألة الأزمة العميقة التي تعاني منها، خاصّة فيما يرتبط  بمصداقية وشرعية المكتب التنفيذي وأمينه العام

من جهتها، أكدت فرنسا الخميس الماضي أنّ إنجاز برنامج المساعدة بين صندوق النقد الدولي وتونس يمثل "أولوية" لها، وقد وصلت المحادثات بين الطرفين إلى طريق مسدودة. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الفرنسية آن كلير لوجاندر خلال مؤتمر صحفي: إنّ "السلطات التونسية تعلم أنّ بإمكانها الاعتماد على الدعم الفرنسي والأوروبي لمواكبة عملية الإصلاحات الضرورية؛ لوضع اللمسات الأخيرة على هذا الاتفاق". وأعربت باريس مراراً عن "دعمها الثابت للشعب التونسي".

ويعلّق باسل الترجمان على مشهد المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وموقف الرئيس قيس سعيّد من شروط الصندوق، قائلاً: إنّ الاتحاد  التونسي للشغل كان ينبغي عليه دعم تصريحات الرئيس، وأن يبدو موقفه في حالة من التناغم مع هذا الموقف، الذي يعبّر عمّا دعا إليه الاتحاد أكثر من مرّة، بيد أنّ قيادات الاتحاد لها رؤية سياسية مغايرة، إذ اعتبرت أنّها خسرت رهانها على تقاسم الحكم والسلطة، بعد إجراءات  25 تمّوز (يوليو) 2021، ولم يعد الاتحاد قادراً على العودة إلى عمله النقابي، وما زال يصر على ارتداء العباءة السياسية.

أمّا بخصوص موقف الزيارة من مناقشة الإضرابات الذي كان ينوي الاتحاد تنظيمها، فيذهب باسل الترجمان نحو التأكيد على أنّه لا يوجد طرف في الحكومة معنيّ بالتصعيد مع الاتحاد أو مع غيره، وكذا الإضرابات التي كان يدعو إليها الاتحاد، كانت في أغلبها ذات خلفيات سياسية وليست نقابية، وبالتالي الوزير ليس معنياً بذلك.

باسل الترجمان: لا يوجد طرف في الحكومة معنيّ بالتصعيد مع الاتحاد أو مع غيره

ويلفت الترجمان إلى أنّ المنظمة الشغيلة معنية اليوم بدرجة كبيرة بمسألة الأزمة العميقة التي تعاني منها، خاصّة فيما يرتبط بمصداقية وشرعية المكتب التنفيذي وأمينه العام، الذي تعتبره الكثير من القواعد النقابية قد تلاعب بالقانون الداخلي من أجل أن يبقى أميناً عاماً، وكذا ما يتصل بمستوى الاصطفاف السياسي مع حركة النهضة وجبهة الخلاص، والذي يلقى معارضة كبيرة جداً داخل أوساط الاتحاد، كما أنّ وزير الداخلية ليس معنياً بملف التعاطي مع الاتحاد العام التونسي للشغل، والحوار والنقاش معه، فهذه مسؤولية رئيسة الحكومة ووزارة الشؤون الاجتماعية بدرجة أساسية، ولكنّ اللقاء كان بطلب من الأمين العام؛ لمحاولة فتح ولو قناة صغيرة، بعد أن عطلت تصريحاته وتصريحات قيادات الاتحاد كل قنوات الحوار والتواصل مع الحكومة.

 

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية