
محمد حسان
تشهد منطقة البحر الأحمر ومضيق باب المندب، تهديدات عسكرية وأمنية عدة تزايدت مع تداعيات الحرب الإسرائيلية في غزة، وانخراط جماعة الحوثي في مسار التصعيد الذي تشهده المنطقة، كجزء من المحور الإيراني المساند لحركة “حماس” و “حزب الله”، وما تبع ذلك من أعمال عسكرية.
الحرب المستمرة ساهمت في تزايد أنشطة الجهات المسلّحة غير الحكومية، وبدء تنامي علاقات تعاونية في ما بينها، على قاعدة المصالح المشتركة، وكان المثال الأبرز في هذا الإطار هو جماعة الحوثي في اليمن وعلاقاتها المتنامية بكل من “تنظيم القاعدة” في اليمن المعروف باسم “قاعدة الجزيرة العربية”، وكذلك بحركة “الشباب المجاهدين” الصومالية، التي تتبع تنظيم “القاعدة” منذ عام 2012.
تشير تقديرات الاستخبارات الأميركية إلى وجود تعاون متنامٍ بين الطرفين، وأن توافقاً مصلحياً قد يجعل الأمور أسوأ في كل من الصومال والبحر الأحمر وخليج عدن، حيث يشن الحوثيون هجمات مُنظمة على السفن التجارية والأصول العسكرية الإسرائيلية والأميركية منذ بدء الحرب في غزة.
حركة شباب الهدف الحالي لإيران
على مر السنوات الماضية، أبدت طهران اهتماماً بالوجود في البحر الأحمر وخليج عدن، ومع اندلاع الحرب في غزة، وظّفت طهران تلك الحرب لخدمة مصالحها ووكلائها، وذلك من خلال تزويد الحوثيين بالقوارب المفخخة، والألغام البحرية، كما أشارت بعض المصادر إلى أن قادة ومستشارين من الحرس الثوري الإيراني يقدمون البيانات والمعلومات الاستخباراتية لمساعدة الحوثيين في استهداف السفن في البحر الأحمر.
بالتزامن مع استمرار الهجمات الحوثية، صرح اللواء يحيى رحيم صفوي، أحد كبار المستشارين العسكريين للمرشد الأعلى الإيراني في آذار/ مارس الماضي، “أن القوات البحرية والجوية التابعة للحرس الثوري الإسلامي يجب أن تركز على البحر الأحمر والبحر المتوسط”، ووصف صفوي البحرين بأنهما “جزء من العمق الاستراتيجي لإيران”.
بناء على ما سبق، ترى طهران في وجود موطئ قدم لها في أهم الممرات الدولية، تهديداً لطرق التجارة العالمية، ما يُعد ورقة ضغط يمكنها استخدامها في مفاوضاتها مع القوى الدولية، لا سيما في ما يتعلق بالاتفاق النووي الإيراني، إذ إن التعاون بين الحوثيين وحركة “الشباب” برعاية إيرانية، يمكّن طهران من السيطرة على باب المندب من الجانبين، كما يسمح لها بتوفير التدريب اللازم للقراصنة الصوماليين، مع تزويدهم بالمعلومات اللازمة لشن هجمات خارج منطقة خليج عدن وغرب المحيط الهندي، بجانب الهجمات الحوثية.
من غير الواضح ما إذا كان الحوثيون سيتوقفون عن مهاجمة السفن المارة في البحر الأحمر من دون التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة، ولذلك تهدف الجماعة الى التواصل مع حركة الشباب، كونها تابعة لتنظيم “القاعدة”، المعروف بخبراته القتالية النوعية وقدرته على تنفيذ عمليات انتحارية، وهو ما يفتقر إليه الحوثيون.
إضافة إلى ذلك، إذا ما انتهت حرب غزة، تريد جماعة الحوثي أن تحافظ على الزخم الذي اكتسبته من خطابها المناهض لإسرائيل، وذلك بعد تراجع شعبيتها في الأوساط اليمنية، وعليه قد ترغب في بناء علاقات مع حركة “الشباب”، على الرغم من اختلافهما أيديولوجياً، حتى تتمكن من إعادة التموضع من مجرد جهة فاعلة محلية إلى جهة فاعلة إقليمية، قادرة على تهديد مصالح القوى الغربية، لا سيما الولايات المتحدة، الحليف الاستراتيجي الأول لإسرائيل.
الصحافي الصومالي الشافعي أبتدون، قال لـ”درج”: “من شأن التوصل إلى صفقة مع حركة الشباب أن تمكّن الحوثيون من الحصول على رأس مال لتمويل الأنشطة العسكرية للجماعة، لا سيما في ظل تعقب الولايات المتحدة وحلفائها الأموال، التي تصلهم، إذ تمتلك حركة الشباب الأصول المالية اللازمة لذلك، فوفقاً لوزارة الخزانة الأميركية، تحصل الحركة على أكثر من مئة مليون دولار سنوياً من خلال مصادر تمويل متعددة، من قبيل ابتزاز الشركات والأفراد في الداخل، والضرائب، ورسوم الطرق، والتجارة غير المشروعة هذا إلى جانب العدد الهائل من الكيانات التجارية التابعة لحركة الشباب”.
وفي حال أُبرمت صفقة بين حركة الشباب وبين الحوثيين، يرى أبتدون أن “حركة الشباب ستستفيد من الوصول إلى مصدر جديد للأسلحة، وتأمين خطوط إمدادها القادمة من اليمن عبر الحوثي، وذلك بعد خسارتها منافذ بحرية مطلّة على المحيط الهندي مطلع عام 2023، تحديداً بعدما فقدت السيطرة على مدن ساحلية في إقليم جلمدغ، بعد تزايُد الضغط العسكري عليها من الحكومة الصومالية. هذا بالإضافة إلى تراجُع نفوذها العسكري في منطقة بونتلاند، تحديداً جبال (علي مسكات) على حساب تنظيم داعش الذي توسَّع في هذه المنطقة. وأهم ما تسعى إليه الحركة بهذا التقارب، الحصول على الطائرات من دون طيار والصواريخ المتوسطة، فهي حالياً لا تملك سوى الصواريخ قصيرة المدى وقذائف الهاون والعبوات الناسفة محلية الصنع، التي استخدمتها ضد الحكومة الصومالية”.
هدف الحركة في توفير خطوط الإمداد والتسليح، يأتي مع رغبة منها في استعادة الزخم حولها مجدداً، إذ تجد في المناخ المضطرب الذي تشهده منطقة القرن الأفريقي الآن، متمثلاً في التوترات بين الصومال وإثيوبيا من ناحية، والهجمات الحوثية على البحر الأحمر من ناحية أخرى، مجالاً حيوياً لتوسيع نشاطها وعملياتها في المنطقة، بما يعزز دورها، باعتبارها فاعلاً إقليمياً قادراً على زعزعة استقرار المنطقة، وهو ما بدوره يثقل مكانتها على الساحة العالمية.
إيران الراعي للتقارب
مناقشة العلاقة المصلحية المتنامية بين حركة “شباب المجاهدين” الصومالية وبين الحوثيين، يجب وضعها في الإطار العام الخاص بعلاقات الحوثيين بتنظيم “القاعدة”، وأبعاد الرعاية الإيرانية للتقارب بين الطرفين في السنوات الأخيرة. في هذا السياق، لا ينبغي إغفال أن تنظيم القاعدة في اليمن المعروف بـ “قاعدة الجزيرة العربية”، بات حالياً الفرع الأقوى للتنظيم في منطقة الشرق الأوسط، ما زاد من أهمية التقارب بين الطرفين، تحت مبدأ تحقيق المصالح المشتركة، بما يتجاوز الاعتبارات الأيديولوجية التقليدية التي كانت تحكم العلاقات بين الطرفين على مدار سنوات.
إيران كانت هي الفاعل الأهم في السنوات الأخيرة على مستوى التقريب بين الحوثيين وبين الفرع اليمني لتنظيم القاعدة، وقد بدأت في هذا المسار منذ العام 2015، عندما عقدت مباحثات سرية مع تنظيم “القاعدة” للإفراج عن بعض الأسرى لديه، ومن بينهم دبلوماسي إيراني، مقابل إفراجها عن 5 سجناء بارزين في التنظيم محتجزين لديها.
في العام 2016، توسّطت طهران بين الحوثيين و”القاعدة” لعقد مجموعة كبيرة من صفقات تبادل الأسرى، في محافظة البيضاء جنوب شرقي صنعاء، وفي مدينة المكلا في محافظة حضرموت، واستمرت هذه الوساطة الإيرانية بين الجانبين حتى اليوم.
الوساطة الإيرانية بين الحوثيين و”القاعدة” في اليمن، تستند إلى مجموعة من الاعتبارات: أولها، السيطرة الكبيرة لإيران عملياً على الزعيم الحالي لتنظيم “القاعدة” محمد صلاح زيدان المكنى بـ “سيف العدل”، الذي يُقال إنه موجود في إيران، وثانيها أن قيادة تنظيم “القاعدة” المركزية انتقلت عملياً إلى إيران، عقب مقتل أيمن الظواهري إثر غارة أميركية في أفغانستان في آب/ أغسطس 2022، وثالثها أن التوجهات الأيديولوجية والعملياتية لزعيم “القاعدة” الحالي في اليمن سعد العولقي، أكثر ميلاً إلى تجاوز الخلافات الأيديولوجية مع الفصائل الموالية لإيران، والتقارب معها على قاعدة خوض حرب استنزاف ضد الحضور والمصالح الغربية، ما يعني عملياً أن هناك تغيرات عملياتية وأيديولوجية جعلت “قاعدة اليمن” وحركة “الشباب” أقرب الى ما يُعرف بمحور المقاومة، ورابعها أن إيران سعت منذ بدأت علاقاتها مع “القاعدة” منذ نهاية التسعينات، الى تحييد خطر التنظيم عنها، وتوجيهه ضد مصالح الأطراف المعادية لها.
عوامل ومتغيرات شهدتها السنوات الأخيرة في اليمن، دفعت إيران وساعدتها باتجاه تنمية المشتركات والأهداف بين “القاعدة” من جانب، وحليفها الحوثي من جانب آخر، أولها: أن البنية الهيكلية للمجلس الرئاسي اليمني الذي تشكّل في 2022، كانت قائمة بشكل رئيسي على أكثر السياسيين اليمنيين انخراطاً في مجال القضاء على الحوثي ومكافحة الإرهاب، وهما الرئيس رشاد العليمي ونائبه عيدروس الزبيدي، وثانيها: أن المناطق المحررة التابعة للحكومة الشرعية ومناطق سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي، تمثّل أهدافاً مشتركة بالنسبة الى الجانبين، وثالثها: أن مواجهة الحضور والمصالح الغربية في اليمن والمنطقة بشكل عام، تمثّل أحد المشتركات الرئيسية للجانبين. فمن جانب يعدّ المحور الغربي العدو الرئيسي لتنظيم “القاعدة” تاريخياً، ومن جانب آخر يمثل هذا المحور حالياً العدو الرئيسي للفصائل الموالية لإيران، وعلى رأسها الحوثيون.
أثر التقارب
يمكن قياس أثر التقارب بين الحوثي و”القاعدة” في اليمن من خلال تزايد الهجمات العسكرية، إذ قاربت هجمات “القاعدة” في اليمن منذ أواخر العام 2022، وحتى شهر تشرين الأول/ أكتوبر الحالي 160 هجمة، كان منها الهجوم العنيف الذي شنه التنظيم ضد تمركز عسكري للمجلس الانتقالي الجنوبي في محافظة أبين في 17 آب/ أغسطس الماضي. وركزت هجمات “القاعدة” بشكل رئيسي على استهداف قوات الشرعية وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي، بالتزامن مع توقف شبه تام لهجماته تجاه الحوثيين.
وكانت تقارير ذكرت أن خالد باطرفي التقى بمجموعة من القيادات العسكرية للتنظيم في اليمن في كانون الثاني/ يناير 2023، وركز اللقاء على “ضرورة تكثيف العمليات في شبوة وأبين وحضرموت وعدن ضد المجلس الانتقالي الجنوبي، مع توجيه القيادات بعدم العمل في مناطق سيطرة الحوثيين”. لوحظ أيضاً أن التنظيم كان مدعوماً بقدرات عسكرية وتسليحية نوعية، بما في ذلك إدخال الطائرات المسيرة إلى منظومة عملياته وعتاده العسكري.
تُفهم من هذه المؤشرات مجموعة من الدلالات المهمة، أولها: أن أحد انعكاسات التقارب الحوثي مع “قاعدة اليمن”، تمثّل في تنامي القدرات التسليحية والعسكرية لتنظيم “القاعدة”، بدليل رصد استخدامه طائرات مسيرة إيرانية الصنع في عملياته الأخيرة.
ثانيها، التنظيم شن حملات كبيرة لتجنيد مقاتلين جدد خصوصاً من القبائل العربية الموجودة في الجنوب اليمني، بل إنه دعا حزب “الإصلاح” الإخواني في أكثر من مناسبة إلى التحالف معه، وترك معسكر الشرعية.
ثالثها: لجأ “القاعدة”، في مواجهة أزماته الداخلية الكبيرة خصوصاً عقب خسارة قيادات الصف الأول كافة، وتراجع التمويل والدعم، إثر الضعف العام للتنظيم الأم، وكذلك تراجع القدرات العسكرية، إلى التحالف البراغماتي مع الحوثيين، ما تُرجم عملياً في الحصول على تقنيات خاصة بالمتفجرات، فضلاً عن الطائرات المسيرة والأسلحة الأخرى.
رابعها، أعاد “التنظيم” بناء صفوفه وتنظيمها، وتتحدث بعض الدوائر اليمنية عن تعيين القيادي أسامة الدياني كمسؤول عن التواصل والتنسيق مع الحوثيين، والحصول على الطائرات المسيرة، إلى جانب اختيار “ابن المدني”، وهي الكنية التي تُطلق على ابن سيف العدل، كمسؤول عن العمليات الخارجية للتنظيم سواء ضد المصالح الغربية أو ضد التحالف العربي.
دلالات التقارب بين الطرفين
كان لافتاً أيضاً في الخطاب الإعلامي لـ”القاعدة” في الجزيرة العربية، أنه شهد تحوّلات كبيرة وجذرية على مستوى التعامل مع الحوثيين، وذلك على أكثر من مستوى، أولها: تراجع تقييم تهديد الحوثيين بالنسبة الى التنظيم على حساب صعود الخطاب المناهض للإمبريالية والدول الغربية، وثانيها: التراجع عن وصف “الحوثيين” بالأوصاف التكفيرية التقليدية. وثالثها: عدم التعرض لهجمات الحوثيين في البحر الأحمر، بل الإشادة بها في بعض الأحيان، وهو خطاب مغاير تماماً لنهج التنظيم الإعلامي التقليدي تجاه الحوثيين.
الحديث عن تنامي العلاقات بين كل من الحوثيين و”القاعدة” في اليمن وحركة “الشباب” في الصومال، يأتي في إطار تعاظم دور الفاعلين المسلحين غير الحكوميين في المشهد الإقليمي، بما يدفع باتجاه تداعيات سلبية كثيرة: إضفاء المزيد من التحديات على منظومة الأمن الإقليمي، تهديد الأمن البحري وخصوصاً في منطقة البحر الأحمر، وزيادة الصعوبات التي تواجهها مساعي التسوية السلمية والسياسية الشاملة للأزمات في بعض دول المنطقة.
درج