إلى أين تتجه المواجهة بين إسرائيل وحماس وحزب الله؟

إلى أين تتجه المواجهة بين إسرائيل وحماس وحزب الله؟

إلى أين تتجه المواجهة بين إسرائيل وحماس وحزب الله؟


18/03/2024

طارق العليان

يرى هلال خشّان، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية في بيروت، أن هجوم حماس على إسرائيل في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي كان يتحدَّى المنطق. فبعد عقود من الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين، كان يمكن لأي طرف عقلاني أن يتوقع بسهولة ردة فعل إسرائيل الكاسحة على هذا الهجوم.

يجد حزب الله نفسه محاصراً

ليس لدى إسرائيل خطة واضحة لما بعد الحرب

وكان ينبغي لحماس أن تستوعب أنها لا يمكن أن تعوِّل على دعم الدول العربية لها لأن أغلبها سيسرّه القضاء عليها.

وكان "حزب الله" من بين الحلفاء القلائل الذين أبدوا استعداداً لمد يد المساعدة العسكرية. ورغم ذلك، لم تكن استجابته الواهنة كافية لتخفيف الضغط عن حماس، ولم تسفر إلا عن إثارة حفيظة إسرائيل أكثر، إذ أجبرت المدنيين الإسرائيليين على مغادرة المنطقة الحدودية الفاصلة بين إسرائيل ولبنان. وتدرك حماس وحزب الله أن يوم الحساب قادم لا محالة.

هجوم حماس الانتحاري

وأشار الكاتب إلى أن إسرائيل قدمت مقترحاً لحماس عبر طرف ثالث قبل سنوات بوقف إطلاق نار طويل الأمد وإنهاء الحصار على غزة، كما قدمت حوافز اقتصادية، بما في ذلك توفير المياه والكهرباء، وأغرتها حتى بدفعات نقدية. لكنَّ حماس رفضت الاقتراح، رغم الظروف الاقتصادية القاسية التي يعيشها سكان غزة، بما في ذلك معدل البطالة بين الشباب الذي تجاوز 60%.

وبعد هجوم حماس الأخير، أعرب أحد أعضاء المكتب السياسي للحركة عن استغرابه من موقف السلطة الفلسطينية تجاه مأساة غزة، معتبراً أنها لا تبالي بالأزمة على نحو مخجل. وعبَّرَ أيضاً عن خيبة أمله في العمليات الحدودية الرمزية لحزب الله على مواقع إسرائيلية، قائلاً إنه كان يتوقع المزيد من حزب الله.

ولكن، نظراً لأن حزب الله لم يمد يد المساعدة للفصائل الفلسطينية في حروبها السابقة مع إسرائيل منذ عام 2008، فإنه من المدهش، برأي الكاتب، أن تتوقع حماس أن يقدم أكثر من ذلك.

حرب غزة ستفضي إلى كارثة إنسانية

وبالنسبة للفلسطينيين، لا شك في أن حرب غزة ستفضي إلى كارثة إنسانية. وقال وزير الدفاع الإسرائيلي السابق بيني غانتس إن حماس أمام خيارين إذا كانت تهتم حقاً بالمدنيين الفلسطينيين: إما الاستسلام وإما إطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين. ووفقاً لغانتس، إذا لم تفعل ذلك، فستواصل إسرائيل عملياتها في جميع أنحاء غزة، بما في ذلك في رفح الواقعة أقصى جنوب القطاع.

وتدرك حماس وقادتها غضب فلسطينيين في غزة يلومونها على معاناتهم وتجاهلها عواقب هجومها على إسرائيل.

ورأى الكاتب في مقاله بموقع "جيوبوليتيكال فيوتشرز" أن حماس اليوم باتت في مأزق. ولا يمكن لجناحها العسكري أن يستمر في التصرف برعونة، ويجب أن يعترف بأنه اقترف خطأ فادحاً بعدم استباقه ردة فعل إسرائيل. لكن في كلتا الحالتين، فإن مصيرها محسوم، إذ من المتوقع أن يتم القضاء عليها، وينشق عنها جناح أكثر راديكالية وثورية.

سوء تقدير حزب الله للأمور

في الوقت ذاته، يجد حزب الله نفسه محاصراً بين المطالب الإسرائيلية بالانسحاب إلى الشمال من الحدود ودعوات الجماعات اللبنانية لنزع سلاحه. وهو يواجه الآن أزمة وجودية وسط تصاعد الضغوط السياسية من الداخل والانتقام الإسرائيلي في سوريا وجنوب لبنان.

ويكرر حزب الله الخطأ الذي اقترفه في عام 2006 عندما قرر الإغارة على شمال إسرائيل واختطاف القوات الإسرائيلية لصرف الانتباه عن الضغوط المحلية الرامية إلى نزع سلاحه. وهذه المرة، يواجه حزب الله أزمة سياسية عميقة في لبنان ولا يمكنه ضمان انتخاب رئيس صديق. وتضغط الجماعات المسيحية على حزب الله لنزع سلاحه، مهددةً بإضفاء الطابع الفيدرالي على الدولة إذا لم يتعاون. وقرر حزب الله بدلاً من ذلك الانخراط في دعمه الفاتر لحماس على افتراض أن الانتقام الإسرائيلي سيكون متواضعاً.

وذكر الكاتب بأن "حزب الله" خرج إلى النور في خضم الحروب، ولا يمكنه العمل خارج ظروف شبيهة بالحرب. وكان تحوُّل حزب الله من جماعة مسلحة إلى كيان سياسي مهيمن في لبنان تحدياً هائلاً للجماعة.

وقال الكاتب إن أكبر عقبة تواجه حزب الله هي عجزه عن تحمل الضغوط الوجودية من جميع الاتجاهات، خاصة بعد أن قرر فتح جبهة أخرى ضد إسرائيل دعماً لحماس. ونظراً لسرعة التغيرات الإقليمية والمحلية، لن تنتهي أزمة حزب الله.

ولفت إلى أن التحولات الدراماتيكية في المنطقة وخطط غزة ما بعد الحرب ستلقي بظلالها على مستقبل الحزب. ويواصل حزب الله محاولة إقناع عموم اللبنانيين، وخاصة الشيعة، بأن الكفة تميل صوبه في مواجهته مع إسرائيل. ورغم ذلك، يدرك حسن نصر الله أن هذه السردية لا تتماشى مع الواقع، فالفجوة العسكرية بين مجموعته وإسرائيل أعمق من أي وقت مضى.

ويخشى حزب الله اندلاع حرب شاملة مع إسرائيل ويبذل قصارى جهده ليتفاداها. لكنه يفتقر إلى شجاعة وضع حد لهجماته على شمال إسرائيل، رغم أنه ليس لها أثر على العمليات الإسرائيلية في غزة.

مأزق إسرائيل

ونظرت إسرائيل في البداية إلى حماس وحزب الله على أنهما مصدر إزعاج في أسوأ الحالات، ومصدر إلهاء يساعد على تعزيز التضامن الإسرائيلي وسط الانقسامات السياسية المزمنة في أفضل الأحوال.

غير أن الغارة القاتلة التي شنها حزب الله وعجلت بحرب لبنان عام 2006 وهجوم حماس في أكتوبر(تشرين الأول) الماضي غيرا نظرة إسرائيل إلى الجماعتين. فهي الآن تعدُّهما تهديدين وجوديين. إن حاجة إسرائيل إلى أن تكون متأهبة للقتال على عدة جبهات وتعاقب أحيت قضية التجنيد الإجباري المثيرة للجدل والانقسامات.

هناك جدل متزايد حول قرار حكومي صدر صيف العام الماضي يُلزم الجيش الإسرائيلي بعدم تجنيد أعضاء من جماعة متطرفة تُعرف باسم الحريديم. ويتمتع الحريديم السفارديم الذين يشكلون نحو 13% من السكان في إسرائيل بامتيازات استثنائية، رغم أنهم يرفضون الخدمة العسكرية في الجيش. وهم يعتقدون أنهم يدعمون الجيش بصلواتهم وتفانيهم في دراسة التوراة، حتى إن الحاخام الأكبر يتسحاق يوسف حذر من أن الحريديم سيهاجرون من إسرائيل إذا أُجبروا على الانضمام إلى الجيش، وهو تصريح انتقده اليهود الإسرائيليون العلمانيون بشدة.

وتابع الكاتب "ستواصل إسرائيل حربها ضد حماس حتى تضع حداً للحركة بوصفها منظمة عسكرية. لكنها لن تنعم بالسلام أبداً، حتى لو أقامت جميع الدول العربية علاقات معها".

وأفاد الكاتب بأنه ليس لدى إسرائيل خطة واضحة لما بعد الحرب الدائرة رحاها الآن، ولا تعرف الآثار الكاملة لعمليتها في غزة. ورغم ذلك، يبدو أنه لا مفر من أن ظاهرة فلسطينية جديدة، وإن لم تكن بالضرورة إسلامية، ستظهر وستكون أكثر تطرفاً من حماس وحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية.

ولفت الكاتب النظر إلى أن المنظمات الفلسطينية التي عملت ضد إسرائيل في الفترة بين خمسينات وسبعينات القرن العشرين كانت علمانية، ومن بينها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الراديكالية التي أسسها جورج حبش، وهو مسيحي فلسطيني، بعد وقت قصير من حرب عام 1967.

وفي عام 1968، اختطفت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين طائرة ركاب إسرائيلية متجهة إلى الجزائر، وفي سبعينات القرن العشرين، نفذت سلسلة من الهجمات العنيفة داخل إسرائيل. ولذلك، ورغم اقتراب إسرائيل من تحقيق نصر حاسم ضد حماس وطي صفحة صراع إسرائيلي فلسطيني طويل، من المرجح أن تكون إسرائيل على وشك أن تفتح الباب على مصراعيه لصراع جديد.

عن موقع "24"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية