"أنا حزامة حبايب، ابنة اللاجئ الفلسطيني حامد محمد حبايب" هكذا نادت نفسها الكاتبة الفلسطينية حزامة حبايب على مسرح الجامعة الأمريكية بالقاهرة مساء أمس، بعد إعلان فوزها بجائزة "نجيب محفوظ" للأدب، تسلّمَتها ثم بكتْ صاحبة رواية "مخمل" التي حصدت عنها الجائزة، فانتفض الحضور يصفقون لابنة اللاجئ الفلسطيني ويهتفون:"القدس عربية.. القدس عربية".
ولم يكتفِ الحضور بالتصفيق طويلاً، بل بكى البعض عندما استكملت حبايب قائلة:"ابنة اللاجئ الفلسطيني حامد محمد حبايب، الذي غادر قريته الفلسطينية طفلاً في السابعة، ممسكاً يد أمه، لاهياً عن مآل البلاد وناس البلاد، غير واعٍ أنّه استحال رمزاً لأكبر نكبات العصر.. أنا حزامة حبايب إنما أستعيد البلاد وناس البلاد بالحكاية. أنا في كل حكاية، أعود إلى وطني.. قد لا أكون منتصرة.. لكنني بالتأكيد أكون مهزومة أقل. فالمجد للحكاية، المجد كل المجد للحكاية".
مشهد لم تره جائزة نجيب محفوظ، الممنوحة عن قسم النشر بالجامعة الأمريكية في القاهرة، من قبل، فما حدث مع حبايب تعدى آفاق الحدث ليشمل أوجاعاً عربيةً عمرها مائة عام منذ وعد بلفور المشؤوم، تلك الأوجاع التي أبكت الحضور ودفعتهم للهتاف لمدينة السلام، بعد قرار ترامب المشؤوم أيضاً بالاعتراف بالقدس عاصمة لـ"إسرائيل".
وحبايب، روائية فلسطينية. ولدت ونشأت في الكويت ودرست فيها. بدأت الكتابة والنشر وهي على مقاعد الدراسة الجامعية، ثم أثناء اشتغالها في الصحافة. وعُرفت في تسعينيات القرن الماضي كواحدة من أبرز كتاب القصة في الأردن وفلسطين، ضمن جيل السرد التسعيني.
قد لا أكون منتصرة، لكنني بالتأكيد أكون مهزومة أقل، فالمجد للحكاية، المجد كل المجد للحكاية
في العام 1990، مع اندلاع حرب الخليج الأولى، غادرت حبايب الكويت إلى الأردن، لتكتسب شهرتها هناك كاتبة قصة قصيرة، مع صدور أول مجموعة قصصية لها بعنوان "الرجل الذي لا يتكرر" في العام 1992، والتي نالت عنها جائزة مهرجان القدس للأدباء الشباب في العام 1994، ثم نالت جائزة رابطة الكتاب الأردنيين التقديرية عن مجمل أعمالها القصصية، وهو العام نفسه الذي صدرت فيه مجموعتها القصصية "التفاحات البعيدة". وفي العام 1997، نشرت حبايب مجموعتها القصصية "شكل للغياب"، تلتها المجموعة القصصية "ليل أحلى" في العام 2001.
بعد أربع مجموعات قصصية، وضعتها كصوت مميز فى المشهد السردي العربي، نشرت حبايب روايتها الأولى "أصل الهوى" في العام 2007، ثم نشرت روايتها الثانية "قبل أن تنام الملكة"، التي وصفها بعض النقاد باعتبارها ملحمة روائية تتناول اللجوء الفلسطيني. وفي العام 2016 نشرت حبايب روايتها الثالثة "مخمل" والتي حصدت عنها جائزة نجيب محفوظ للأدب 2017.
وسبق وفاز بجائزة نجيب محفوظ منذ دورتها الأولى عام 1996، إبراهيم عبد المجيد، والراحلة لطيفة الزيات. وتقاسم كل من مريد البرغوثي، والراحل يوسف إدريس الجائزة عام ١٩٩٧، وفازت بها أحلام مستغانمي، وإدوارد الخراط، وهدى بركات، وسمية رمضان، وبنسالم حميش، وخيري شلبي، وعالية ممدوح، ويوسف أبو رية، وسحر خليفة، وأمينة زيدان، وحمدي أبو جليل، وخليل صويلح، وميرال الطحاوي، وعزت القمحاوي، وخالد خليفة، وحمور زيادة، وحسن داوود، وأخيرا عادل عصمت ٢٠١٦.
ما حدث مع حبايب تعدى آفاق الحدث ليشمل أوجاعاً عربيةً عمرها مائة عام منذ وعد بلفور المشؤوم
وسلّم رئيس الجامعة الأمريكية بالقاهرة، فرانسيس رديتشاردوني، الجائزة إلى حبايب، التي تم اختيارها من قبل أعضاء لجنة التحكيم: الدكتورة تحية عبد الناصر، والدكتورة شيرين أبو النجا، والدكتورة منى طلبة، والدكتور همفري ديفيس، والدكتور رشيد العناني، والذين علقوا على الرواية الفائزة بقولهم:"إن "مخمل" رواية فلسطينية جديدة، لا تدور حول القضية السياسية وحلم العودة، إنها عن الفلسطينيين الذين تمضي حياتهم، دون أن يلتفت إليهم أو أن تدون، في الخلفية، في حين تحتل الدراما السياسية مركز الصدارة".
من المفارقات أيضاً في حفل أمس إلى جانب الهتاف "القدس عربية" داخل جدران الجامعة الأمريكية بالقاهرة، أنّ عضو لجنة التحكيم التي أعطت حزامة حبايب الجائزة هي حفيدة الزعيم العربي جمال عبدالناصر، لتكتمل صورة المقاومة متشكلة في دائرة قوامُها الأدب والحكاية. تلك الحكاية التي قالت حبايب عن سر انشغالها بها في كلمتها التي ألقتها أمس:"....لقد كانت الحكاية هي الدليل بأني وجدت يوماً. وهي البرهان بأني عشت.. عشت حقاً. وفي مفترقات الحياة، أنقذتني الحكاية من نفسي التي تميل إلى تدمير ذاتها في أحيان كثيرة. أوتني واحتضنتني، وقتني وأبقتني وعززت يقيني المهزوز بأنّ لي وطناً ينتظر أنْ أفترش طرقاته باللقاءات والذكريات الجديدة، وطمأنتني ولو إلى حين بأن "خيمتي" مؤقته، وهي قطعاً إلى زوال".