
أمال شحادة
حتى ساعة متقدمة من بعد منتصف ليل الثلاثاء- الأربعاء، لم تنجح الجهود الأميركية ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو والوزراء المقربين منه، في إقناع أحزاب الحريديم في الائتلاف الحكومي للتراجع عن موقفها وعدم دعم مشروع قرار لحل الكنيست وبالتالي تقريب موعد الانتخابات البرلمانية. وقد شهدت الساحة الحزبية– السياسية الإسرائيلية حتى ساعة متقدمة، تحركات مكثفة واجتماعات ماراثونية في محاولة للتوصل إلى تسوية بينها تأجيل التصويت، لكن الموقف لم يتغير بل خرج كبار الحاخامات أبرزهم في حزب "شاس"، مؤكدين رفضهم التراجع عن موقفهم، غير مبالين للأجواء التي حذرت منها واشنطن عبر سفيرها في إسرائيل ومسؤولين آخرين، وأيضا نتنياهو، بالخطر المحدق الذي يتهدد إسرائيل إذا ما جرى تفكيك الحكومة وعدم الاستقرار إزاء الاستعدادات لإمكانية توجيه ضربة على إيران.
وكان السفير الأميركي في إسرائيل قد أجرى طيلة الأيام الأخيرة سلسلة مفاوضات مكثفة مع قادة الحاخامات والأحزاب المتدينة، مارس فيها ضغطاً كبيراً لإحباط خطواتهم في حل الكنيست لتسود القناعة في تل أبيب بأن الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتمسك ببنيامين نتنياهو رئيساً للحكومة بأي ثمن.
الحجج التي تذرعت بها واشنطن عبر سفيرها لهذا الضغط لم تكن مقنعة في الشارع الإسرائيلي، فقد ادعت أن خطر اشتعال حرب بين إسرائيل وإيران وتفاقم الحرب مع الحوثيين يتطلبان استقراراً سياسياً في إسرائيل وتوجهها إلى انتخابات يشكل صعوبة على الولايات المتحدة لدعمها في هذه الحرب. وبينما خرجت المعارضة بحملة استنكار واسعة لما أسمتها "تدخل واشنطن بالسياسة الداخلية الإسرائيلية وافتعال وإثارة أجواء أمنية وحربية من أجل ضمان الحفاظ على حكومة نتنياهو"، استبعد الإسرائيليون أن يكون هناك اتجاه حقيقي لتوجيه ضربة عسكرية لإيران، لكنهم يرون أن الولايات المتحدة تستخدمهم سوطاً للتهديد ونتنياهو يقبل بهذا لمصالحه الحزبية والسياسية.
واعربت جهات عن استهجانها لهذا الدور الأميركي على رغم أن التدخل في السياسة الإسرائيلية قائم دائماً و"لكنه لم يكن يوماً بهذا الوضوح والفظاظة"، وفق ما نُقل عن مسؤول سياسي اعتبر أن "هذا التدخل غير مسبوق خصوصاً أن المفاوضات مع إيران لم تحسم بعد وأن ما كشف من تفاصيل عن محادثة ترمب– نتنياهو فيها موقف واضح للرئيس الأميركي بعدم رغبته بضربة عسكرية، وهذا ما أوضحه أيضاً بعد رد إيران على المقترح الأميركي"، وفق المصدر الإسرائيلي.
محاولة لفرض الاتفاق
ولم يسقط الإسرائيليون من حساباتهم أن ترمب أراد أن يمسك عصفورين بيد واحدة، وذلك من خلال الحفاظ على نتنياهو وحكومته وأيضاً التلميح بهجوم إسرائيلي محتمل على إيران من أجل فرض الاتفاق النووي ودفع إيران لقبول المقترح الأميركي للاتفاق، تحديداً بشأن تخصيب اليورانيوم.
ويرى خبراء وأمنيون إسرائيليون أن ترمب ونتنياهو يتوافقان، كل لمصلحته، في الترويج لاحتمال ضربة على إيران، حتى أن نتنياهو لم يخف موقفه بتفضيل الخيار العسكري على المفاوضات، على رغم عدم قدرته على تنفيذ خطوة كهذه من دون موافقة واشنطن، بل وحتى دعمها وذلك لأن إسرائيل غير قادرة على تنفيذ هذا الهجوم، وفق تقرير إسرائيلي حول الهجوم على إيران وقدرات إسرائيل العسكرية.
"هناك فرق كبير بين أن تشن إسرائيل هجوماً بصورة مستقلة من دون تنسيق مع الأميركيين، وبين عملية منسقة مع واشنطن"، وفق ما نقل عن مسؤول إسرائيلي في تقرير نشرته صحيفة "هآرتس"، أشار فيه إلى أن "إسرائيل بحاجة إلى الولايات المتحدة، سواء من أجل تعزيز منظوماتها الدفاعية أمام الصواريخ في حال حصول أي هجوم مضاد لإيران، أو في المستقبل في حالة كانت بحاجة إلى هجوم جوي متواصل متعدد الجولات والطلعات ضد إيران".
ولا يستبعد الإسرائيليون أن يكون الهدف وراء تلميحات الرئيس ترمب بشأن ضربة عسكرية واستخدام القوة الإسرائيلية، الضغط على إيران للتوصل إلى اتفاق مناسب.
ويقول الخبير العسكري عاموس هرئيل: "يعتبر ترمب أن استعراض قدرات القوات الجوية الإسرائيلية سيجبر النظام في طهران على إعادة النظر في خطواته. استنتاج ترمب جاء بناء على تقارير تشير إلى أن الرد الإسرائيلي على هجمات المسيرات والصواريخ أدى إلى شل منظومة الدفاع الجوي في إيران، ما يشكل صعوبة لدى طهران حتى في إقناع روسيا بالوقوف إلى جانبها مجدداً في هذه المعارك".
وبحسب تل أبيب، فإن الهجومين على إيران أديا إلى إلحاق الضرر بجزء كبير من طبقات الدفاع الجوي الموجودة حول المنشآت النووية والمواقع الاستراتيجية الأخرى. وأشار قائد سلاح الجو السابق، الجنرال احتياط أمير إيشل، ومستشار الأمن القومي في حكومة بينيت – لبيد إيال حولتا، إلى أن "طهران بقيت مكشوفة في أعقاب الهجومين الإسرائيليين".
جولة المفاوضات السادسة
وما بين استخدام الهجوم على إيران كأداة ضغط والحفاظ على حكومته، ينشغل نتنياهو حالياً بإحباط جهود تفكيك حكومته في صراع، هو الأصعب له، في معركة بقائه السياسي.
لكن، هذا ليس فقط السبب الوحيد، إذ يرى هرئيل أن حفل زفاف ابن نتنياهو، أفنير، الأسبوع المقبل، (الذي تأجل من العام الماضي بسبب الحرب في لبنان وشن العملية البرية)، هو أيضاً سبب إضافي لهذا التصعيد ضد إيران باعتبار أن إقامة حفل زفاف في هذا الوقت قد يعرض الموجودين للخطر. كذلك فإن الانشغال بإيران يدفع الحرب في غزة إلى خارج جدول الأعمال– حيث لا تزال إسرائيل بعيدة جداً من تحقيق النصر، خلافاً لتصريحات نتنياهو.
وفيما تواصل إسرائيل تهديداتها والترويج لاستعداداتها لهجوم على إيران، من المتوقع أن يلتقي رئيس الموساد ديفيد بريناع، ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، في واشنطن المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف، قبل جولة المفاوضات السادسة مع الإيرانيين، وأن يطلعا على آخر التطورات.
ولا يستبعد أمنيون وسياسيون أن تكون محادثة ترمب- نتنياهو الأخيرة والاجتماع الذي عقده نتنياهو في ما بعد لبحث الملف الإيراني واحتمال تنفيذ هجوم، هدفها الضغط على إيران حتى أن هناك من يرى أيضاً عملية السلاح البحرية في اليمن الهدف من ورائها هو ذاته.
أمام كل هذا، عادت تقارير إسرائيلية لتؤكد أن تل أبيب، وعلى رغم المسار المتصاعد في تهديداتها لتوجيه ضربة لمنشآت تخصيب اليورانيوم في إيران، إلا أنها لا تملك القدرات الكافية ولا يمكنها تنفيذ هجوم كهذا إلا بمشاركة أميركية وليس دعماً أميركياً فقط.
ووفق التقرير الإسرائيلي حول هذه المنشآت، فإنها قائمة تحت عشرات الأمتار في باطن الأرض ومحصنة بصخور صلبة، وبالتالي فإن الإصابة التي يمكن لسلاح الجو الإسرائيلي تحقيقها محدودة نسبياً لما تتطلبه تلك العملية من قنابل معينة تخترق الأرض أثقل من تلك التي توجد بحوزة إسرائيل، كذلك حاجتها لطائرات يمكنها أن توقع إضراراً في البنى التحتية العسكرية بإيران على مدى واسع جداً.
اندبندنت