إسرائيليون على أعتاب انتخابات ثالثة: البلاد ذاهبة إلى الفوضى

إسرائيليون على أعتاب انتخابات ثالثة: البلاد ذاهبة إلى الفوضى


كاتب ومترجم فلسطيني‎
19/12/2019

ترجمة: إسماعيل حسن


وصل كلّ من حزبَي "أزرق أبيض" و"الليكود" إلى طريق مسدود في تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة، وذلك بعد جولة الانتخابات (الإعادة الثانية)، التي أجريت في أيلول (سبتمبر) الماضي؛ حيث تسبّبت الخلافات السياسية الحادة والاتهامات المتبادلة بين الأحزاب، في صعوبة تشكيل حكومة تدير شؤون البلاد.

اقرأ أيضاً: الإسرائيليون لا يريدون نتنياهو: هل اقتربت النهاية؟
وفي أعقاب المدة الزمنية التي منحها الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، للأحزاب المتنافسة حول إمكانية تشكيل أحد منها للحكومة كي لا تذهب البلاد لانتخابات ثالثة، اضطر الرئيس، وبعد انقضاء المدة الزمنية المحددة، لإعلان فشل الحزبين في إحداث تقدّم؛ حيث صوّت الكنيست الإسرائيلى بالإجماع لحلّ نفسه، والدعوة لانتخابات تشريعية ثالثة، في الثاني من آذار (مارس) المقبل، فيما يبدو الأمر شبه مستحيل لكثير من الإسرائيليين، وهو الذهاب لمراكز الاقتراع للمرة الثالثة بعد انتخابات غير حاسمة، في نيسان (أبريل) وأيلول (سبتمبر)، ما يعني العودة مرة ثالثة لصناديق الاقتراع في أقلّ من عام، في سابقة لم تحدث من قبل، يعطي كثيراً من الاحتمالات السيئة التي تدخل الدولة في مزيد من الأزمات السياسية.

الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين
من وجهة نظر السياسيين؛ فإنّ جولة انتخابات إسرائيلية ثالثة لا يمكنها إحداث أيّ تغيير، كما سبق في الجولتين، ما يعني أنّ البلاد ذاهبة نحو مزيد من الفوضى والخطر، في ظلّ المخاطر الإقليمية التي تهدّد البلاد بأيّ وقت، وهذا الاعتقاد جاء نتيجة عودة الخلافات بين قادة الأحزاب المتنافسة بعد انتهاء آخر مدة حددها الرئيس، والتي انتهت الأربعاء الماضي؛ حيث طلب رئيس حزب "أزرق  أبيض"، بيني غانتس، من رئيس الحكومة المنتهية ولايته، بنيامين نتنياهو، الإعلان عن عدم مطالبة الكنيست بحصانة تمنع تقديمه إلى المحاكمة بتهمة الرشوة والتحايل وخيانة الأمانة، مقابل موافقة حزب غانتس على التفاوض حول تشكيل الحكومة، فيما رفض نتنياهو العرض وهاجم قادة أزرق أبيض، واتّهمهم بإحباط جهود تشكيل الحكومة، قائلاً: "في الأسابيع الأخيرة قطعت شوطاً طويلاً ولم أوفّر أيّ جهد من أجل تشكيل حكومة وحدة ومنع انتخابات لا حاجة إليها، لقد أبلغت بيني غانتس ورؤساء أزرق أبيض بالمعلومات الاستخبارية الحساسة جداً، ومع ذلك هم لا يضعون على رأس أولوياتهم المصالح الوطنية بل الأوهام الشخصية".

بيني غانتس
لكن أيضاً من وجهة نظر الكتّاب والمراقبين؛ فإنّ بنيامين نتنياهو هو المتهم ببثّ الفوضى السياسية وجرّ البلاد إلى انتخابات تشريعية ثالثة؛ حيث قال الكاتب والمحلل السياسي، حاييم ليفنسون: "يوجد رجل واحد مسؤول عن انتخابات إسرائيل الثالثة التي لا هدف لها، والمقصود هو الرجل الذي تولى منصب رئيس الوزراء لأطول مدة في تاريخ إسرائيل، وهو رئيس حزب الليكود، بنيامين نتنياهو"، مضيفاً: "قبل أن يحلّ الكنيست الـ 22 نفسه، دخلت الأحزاب بشكل عميق في تخطيط حملاتها، فتخلى لبيد عن التناوب وكان رصاصة البدء لانتخابات آذار، والآن يمكن لنا أن نحدّد خمسة أسئلة مركزية ستكون في مركز الانتخابات للكنيست الـ 23:

هاجم "أزرق أبيض" نتنياهو على ما أبداه من ضعف أمام حماس وشكّل ذلك تراجعاً في أعداد الناخبين المؤيدين لليكود

أولاً: هل سيجتاز اتحاد أحزاب اليمين نسبة الحسم؟ يبدو أنّ اليمين الجديد سيتنافس وحده في الانتخابات القادمة؛ فالارتباط مع البيت الإسرائيلي والاتحاد الوطني لن ينجح"، ونفتالي بينيت يؤمن بأنّه لن ينجح من وزارة الدفاع هذه المرة في الوصول إلى الكنيست بشكل مستقل، نتنياهو هو الآخر يريد ذلك؛ فقد فهم أنّه بسبب لوائح الاتهام التي رفعت ضدّه سيفقد أصوات المقترعين، في نظرة إلى الوراء كانت الخطوة الذكية لانتخابات الكنيست الـ 22 هي التي قدمها بن غبير؛ فقد بقي خارج الكنيست لفترة قصيرة، لكنّه أظهر أنّه قادر على أن ينال وحده 84 ألف صوت، وفي انتخابات الكنيست الـ 21، حصل اتّحاد أحزاب اليمين على خمسة مقاعد 19 ألف صوت أكثر من نسبة الحسم، لكن في أوساط الأحزاب الدينية واليمين هناك اندفاع كبير في اتجاه الليكود ونتنياهو من أجل تعزيز قوة زعيم المعسكر في صراعه ضدّ وسائل الإعلام والجهاز القضائي، بالتالي اتحاد أحزاب اليمين حتى مع إضافة القوة التعزيزية الكهانية، سيبقيه في خطر حقيقي.

بنيامين نتنياهو هو المتهم ببثّ الفوضى السياسية
ثانياً: هل سيبقى المعسكر الديمقراطي والعمل على قيد الحياة؟ تمسّ المعركة بشكلها الجوهري بين نتنياهو وغانتس بالأحزاب المرافقة، المعسكر الديمقراطي مع إيهود باراك وستاف شبير وبيرتس، لكن لم ينجح أيّ منهم في الانتخابات السابقة، ويبدو أنّ القائمة في خطر حقيقي في الانتخابات القادمة، ويشعر حزب العمل أيضاً بأنّ هناك حاجة إلى تغيير كبير.

اقرأ أيضاً: هل حقاً أنّ حكومة أقلية ستعيد إسرائيل إلى العقلانية؟
ثالثاً:
بماذا سيعد ليبرمان ناخبيه؟ من يتحدث مع رئيس "إسرائيل بيتنا"، أفيغدور ليبرمان، في الأيام الأخيرة، يجده شخصاً في ضائقة لا يعرف ما يفعله في الانتخابات، ورقته في الانتخابات الأخيرة حين أعلن أنّه هو وحده قادر على أن يقيم حكومة وحدة أكسبته ثلاثة مقاعد أخرى، ولكن رغم مساعيه لم تقم حكومة كهذه، والآن سيحاول نتنياهو ملاحقته مرة أخرى لتجنيد المقترعين من المؤيدين لحزبه "إسرائيل بيتنا"، بينما سيلعب غانتس هو الآخر على الورقة المناهضة للأصوليين في محاولة للحصول على أصوات الشباب الذين يشكلون قسماً كبيراً من مصوّتي إسرائيل بيتنا، بالنسبة إلى ليبرمان هو واعٍ لوضعه، ويبحث لنفسه عن حلّ إستراتيجي، من غير المستبعد ألا يقيد نفسه هذه المرة بالوعد بعدم الانضمام إلا لحكومة وحدة.

ليبرمان
رابعاً: كيف ستكون نسبة التصويت في الجمهور العربي؟ تشعر القائمة المشتركة بأنّها في حالة جيدة قبيل الانتخابات؛ فالمشاركة في اللعبة السياسية التي وجدت تعبيرها في التوصية ببني غانتس أمام الرئيس والاهتمام بوباء العنف في المجتمع العربي، تبعث حماسة لدى المقترعين، والهدف في انتخابات آذار يتركز على 500 ألف صوت، سيترجمون إلى ارتفاع من 13 إلى 15 مقعداً.

من وجهة نظر سياسيين فإنّ جولة انتخابات إسرائيلية ثالثة تعني أنّ البلاد ذاهبة نحو مزيد من الفوضى والخطر

خامساً: هل سيكون هناك حسم؟ هذا هو سؤال الأسئلة في هذه الانتخابات، يأمل نتنياهو أن تستنفد نسبة التصويت في معاقل اليمين، فتدخله الـ 84 ألف صوت لبن غبير إلى الكنيست، ويعيد بينيت أصوات اليمين الرقيق التي تسللت إلى أزرق أبيض، وينتخب بعض من المصوتين لليبرمان هذه المرة الليكود، هكذا تكبر كتلة اليمين من 55 إلى 61 مقعداً، أما غانتس في المقابل فيحتاج إلى علاوة أربعة مقاعد فقط، وهو يؤمن بأنّ نتنياهو سيكبر على حساب الأحزاب الصغيرة من اليمين، لكنّه سيفقد مقعدين أو ثلاثة مقاعد بسبب لوائح الاتهام ضدّه، كما يؤمن بأنّ ليبرمان سيفقد الأصوات وبأنّ القائمة المشتركة ستكبر.
إلى ذلك، أجرى معهد "مأجار موحوت" استطلاعاً حول نتائج الانتخابات الإسرائيلية الثالثة؛ حيث أشار البروفيسور ومدير المعهد، إسحاق كاتس، إلى أنّ معطيات فحص الاستطلاع التي أجريت كعينة على خمسة آلاف شخص من الشعب الإسرائيلى بينت أنّ كتلة اليسار مع العرب ستشكل الحكومة القادمة إذا بقي نتنياهو في زعامة الليكود، موضحاً أنّ بنيامين نتنياهو، من حيث الأصوات، يقترب من بينى غانتس، المنافس الأقرب والأقوى له، مع وجود تخوف قليل من فقدان الحكم في نهاية الطريق، وبينما يندفع أزرق أبيض، برئاسة بيني غانتس، إلى الأمام، ومع ذلك؛ فإنّ الليكود برئاسة نتنياهو يسجل تراجعاً، وفي الساحة الداخلية أيضاً يفقد نتنياهو التفوق حين ينال منافسه على رئاسة الحزب، النائب جدعون ساعر، وفق الاستطلاع، عدداً مماثلاً من المقاعد.


وفي خضم الحالة الأمنية وتدحرج إسرائيل نحو انسداد سياسي وفوضى داخلية، والذهاب إلى انتخابات ثالثة؛ يقول الكاتب، عاموس هرئيل: "لقد ضيعت إسرائيل على نفسها فرصة ثمينة، وهي تسوية مع حركة حماس على عقد تهدئة طويلة المدى، وذلك في ظلّ وجود رغبة كبيرة من قبل حماس على ذلك؛ ففي الأسابيع الأخيرة لاحظ الجيش إمكانية تسريع المحادثات غير المباشرة مع حماس، بشكل يمكن أن يؤدي إلى هدنة طويلة المدى، لكن لم يتحقق في الاتصالات، حتى الآن، ما يكفي من التقدم، وفي هذه الأثناء من شأن جدول الأعمال السياسي الجديد نحو انتخابات ثالثة في غضون أقل من سنة، أن يشوش على تحقيق التوافقات.

رغم كثافة الصواريخ التي سقطت خلال الجولة الأخيرة على المدن الإسرائيلية إلا أنّ التواصل جارٍ نحو تسوية طويلة

لقد بدأ التصعيد الأخير في 13 تشرين الثاني (نوفمبر)، في عملية الاغتيال الإسرائيلية لمسؤول الجهاد الإسلامي، بهاء أبو العطا، والتي أطلق عليها "الحزام الأسود" واستمرت ليومين، وفي أثنائها أطلق نحو 500 صاروخ نحو الأراضي الإسرائيلية، وقتل في القصف الإسرائيلي 35 فلسطينياً، أكثر من 20 منهم من رجال تنظيم الجهاد، واعتقد جهاز الأمن، لا سيما قادة الجيش الإسرائيلي، بوجود فرصة للوصول إلى تسوية وذلك في ضوء تطورين، هما؛ الضربة الشديدة التي تلقاها الجهاد، وإلى جانبها قرار قيادة حماس في القطاع عدم المشاركة في المواجهة العسكرية، لقد أزال قتل أبو العطا عن الطريق الرجل الذي وصف بأنّه العائق الأساس أمام التسوية، والمسؤول عن أكثر من 90% من الصواريخ التي أطلقت من القطاع في الأشهر الأخيرة، وفسّر قرار حماس في إسرائيل بأنّه تعبير عن رغبة شديدة من قيادة المنظمة، برئاسة يحيى السنوار وإسماعيل هنية، لتحقيق تسهيلات اقتصادية واضحة للقطاع، ووصف رجال الاستخبارات الإسرائيليون موقف حماس بأنّه تغيير إستراتيجي تعرض المنظمة في إطاره تغييراً عاجلاً في الوضع الاقتصادي والبنى التحتية في القطاع في رأس جدول أولوياتها.


وعلى هذه الخلفية؛ أوصى الجيش ومكتب منسق الأعمال في المنطقة بتسريع مساعي التسوية، وأعربت هيئة الأركان تأييدها لسلسلة تسهيلات في القطاع، بما فيها التخطيط لمشاريع كبرى في مجال شبكات المياه والكهرباء والمجاري، وإقامة منطقة صناعية في حاجز كارني وإصدار عدد من تصاريح العمل لعمال من قطاع غزة للعمل في البلدات الإسرائيلية المحاذية لغلاف غزة، لكنّ تحفظ جهاز الأمن العام "الشاباك" بشدة على التوصية الأخيرة، خوفاً من أن يشكل دخول آلاف العمال مدخلاً لمحافل الإرهاب في القطاع للإعداد لعمليات في إسرائيل، بالمقابل؛ أعرب وزير الدفاع، نفتالي بينيت، عن تأييده لإقرار التسهيلات للقطاع إذا ما ضمن الهدوء، وأمل جهاز الأمن في أن يسمح إقرار التسهيلات بهدوء واستقرار أكبر، وفي مرحلة لاحقة تستأنف الاتصالات لإعادة الجنديين المحتجزين في القطاع، فرغم كثافة الصواريخ التي سقطت خلال الجولة الأخيرة على المدن الإسرائيلية، إلا أنّ التواصل بين الطرفين جارٍ نحو تسوية طويلة، كما أكد بنيامين نتنياهو خلال زيارته إلى البرتغال وجود اتصالات لوقف نار طويل المدى، فيما تحدث رئيس الأركان، أفيف كوخافي، مع رؤساء المجالس الإقليمية في بلدات غلاف غزة، وكرر في حديثه تأييده لمنح التسهيلات للقطاع، بما في ذلك تشغيل عمال فلسطينيين في الغلاف في إطار التسوية.


وعلى حدّ قول مشاركين في الحديث؛ فقد عرض رئيس الأركان بعض التحسن والإنجاز الذي تحقق في الوضع الأمني الحالي، وهو انخفاض في عدد إطلاق الصواريخ، ومحاولات حماس وقف إطلاق النار، وتقليص حجم المظاهرات العنيفة على مقربة من الجدار ووقف إطلاق الطائرات الورقية والبالونات الحارقة، وأعرب عن رأيه بإمكانية تحقيق تقدم آخر في الوقت القريب، أما عملياً فيبدو أنّ زخم الاتصالات غير المباشرة في محاولة التسوية تباطأ بشكل واضح، ويعود ذلك لعدة أسباب، منها: اصطدام حماس مع الجهاد عندما رفضت المشاركة في إطلاق الصواريخ خلال جولة القتال الأخيرة، الأمر الآخر أنّ إسرائيل لا تسارع إلى دفع التوافقات إلى الأمام، وذلك على ما يبدو بسبب انتقال اهتمام القيادة السياسية للأزمة السياسية الداخلية العميقة، وقد يحتدم هذا أكثر قبيل الانتخابات؛ لأنّ نتنياهو وبينيت سيستصعبان العمل على خطوات يراها اليمين تنازلات لحماس، ولم يأتِ النقد فقط من اليمين؛ ففي الحملتين الانتخابيتين الأخيرتين، هاجم أزرق أبيض نتنياهو على ما أبداه من ضعف أمام حماس، وشكّل ذلك تراجعاً في أعداد الناخبين المؤيدين لليكود، بعد التحريض المتواصل من غانتس وليبرمان على إدخال الأموال إلى حماس.

اقرأ أيضاً: هل ينجح بيني غانتس فيما فشل فيه نتنياهو؟
وفي الأثناء؛ يخشى الجيش من أن يؤدي تأجيل التوافقات، لا سيما حين تكون انتخابات أخرى على الأبواب، إلى ضياع فرصة التسوية، التي يصفونها بأنّها فرصة لمرة واحدة، في الخلفية هناك ثمة انشغال مكثف من جانب جهاز الأمن في صراعه ضدّ التموضع العسكري لإيران في سوريا، هذه المسألة ما تزال على رأس سلم أولويات الجيش الإسرائيلي، وإيران لا تبدي أيّة بوادر تدل على أنها تتخلى عن خطواتها في سوريا وتهريب السلاح لحزب الله في لبنان، ولهذا فمن المعقول أن يستمر الاحتكاك العسكري معها في الجبهة الشمالية في الأشهر المقبلة، هذه جبهة يعدّها الجيش الإسرائيلي حرجة وأكثر خطورة مقارنة بما يجري في غزة؛ حيث هناك، على حدّ قول الجيش، إمكانية لتهدئة الساحة الجنوبية لزمن طويل نسبياً.


مصدر الترجمة عن العبرية: هآرتس
https://www.haaretz.co.il/news/elections/EXT-INTERACTIVE-1.8167527
https://www.haaretz.co.il/news/elections/.premium-1.8258747
https://www.haaretz.co.il/news/politics/.premium-1.8258858



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية