الإسرائيليون لا يريدون نتنياهو: هل اقتربت النهاية؟

الإسرائيليون لا يريدون نتنياهو: هل اقتربت النهاية؟


كاتب ومترجم فلسطيني‎
02/12/2019

ترجمة: إسماعيل حسن


يسابق رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق، بنيامين نتنياهو، الوقت؛ في محاولة للحفاظ على مكانته السياسية في أعقاب اتهامه بالرشوة والاحتيال، وما تشكّله التهم الموجّهة ضدّه من خطر على إمكانية تشكيله للحكومة المقبلة، وبينما يسعى نتنياهو إلى ضمان المصادقة على قانون الحصانة البرلمانية، وعدم تقديم لائحة اتّهام ضدّه، بات الداخل الإسرائيلي يعيش حالة من الفوضى العارمة والانقسام الداخلي، إزاء تعثّر الوصول إلى تشكيل حكومة تقود شؤون البلاد، وذلك بعد فشل كلٍّ من زعيمي حزبَي "كحول لفان" (بيني غانتس)، و"الليكود" (بنيامين نتنياهو)، اللذين حققا فوزاً متقارباً في انتخابات الكنيست في جولة الإعادة الثانية غير الحاسمة، الرئيس رؤوفين ريفلين سبق أن منح مهلة تحت سقف زمني محدّد لكلّ من غانتس ونتنياهو من أجل تشكيل الحكومة، لكن انتهاء المدة المحددة لكليهما دون أيّ تقدّم، دفع بالرئيس إلى إعطاء كلّ من الحزبين مهلة 21 يوماً إضافية وأخيرة، على أن يقوم أيّ من الأعضاء داخل الحزبين على تشكيل الحكومة، داعياً خلال ذلك الإسرائيليين للاستعداد لإجراء انتخابات ثالثة خلال العام حال فشلت المهلة.

اقرأ أيضاً: هل قطع نتنياهو تمدّد السحب الإيرانية إلى غزة؟
بنيامين نتنياهو، الذي يعدّ صاحب الولاية الأطول في تاريخ الحكم، لم يسعفه النجاح الذي حقّقه في الجولَتين الانتخابيتَين، الأولى والثانية، من تشكيل الحكومة، وأصبحت حياته السياسية على المحكّ، وذلك بعد أن بات مهدّداً بالسجن بعد تورطه بثلاث قضايا فساد؛ حيث كان لقرار المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية، أفيخاي مندلبليت، بإصداره تهم تلقّي نتنياهو الرشوة والاحتيال في الملفات 4000 و1000 و2000 صدمة مدوية له ويقترب بشكل أكبر من السجن.

مأزق قانوني لإسرائيل
مراقبون يرون أنّ قرار التهم الموجهة إلى نتنياهو لا تهدّد مستقبله السياسي فقط؛ بل تعرض إسرائيل لمأزق قانوني، بينما ينصّ القانون الإسرائيلي على إمكانية معاقبة رئيس الوزراء بالسجن لمدة قد تصل إلى 10 أعوام بتهمة الرشوة، و3 أعوام بتهمة الاحتيال وانتهاك الثقة، وذلك إذا ثبت أنّه مذنب فعلاً، وبناء عليه؛ فإنّ نتنياهو، الذي نفى مراراً وتكراراً الاتهامات جملة وتفصيلاً، ووصف لائحة الاتهام بأنّها محاولة انقلاب، سيحارب بيديه وأسنانه كي يبقى في السلطة، وينجو من الإجراءات الجنائية، رغم إثبات تورّطه.

على نتنياهو إقناع النواب بأنّ المخالفات الموجهة إليه تمت خلال أداء مهماته وأنّ لائحة الاتّهام لم ترفع بنيّة طيبة

استطلاع للرأي أجرته القناة العبرية 12، بيّن أنّ ما نسبتهم 56% من الجمهور الإسرائيلي يعتقدون أنّه لا يجب على نتنياهو الاستمرار في منصبه، حتى إن أجريت انتخابات ثالثة فسيحصل بحسب الاستطلاع حزب كحول لفان "أزرق أبيض"، على 37 مقعداً، مقابل 30 مقعداً لليكود ومع ذلك سيخرج نتنياهو من الحياة السياسية ومصيره الحتمي هو السجن.
ونتيجة للتعثر الحاصل ونشوب الخلافات السياسية بين الأحزاب، بيّن الاستطلاع ذاته أنّ 90% من الإسرائيليين يرون أنّهم منقسمون، سياسياً ودينياً، وخلصت نتائج الاستطلاع إلى توجيه تهم إلى قادة الأحزاب بتورطهم بالخلافات القائمة وجرّ البلاد إلى انتخابات ثالثة؛ حيث يرى ما نسبتهم 42% أنّ نتنياهو يتحمل مسؤولية التورط في إجراء انتخابات جديدة، بينما يرى 35%؛ أنّ أفيغدور ليبرمان زعيم إسرائيل "بيتنا" هو المسؤول عن إجراء الانتخابات، في حين أنّ ما نسبتهم 4% اتّهموا غانتس بذلك، وفور إعلان المستشار القضائي للحكومة اتّهام نتنياهو ونشر مضمون لوائح الاتّهام ضدّه، التي شملت تهم تلقّي رشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، خرج حزب الليكود بحملة واسعة لدعم رئيس الوزراء في مواجهة حملة اليسار وحزب العمل، المطالِبة باستقالته، في حين رأى وزير المواصلات يسرائيل كاتس، أنّ نتنياهو من أكثر رؤساء الحكومات الذين ضحوا بحياتهم من أجل أمن إسرائيل وتعزيز مكانتها الدولية، وتوجه إلى اليسار قائلاً إنّه طالما لا يوجد مانع قانوني لولاية نتنياهو كرئيس للحكومة، فإنّ بإمكانه البقاء في منصبه، وفقط الجمهور وأعضاء الكنيست هم الذين سيحسمون بشكل ديمقراطي من يقود إسرائيل في فترة التحديات هذه المليئة بالمخاطر.  

لماذا يناور نتنياهو؟

الكاتب والمحلل السياسي، رامي ليفني، يقول: إنّ نتنياهو يناور ويرتكب أخطاء كبيرة وخطيرة في حملاته الانتخابية، ولا يعلم بالمقابل أنّ ما يفعله لا يعدّ هيناً على الإسرائيليين، نتنياهو، بحسب ليفني، غامر باغتيال قائد أركان حركة الجهاد الإسلامي، وأدخل البلاد في مأزق سياسي وتوقفت الحياة ثلاثة أيام نتيجة وابل الصواريخ الذي أطلقته منظمة الجهاد الإسلامي، وبعد أن توقفت الصواريخ بات السؤال: ما هي مكاسب وخسائر نتنياهو من عملية الاغتيال؟ وهل نجح في الظهور بشخصية سيد الأمن وفي أن يضيف إلى رصيده الانتخابي والسياسي أمام خصومه مقابل ما حظي به من خسائر سياسية وأمنية؟ بالتأكيد لم يحقق شيئاً، وأشار إلى أنّ من بين الأضرار المتكررة التي تسبّب بها بنيامين نتنياهو للمجتمع الإسرائيلي، هو العمى المتعمد الذي سلكه تجاه الفلسطينيين، لم يفهم نتنياهو الفلسطينيين يوماً ما، وذلك لأنّه غير قادر على فهم الآخر؛ بسبب مصالحه السياسية.

يواجه نتنياهو معضلة خسرانه حزب الليكود، الذي تزعمه لأعوام طويلة؛ حيث هدّد عدد من أعضاء الحزب بإخراج نتنياهو منه

عدم الفهم هذا لم يبقه لنفسه، بل قاد حملة تجهيل مستمرة هدفها أن يجتث من وعي الجمهور كلّ آثار للتفكير العقلاني الذي يرتكز إلى الحقائق في موضوع النزاع، هذا الجهد نجح نجاحاً باهراً بعد أكثر من 13 عاماً لنتنياهو. يشاهد الإسرائيلي العادي التلفزيون، ولا يميز بين يمينه ويساره، ولا يهتم بالفرق بين حماس والجهاد وفتح، فهم جميعاً الشيء نفسه، ويملّ من المناورات السياسية الضعيفة للفلسطينيين، وبالتأكيد غير قادر على أن يصوغ لنفسه فهماً مستقلاً ومنفصلاً عن الدعاية الحكومية، نتنياهو لم يعد يستوعب أنّ إسرائيل منقسمة بين عرب ويهود، وأنّ العرب يشكّلون مليون ونصف المليون نسمة داخل إسرائيل، كان بإمكانه أن يستغل أصوات العرب لصالحه بدلاً من التحريض عليهم في كلّ جولة انتخابات، كما حدث قبيل جولة الانتخابات الثانية عندما وعد بضمّ الضفة الغربية إلى إسرائيل، كدعاية انتخابية لم تحقق له سوى العداء والكراهية من العرب.

اقرأ أيضاً: هل حقاً أنّ حكومة أقلية ستعيد إسرائيل إلى العقلانية؟

هكذا يوجه نتنياهو القطيع، الذي آمن جزء منه ذات يوم بالسلام وخرج للتظاهر من أجله، والذي يشمل أيضاً عدداً غير قليل من الشرقيين والخبراء والمراسلين للشؤون الأمنية وشؤون الشرق الأوسط، الذين يملكون المعلومات، ولكن ليس نقص المعلومات المتاحة هو أساس المشكلة، وحتى ليس الصقورية الزائدة أو الخلل في معايير الأخلاق، إنّ أساس الموضوع هو عدم الرغبة في الإصغاء، إذ تضع نفسك في حذاء الآخر من خلال سياقه، إنّ التعامل مع وجهة النظر الفلسطينية يجب ألا ينبع فقط من حساسية غيرية بالتحديد، بل من دوافع نفعية قبل أيّ شيء آخر، إذا لم تصغِ للطرف الآخر فلن تتعامل بجدية مع أقواله، وتستطيع الاعتماد فقط على مواقفك المسبقة التي هي دائماً ناقصة.

لم يقم نتنياهو باختراع العمى

لم يقم نتنياهو باختراع العمى تجاه الفلسطينيين بشكل عام، فقد سبقه تقريباً جميع رؤساء الحكومات في ذلك، نذكر منهم؛ غولدا مائير، التي رفضت السلام مع مصر بذريعة أنّ أنور السادات غير مستعد لأيّ اتفاق، وحصلت على حرب يوم الغفران واتفاق سلام بعد بضعة أعوام، وإيهود باراك الذي تفاجأ عندما رفض ياسر عرفات اقتراحاته في موضوع القدس وعمق الانسحاب، وهي اقتراحات كان يمكننا أن نعرف مسبقاً أنّ الفلسطينيين لا يمكنهم الموافقة عليها، ورداً على ذلك قال باراك جملة "لا يوجد شريك"، وأقنع اليمين واليسار بسهولة، وحصل على الانتفاضة الثانية وعقدين من الجمود، أما نتنياهو فقد تفوق عليهم جميعاً، فالفلسطينيون بالنسبة إليه دمى؛ لذلك لا يوجد أيّ سبب للتعمّق في الفجوات الداخلية بينهم أو التغيرات التي حدثت في مواقفهم طوال الوقت، كلّ أقوالهم وأفعالهم تغطية على خططهم الخبيثة، وبحسب رأي ليفني؛ العامل الوحيد المهم في المواجهة مع الفلسطينيين هو القوة صحيح، ولكن أهمية القوة هي عبرة مهمة ومبررة ولا مثيل لها، وأنّ الشعب الإسرائيلي تعلّم من تاريخه الحزين، لكنّ رؤيته كمؤشر على أيّ شيء في العلاقات بين الشعوب دون الأخذ في الحسبان لعناصر أخرى، مثل المصالح القومية والاعتبارات السياسية والقيود الدولية، هي أمور غير منطقية.

اقرأ أيضاً: هل ينجح بيني غانتس فيما فشل فيه نتنياهو؟

يخطئ نتنياهو بشكل متعمد مرة تلو الأخرى، لقد صوّر القيادة الفلسطينية الحالية قيادة حربية ورافضة للتسوية، في الوقت الذي تظهر فيه الحقائق بصورة قاطعة، أنّ الرئيس محمود عباس ومحيطه يملكون المواقف الأكثر اعتدالاً، ومواقف الحدّ الأدنى التي كانت ذات يوم في المعسكر الفلسطيني، لقد حول طلب الاعتراف بإسرائيل كدولة إلى إثبات قاطع على تمسّكه بمؤامرتهم، كلّ ذلك في الوقت الذي وقعت فيه مصر والأردن على اتفاق سلام مع إسرائيل؛ إذ لم يطلب منهما هذا الاعتراف والفلسطينيون أنفسهم اعترفوا في السابق بإسرائيل رسمياً، عام 1993، لقد نشر الاعتقاد بأنّ الفلسطينيين يريدون القضاء على إسرائيل من خلال حقّ العودة، رغم أنّ كلّ شخص غير منحاز يمكنه أن يفهم من موافقتهم على المبادرة العربية، والتصريحات المتكررة الأخرى لزعمائهم بأنّهم تنازلوا فعلياً عن عودة اللاجئين، من يؤمن بالعقلانية ويعتقد أنّها مفتاح مهم للسياسة لا يمكنه أن يغفر لنتنياهو، فهو عدو للعبقرية الإسرائيلية، أما نحن فسنحتاج إلى أعوام من أجل إصلاح الأضرار التي سبّبها.

خسارة الحزب

في خضمّ ذلك؛ يواجه نتنياهو معضلة أخرى، تتعلق بخسرانه لحزب الليكود، الذي تزعمه لأعوام طويلة؛ حيث هدّد عدد من أعضاء الحزب بإخراج نتنياهو منه، نتيجة تورط زعيمهم بقضايا فساد تتعلق بخيانة الأمانة والرشوة والاحتيال، ونتيجة لحدة الخلاف القائم داخل الحزب، وافق نتنياهو على إجراء انتخابات داخلية لرئاسة الحزب، في وقت بدأ يرفض فيه البعض داخل الحزب تنحّي نتنياهو عن رئاسته.

اقرأ أيضاً: إسرائيل تتّهم ترامب بخيانة الأكراد وتخشى من مصير مماثل
وبخلاف بقية أعضاء الليكود الذين يلتزمون الصمت في ذلك، يتحدّى عضو الكنيست، جدعون ساعر، كلّ أعضاء حزب الليكود أن يبقى نتنياهو قائداً للحزب، بعد تقديم المستشار القضائي لوائح اتهام ضدّه، لكنّ نتنياهو، الذي يشعر بخطر محقق يقترب منه، خرج للإعلام معلناً أنّ ما يحصل بحقه إنما هو انقلاب، وهاجم جدعون نتنياهو على خلفية التصريحات التي أدلى بها، والتي وصف فيها تقديم لوائح الاتهام ضدّه بأنّها محاولة انقلاب سلطوية، وأكّد ساعر أنّ نتنياهو لن ينجح في تأليف حكومة خلال الأيام الـ21 المقبلة؛ لذا يجب التوجه إلى انتخابات داخلية سريعة لحزب الليكود، وأشار إلى أنّه الشخص القادر على قيادة الحزب في هذه الفترة.

استطلاع للرأي أجرته القناة العبرية 12: 56% من الإسرائيليين يعتقدون أنّه لا يجب على نتنياهو الاستمرار في منصبه

في الوقت ذاته، قال حزب الليكود، في بيان صادر عنه: إنّه من المؤسف أنّه في الوقت الذي يسعى فيه رئيس الحكومة، نتنياهو، للحفاظ على أمن إسرائيل في كلّ الجبهات، ويسعى للحفاظ على حكم الليكود، يظهر جدعون، كعادته، انعدام ولاء، وأقصى قدر من التخريب، ودعا جدعون أعضاء الليكود للامتناع عن منح نتنياهو حصانة قانونية، مشدداً على حيوية حسم المحكمة بالتهم الخطيرة الموجهة له، وعلى خلفية تبادل الاتهامات جدّد أفيغدور ليبرمان هجومه على نتنياهو، وقال إنّه يقوم بهذه الأيام بالتحالف مع حركة حماس، مشيراً إلى استئناف نقل الأموال من قطر لها.

اقرأ أيضاً: بعد فشل اغتيال قاسم سليماني: قلق إسرائيلي من هجوم إيراني
في مقابل ذلك أكد خبراء وسياسيون، إلى جانب ساعر، قولهم: إنّ ما عدّه نتنياهو وقادة الليكود من احتمالات نجاحه في الاستمرار بمهمته والتوصل إلى وضع يشكل فيه حكومة، هو أمر بعيد من الواقع؛ إذ تقف أمامه عوائق، أبرزها الحصانة وقانونية تشكيل الحكومة، وفي جانب الحصانة يرى خبراء أنّ قانون حصانة نواب الكنيست وحقوقهم وواجباتهم، يقضي بأنّه يحقّ للنائب الذي يقرر المستشار القانوني رفع لائحة اتّهام ضدّه، أن يطلب من الكنيست في غضون 30 يوماً أن يقرر أنّه يملك حصانة ضدّ القانون الجنائي، بالتالي لا يمكن تقديمه إلى المحاكمة.
في حالة نتنياهو عليه أن يقنع النواب بأنّ المخالفات التي يتهم بها، تمت خلال أداء مهماته، وأنّ لائحة الاتّهام لم ترفع بنية طيبة ووفق القانون، يتم البحث في طلب نتنياهو بالحصول على حصانة في لجنة الكنيست، لكن منذ الانتخابات الأولى، التي أجريت في نيسان (أبريل) الماضي، لا توجد لجنة للكنيست، وهنا يطرح السؤال حول ما إذا كانت اللجنة التنظيمية التي تدير شؤون الكنيست، في الفترة التي لا تكون فيها لجنة كنيست فعلية، مخوّلة ببحث مثل طلب نتنياهو، أم إنّ ذلك سيؤجل إلى حين تشكيل هذه اللجنة، بعد بدء الكنيست بالعمل بشكل كامل؟ وفي هذه الحالة؛ إذا أعلن المستشار عدم أهلية نتنياهو لتشكيل حكومة، فلن يتمكن من الحصول على الحصانة.  


مصدر الترجمة عن العبرية: معاريف

https://www.maariv.co.il/journalists/opinions/Article-731068

https://www.maariv.co.il/news/politics/Article-731892

https://www.maariv.co.il/journalists/Article-730979



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية