إخوان تونس بين السقوط الشعبي ومحاولات العودة الناعمة

إخوان تونس بين السقوط الشعبي ومحاولات العودة الناعمة

إخوان تونس بين السقوط الشعبي ومحاولات العودة الناعمة


06/05/2025

رغم الخيبات السياسية والانكسارات الانتخابية، يسعى إخوان تونس إلى العودة إلى المشهد العام بكل الوسائل الممكنة، إذ يلوّحون بخطاب ديمقراطي زائف ويحاولون إعادة تدوير أنفسهم عبر واجهات جمعياتية ومدنية، في محاولة يائسة لاستعادة موقعهم المفقود.

فبعد أن لمس الشارع التونسي تبعاته الكارثية على الدولة والمجتمع لفظ مشروعهم، لكنهم لا يزالون يراهنون على تشتت المعارضة، محاولين لفت الانتباه إعلاميًا بتحركات مشبوهة وخطابات ضبابية، تارة باسم الحريات وتارة أخرى باسم التوافق. 

اللعب على ورقة المظلومية

مجددا، يحاول الإخوان العزف على أوتار المظلومية، عبر رسائل مشحونة بالعواطف، هدفها استدرار تعاطف الشارع التونسي، حيث توجه الإخواني البارز نائب رئيس حركة النهضة، علي العريض، قبل صدور الأحكام في قضايا مصيرية أبرزها ملف التسفير، برسالة إلى أنصاره، تضمنت جمل يائسة وعبارات استعطافية، زاعما فيها براءته من قضية التسفير إلى بؤر التوتر.

وقال العريض، في رسالته التي نشرتها حركة النهضة الإخوانية: “لقد حرصت طوال ممارسة مهامي على احترام الدستور والقوانين والمؤسسات، وعلى الإخلاص للشعب والوطن والمؤسسات الشرعية، ومؤمنا بأن الدولة فوق الأحزاب والمنظمات والجمعيات”.

واعتبر العريض أن الشكوى المقدمة ضده هي “جزء من عملية منظمة لترسيخ سردية مضللة تُحِلّ الحكم على النوايا محلّ الحكم على الحقيقة، وأوّل وأكبر ضحاياها هي الحقيقة باغتيالها والتاريخ بتزويره، وثاني أكبر ضحية هي أنا بما نالني وما يزال من تشويه وظلم وجحود”.

في السياق، يعتبر الناشط والمحلل السياسي التونسي نبيل غواري أن العريض يتقن اللعب على أوتار المظلومية ويستخدم الأسلوب ذاته لتنظيم الإخوان لكسب تعاطف التونسيين خاصة مع اقتراب النطق بالأحكام في قضية التسفير.

نائب رئيس حركة النهضة: علي العريض

وأكد غواري لموقع "العين الإخبارية" أن العريض شغل سابقا منصبي وزير الداخلية (بين 2011 و2013) ورئيس حكومة (بين 14 آذار / مارس 2013 إلى 29 كانون الثاني / يناير 2014 )، وخلال تلك الفترة وبتسهيلات منه ومن راشد الغنوشي والإخواني حمادي الجبالي (رئيس حكومة أسبق) تم تسفير 2850 من شباب تونس إلى سوريا للانضمام لصفوف تنظيم داعش الإرهابي.

ومنذ سقوط مشروعهم، تبنّى إخوان تونس خطاب المظلومية، وباتوا يتحدثون عن محاكمات سياسية وتضييق على الحريات، محاولين كسب تعاطف دولي يضغط على الدولة لإعادة إدماجهم في المشهد، ويركزون على بعض الإيقافات القضائية في صفوف قياداتهم لترويج فكرة "الاضطهاد". متجاهلين التهم الموجهة إليهم بالفساد والإرهاب. 

ورغم تكرار الرواية بات الرأي العام أكثر وعيًا بطبيعة هذا التكتيك، والدولة تعتمد على مسار قانوني شفاف لتفنيد هذه الادعاءات وكشف حقيقة من يحاول الاحتماء بالادعاء.

المتاجرة بمآسي الشعب

هذا لم يفوت إخوان تونس حادثة انهيار سور معهد ثانوي بمدينة المزونة التابعة لمحافظة سيدي بوزيد (وسط غرب)، ومصرع 3 من الطلاب، منتصف نيسان / أبريل الماضي، لتأجيج الفوضى واللعب على وتر الحزن المخيم في مثل هذه الأحداث الأليمة.

وخلال احتجاجات شهدتها المنطقة تنديدا بوضعية بعض المؤسسات التعليمية، حاول الإخوان الاندساس في الحشود، لكن الأهالي كانوا لهم بالمرصاد وتم طرد اثنين من حركة النهضة الإخوانية لمنع أي استثمار سياسي في المآسي، وفقا لما نقله موقع "العين الإخبارية".

يحاول الإخوان العزف على أوتار المظلومية عبر رسائل مشحونة بالعواطف هدفها استدرار تعاطف الشارع التونسي

ويرى مراقبون للمشهد السياسي التونسي أن الإخوان يعملون على تأجيج الأوضاع مستغلين كل الظروف من أجل إثارة البلبلة والفوضى في البلاد.

كما يعتمدون على بث الإشاعة التي يعتبرونها سلاحا لنشر الفوضى لخلق أرضية جديدة للعودة للحكم، حيث يعولون على تحويل حالة الغضب المؤقت والحزن البشري لرفض سياسي مفتعل.

يتصدرون الحملات الإعلامية حول القضايا الاجتماعية، وينشئون منصات تبكي على "الكرامة المهدورة" و"الفقر المنسي"، دون تقديم حلول حقيقية. يهمهم فقط استثمار الألم لا معالجته، لاستعادة شرعية شعبية فقدوها بالخذلان.

حتى الكوارث الطبيعية أو الانقطاعات العامة تُستغل لإدانة الدولة، وتحميلها مسؤولية ما هو أعمق وأعقد. يسوّقون أنفسهم كبديل إنساني، فيما هم رأس المنظومة التي فشلت في التنمية والعدالة.

لكن هذا الخطاب بدأ يفقد تأثيره، بعدما أدرك التونسيون أن من يتاجر بآلامهم لا يملك مشروعًا حقيقيًا. 

تأليب الرأي العام على الدولة

وكثيرا ما سعى الإخوان إلى تأليب الشارع ضد مؤسسات الدولة، متّهمين السلطة الحالية بالفشل الاقتصادي والتضييق على الحريات، حيث اختلقوا أزمات إعلامية، ووجهوا حملات تشويه ضد القضاء والأمن، ساعين لإرباك المشهد وإضعاف ثقة المواطن بالدولة.

ووظفوا شبكات التواصل الاجتماعي لنشر الإحباط واليأس، واستهدفوا الفئات المهمشة، محاولين إقناعها بأن تراجع الوضع ناتج عن "انقلاب" على ديمقراطيتهم المزعومة، وذلك بهدف صناعة رأي عام غاضب يُمهّد لعودتهم.

وظف الإخوان شبكات التواصل الاجتماعي لنشر الإحباط واليأس، واستهدفوا الفئات المهمشة، محاولين إقناعها بأن تراجع الوضع ناتج عن "انقلاب" على ديمقراطيتهم المزعومة

هذه المحاولات تجد صدى لدى بعض الجهات السياسية التي لا تمانع التحالف معهم مرحليًا، في إطار ابتزاز السلطة أو السعي لتحقيق مكاسب انتخابية، لكن الشارع لم ينسَ سنوات التمكين والفشل.

العودة عبر الواجهات الجمعياتية والمدنية

وبعد تصنيفهم كتنظيم خطير ومشبوه، تخلى إخوان تونس عن واجهتهم الحزبية المباشرة، ولجأوا إلى الجمعيات المدنية كأداة بديلة. أسسوا كيانات تنشط في مجالات حقوق الإنسان، الإعلام، وحتى الأعمال الخيرية، في محاولة لتبييض صورتهم وبث رسائلهم بطرق غير مباشرة.

وتعمل هذه الجمعيات كقنوات لتمرير خطابات الإخوان، خصوصًا في الفضاء الرقمي، حيث تُروّج لأطروحاتهم تحت غطاء "الحرية" و"المظلومية". يعتمدون على وجوه جديدة غير محسوبة على النهضة مباشرة، لإخفاء الصلة التنظيمية الحقيقية.

يهدف هذا التكتيك إلى تضليل الرأي العام واستمالة الشباب والنخب الباحثة عن التغيير، مع الحفاظ على درجة من "الشرعية" الشكلية. لكن المتابعين يرصدون بوضوح الروابط التنظيمية والتمويلات المشبوهة التي تكشف زيف هذه الواجهات.

ورغم محاولات التنكر، فإن الجهات الرقابية بدأت تتعقب أنشطة هذه الجمعيات، وتلاحق مصادر تمويلها الأجنبية المشبوهة. 

كما أن الدولة تدرك أن هذه الواجهات ليست سوى امتداد لمشروع تمّ لفظه شعبيًا، لكنه يبحث عن مدخل خلفي للعودة.محاولاتهم المستمرة لإعادة التموقع، فإن إخوان تونس باتوا مكشوفين أمام الرأي العام، خصوصا أن المشهد التونسي تغير، ولم يعد يقبل العودة إلى الوراء.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية