أيّ مستقبل للبنان بعد "احتواء" حزب الله؟

أيّ مستقبل للبنان بعد "احتواء" حزب الله؟

أيّ مستقبل للبنان بعد "احتواء" حزب الله؟


06/01/2025

ترجمة: محمد الدخاخني

قد لا يكون لبنان مركز الاهتمام بالنسبة إلى العديد من البلدان في الشرق الأوسط أو على المستوى الدولي هذه الأيام، على الرغم من الصراع الأخير بين إسرائيل وحزب الله. ومع ذلك، فإنّه سيكون في قلب التغييرات الجيوسياسية التي تجتاح بلاد الشام. فأيّاً كان ما يحدث إقليمياً - من استقطاب أو صراع أو مصالحة - يميل إلى الانعكاس في لبنان بطريقة مُركَّزة.

ومن غير المرجح أن يتغير هذا قريباً.

واليوم، شَهِدَت بلاد الشام، التي تعني تقريباً سوريا ولبنان وفلسطين الجغرافية، تحولاً راديكالياً في علاقات السلطة. فبينما كانت إيران سلطة مهيمنة في سوريا ولبنان لأكثر من عقد من الزمان، أكدت تركيا وإسرائيل هيمنتهما هناك، عسكرياً أو سياسياً، في غضون (3) أشهر.

وبالنسبة إلى الولايات المتحدة، التي طالما اعتُبر أنّها في طريقها للخروج من الشرق الأوسط، فإنّ هذا يُشكِّل مكسباً كبيراً. فالآن، يهيمن اثنان من حلفائها، أحدهما شريك في حلف شمال الأطلسي، على ساحل شرق البحر الأبيض المتوسط، في حين دُفِعَت إيران، التي سَبَق وتفاخر أحد رجال الدين فيها بأنّ طهران تسيطر على (4) عواصم عربية، إلى الحدود العراقية.

في لبنان، وعلى الرغم من الهراء الذي يروّج له أعضاء اليمين السياسي الأمريكي المؤيد لإسرائيل بأنّ إدارة الرئيس جو بايدن منعت إسرائيل من تدمير حزب الله، فقد قَبِل الحزب وإيران فعلياً بالاستسلام في تشرين الثاني (نوفمبر). وقد حصلت إسرائيل على الضوء الأخضر لمواصلة مهاجمة حزب الله إذا فشل في نزع سلاحه، وتُشرِف على هذه العملية الآن لجنة يقودها جنرال أمريكي.

الرئيس الأمريكي: جو بايدن

وفي غضون (9) أيام من الممكن أن تدفع الولايات المتحدة باتجاه انتخاب قائد الجيش اللبناني الجنرال جوزيف عون رئيساً. وهذا من شأنه أن يعطي القوات المسلحة دفعة كبيرة لملء الفراغ الذي تركه حزب الله بعد هزيمته على يد إسرائيل. وقد حافظ الجنرال عون على علاقات وثيقة مع الأمريكيين، وأظهر استعداده للوقوف في وجه حزب الله.

من المتوقع أن تلعب تركيا دوراً رئيساً في سوريا. وفي إشارة ملحوظة إلى الثقة، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مؤخراً أنّ أنقرة ستساعد القيادة السورية الجديدة في إعادة هيكلة إدارتها وصياغة دستور جديد. وقد أدى التدخل التركي إلى شعور الطائفة السُنِّية في سوريا بالدعم من جديد، وهو الشعور الذي سيخلف تداعيات في لبنان.

وقد وقع حزب الله في الوسط من كل هذا. فما زال الحزب يحتفظ بما تبقى من أسلحته، ولكن لأيّ غاية استراتيجية؟ ففي مواجهة التحالفات التي عارضت فتحه لجبهة مع إسرائيل، أصبح الحزب أكثر عزلة من أيّ وقت مضى. كما أنّه فقد عمقه الاستراتيجي في سوريا وخطوط إمداده الأكثر وضوحاً بالأسلحة من إيران والعراق، وهذا من شأنه أن يستلزم إعادة موازَنَة دوره في الداخل، حيث تبخَّرت احتمالات هيمنته.

إنّ الشعور بالتهميش الذي دام عقدين من الزمان بين العديد من أفراد الطائفة السُنِّية، بعد اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في عام 2005، لا شكّ سينقلب. ولكن في أيّ اتجاه؟ فما زالت الطائفة السُنِّية تفتقر إلى زعيم موحِّد، وما زال من غير الواضح ما إذا كانت تركيا قادرة على فرض نفوذها على لبنان في مواجهة العلاقات القوية تقليدياً بين السكان السُنِّة في لبنان والدول العربية الكبرى. وفيما هو أبعد من بلاد الشام، قد تستمر إعادة رسم المنطقة.

وفي حين تعهد الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بإنهاء الحروب الأمريكية في العالم، ترسل إدارته رسالة مختلفة تماماً في الشرق الأوسط. فسواء كان المرشح لمنصب وزير الدفاع بيت هيغسيث، أو منصب وزير الخارجية ماركو روبيو، أو منصب مستشار الأمن القومي مايك والتز، أو منصب السفير الأمريكي في إسرائيل مايك هاكابي، فإنّهم جميعاً من المؤيدين المتحمسين لإسرائيل، وبالتالي قد يتبنون مشروعاً إسرائيلياً لتغيير النظام في إيران.

الرئيس الأمريكي المنتخب: دونالد ترامب

وعلاوة على ذلك، أصبحت إيران أكثر عرضة للخطر من أيّ وقت مضى. ومع تحييد اثنين من حلفائها في محور المقاومة عسكرياً، ومع الاعتقاد بأنّ أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية تضررت بشكل خطير في الهجوم الإسرائيلي على إيران في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، فقد يرى مؤيدو إسرائيل في واشنطن فرصة لشن هجوم بالتوازي مع إسرائيل.

وربما يُفضِّل بعض الممولين الرئيسين لترامب، ولا سيّما ميريام أديلسون، التي منحت حملته (100) مليون دولار، مثل هذه النتيجة. فقد موَّلت أديلسون وزوجها الراحل المرشحين الجمهوريين لفترة طويلة، وأيّدا حملة ماركو روبيو الرئاسية في عام 2015، وبالتالي فهي تتمتع بحلفاء أقوياء في الإدارة الجديدة.

وإذا اضطر ترامب إلى اتخاذ مثل هذا الطريق، فمن الممكن أن تجد المنطقة نفسها تحت "سلام أمريكي" جديد، حتى لو كان هناك عدد لا حصر له من التعقيدات المحتملة التي من شأنها أن تُقوِّض مثل هذه الخطة الدقيقة. وفي هذه الحالة قد ينشأ عن هذا في الواقع تنافس متزايد بين تركيا وإسرائيل، حيث سوف تسعى كل دولة إلى تأكيد هيمنتها في منطقة متغيرة.

سوف يكون لبنان في قلب مثل هذه الصراعات على النفوذ. وربما لم يعد حزب الله يُشكِّل تهديداً كبيراً لإسرائيل، ولكن إذا ما شُلّ نفوذ إيران الإقليمي، فسوف يضطر الحزب إلى تبنّي نظرة جديدة في الداخل بشكل راديكالي. وفي مواجهة طائفة سُنِّية تجدَّد نشاطها، قد لا يكون أمام الحزب سوى خيارات قليلة غير الانخراط في عملية إعادة تموضع طائفية غير متوقعة، على سبيل المثال العمل نحو تحالف مع الأحزاب المسيحية المارونية.

وتظل كل الاحتمالات مفتوحة في الفترة المقبلة، بعد عقد ونصف من الانتفاضات العربية التي وقعت في 2010-2011. والتغيير قد يجلب الأمل، على الأقل في الشرق الأوسط، ولكنّه قد يجلب أيضاً توترات ومخاوف جديدة، ومن المتوقع أن يشهد لبنان كل هذا.

المصدر:

مايكل يونغ، ذي ناشيونال نيوز، 1 كانون الثاني (يناير) 2025

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية