تظل أوراق وكيل الإخوان أحمد السكري ومذكراته من أهم الكتابات الناقدة لحسن البنا، فهي من صديق مقرب، ومؤسس مشارك في كل ما جرى حتى العام 1946 حينما صدر قرار بفصله، ورغم اختفائها بفعل فاعل لكي تظل صورة المرشد ناصعة، فإنه وقعت بين أيدينا منها هذه الورقات.
تعد أوراق وكيل الإخوان أحمد السكري ومذكراته من أهم الكتابات الناقدة لحسن البنا
فتنة عبدالحكيم عابدين
لقد ضرب البنا عرض الحائط بكل ما أُشيع عن زوج أخته عبدالحكيم عابدين، الذي اتهم بـ(التحرش)، وأصدر القرار رقم 5 لسنة 1947 بفصل أحمد السكري، وكان لهذا القرار، وتعيين صهره المتهم وكيلاً للجماعة بدلاً من الأول، ردود فعل قوية؛ فنشر السكري صديق البنا العديد من المقالات في جريدتي "صوت الأمة" و"مصر الفتاة"، وتبعه الكثير من أعضاء الجماعة الذين أيدوا موقفه.
أرفق أحمد السكري في مقالاته التحقيقات التي جرت مع عابدين، وأوراق إبراهيم حسن، الذي تحدث فيها تفصيلياً عما جرى، وكان سبباً مباشراً فيما بعد لإقالته من الجماعة.
يقول إبراهيم حسن بتصرف، تحت عنوان "نص تقرير مكتب الإرشاد بشأن عبدالحكيم عابدين والتحقيق معه الذي شمل علاقاته النسائية":
"منذ عرفت الدعوة ونحن قلب واحد، حتى عام 44 حين نزغ الشيطان بيننا فبدّل الأُلفة فرقة وأضعف الثقة فرانت القلوب وصدأت النفوس، وسأشرح ذلك تباعاً، ففي يوم من الأيام لاحظت غياب الأخ عبدالحكيم عابدين وتعيين الأستاذ عبده قاسم مكانه كسكرتير للجماعة، وسألت البنا فقال عابدين سيكون معي في أعمالي الخاصة، فلم أراجعه في ذلك لفرط الثقة، رغم أنني كنت وكيل الجماعة آنذاك، وتوالت الاجتماعات على هذا النحو حتى كنا باجتماع، وأشار إلينا المرشد بالبقاء، أنا والأستاذ أحمد السكري، أمين إسماعيل، والأستاذ محمد شريف، ومحمد سليمان، وسالم غيث، وصالح عشماوي.
عرض علينا البنا أنّ بعض الإخوة يشتكون من عابدين لاعتدائه على أسرهم، وجرح كرامتهم، وظننا جميعاً، أنا والسكري، أن الأمر لا يعدو كونه أن المرشد يريد أن ينقله من السكرتارية، إلا حينما استوقفنا أكثرنا رزانة وهو أمين إسماعيل وقال لماذا تعالجون الأمور بكل هذه السطحية؟، مطالباً بفصل عبدالحكيم!
حاولنا إصلاح الأمر، إلا أنّ غيث قال إنّ عابدين اعتدى على بيوت الإخوان، واقترح المرشد إخراج عابدين والإخوة الثائرين الأربعة عليه من مكتب الإرشاد، وجعله 12 بدل عشرين، وفشل الحل، وزادت الأزمة عن المعتاد، فاقترح التحقيق، وكان من اللجنة الأستاذ حسين بك عبدالرازق، الذي وضع أصبعيه في أذنيه من هول ما سمع، وانتهت الجلسة ونحن في أشد الحزن والكآبة، وعجز عابدين في الليلة الثانية والثالثة عن الدفاع عن نفسه وارتمى في الأرض يضرب هنا وهناك، واستمعت اللجنة في تحريها لآخرين وتأكد لها صحة الاتهامات، مقررة فصل الرجل، لكن المرشد رفض وقال: لو أجمع الأعضاء كلهم على فصله فلن أوافق، وسأحتكم للهيئة التأسيسية، وإذا خذلتني الهيئة سأحتكم للمكاتب الإدارية والشعب.
كوّن البنا لجنة جديدة كان عضواً فيها الشيخ محمد فرغلي، وطاهر خشاب، وبدأت عملها في 21 يناير 1946، وكان الجميع يرددون أن القضية هي قضية المرشد وأي هزيمة هي هزيمة له، لكنها خلصت لإجرام عبدالحكيم عابدين، إلا أنّ المرشد قرّر تبرئته حفاظاً على الجماعة، وجاء قائد إحدى الشعب وقال لماذا برأتموه وعندي الكثير من الأدلة؟ فسمعت منه أشياءً يعف اللسان عن ذكرها، وذهبت للمرشد فوجدته مع الأستاذ السكري وحسين بك عبدالرازق، الذي قال أنا أعرف عن عابدين ما هو أشنع، وتعهد المرشد بإبعاده عقب أن هدأت الفتنة، ونشر عبدالحكيم عابدين استقالته فيما بعد في جريدة الحوادث، وكان بها شتم وتجريح في الجماعة، وانتظرت من المرشد أن يرد فلم يفعل، فرددت أنا، وهدّد البنا باتخاذ إجراءات ضد جريدة الحوادث ولم يحصل، وأبرزت الجريدة أنّ لديها مستندات وستدافع عن نفسها، وكثر القيل والقال، وقلت للبنا لقد انهدمت الثقة بيني وبينك، لكنني لا أريد أن أكون معول هدم، فجمع البنا الهيئة التأسيسية، وقال إن عبد الحكيم بريء، فقلت له هل هو بريء فعلاً أم مجرم؟ فقال هو مجرم لكن الأمر لا يحتمل سوى ذلك، واجتمعت الهيئة مرة أخرى لأخذ المشورة لتحويل جمعية الإخوان إلى حزب سياسي واقترح البنا أن يكون في ظلال الحزب الوطني ولم يحصل فيما بعد أي شيء، وقدّمت استقالتي".
السكري يثور ويفضح المرشد
في 11 تشرين الأول (أكتوبر) العام 1947، نشرت جريدة "صوت الأمة" مادة بعنوان "وكيل عام الإخوان المسلمين يفضح تآمر الشيخ حسن البنا"، كان مما جاء في التقرير الطويل بقلم السكري: "أردت أن تبطش بأخيك الذي عاش معك أكثر من ربع قرن، عرفك بالمحمودية وأنت لم تتجاوز الرابعة عشرة من عمرك، واستعان بك أول الأمر في الدعوة المباركة، حتى إذا ما صلب عودك وأتممت دراستك وزاولت عملك في الإسماعيلية، وأنشأت فيها شعبة أخرى، وفتح الله لك القلوب وتعددت فروع الجماعة، آثرك على نفسه، وبايعك على الرياسة وطلب إلى الناس أن يبايعوك".
يؤكد هنا السكري على الحقيقة التاريخية، أنه هو من أنشا جماعة الإخوان حينما كان البنا شبلاً في الرابعة عشرة، وحينما اشتد له العود أخذ له البيعة من الناس، وبعدها انتقل إلى الإسماعيلية.
يقول السكري: "تقدمت إليك بالدواء وأرجو به الإنقاذ والشفاء، فأخذتك العزة وأشحت بوجهك، وقرّبت إليك أهل الفساد ورميت بالدعوة في أحضان السياسة، وضحيت بأهل الرأي والإخلاص والسداد، وتبعت ذلك مقالات عدة بقلم وكيل جماعة الإخوان المفصول.. لقد أدمى قلب كل مسلم ما اضطررت لنشره من المخازي الأليمة والتصرفات الشائنة التي لم يكن ليخطر على بال إنسان أن يمثل دورها رجل نصّب نفسه للدعوة الإسلامية (يعني البنا). وهذا الرجل الذي تعاون معي وتعاونت معه، هو الذي تنكّر لها وغرّه متاع الدنيا وزخرفها، واستبد وحده بالرأي دون الإخوان.
شرح السكري أسباب الخلاف بينه وبين مرشد الجماعة ومنها الفساد الخلقي والمالي
شرح السكري أسباب الخلاف الوجيهة بينه وبين مرشد الجماعة قائلاً: لقد شرحت أسباب الخلاف، التي منها الفساد الخلقي التي سارت به الركبان وتستر عليه الأستاذ البنا، ورضي عنه واعترف به اعترافاً، ولعمر الحق كيف يتسنى لهم أن يطهّروا غيرهم قبل أن يتطهروا.
كما ذكرت أن من أسباب الخلاف تخبّطه في السياسة تخطباً أنساه حقوق الدعوة ومبادئها وانزلق في مهاوٍ كنا نستعيذ الله منها، وخيب آمال الناس في هذه الدعوة، وسأترك المسائل الخلافية لأريح أنوف الناس من روائحها الخبيثة، ثم كيف تأرجحت (دعوة الإخوان) وتذبذبت وساءت سمعتها في كل مكان رغم هذا الطبل الأجوف والدعايات الزائفة التي يموه بها الأستاذ البنا على الناس؟ وكيف أخذت الدعوة في التدهور والانحلال بسبب تصرفاته وتخبطه المستمر، وإني على يقين أن الله سيعيدها سيرتها الأولى على أيدي الأطهار الصادقين الذي طوح بهم البنا لوقوفهم في وجهه نزواته وشهواته.
يحكي السكري عن شعارات البنا الخادعة، قائلاً: "خطب البنا مرة فينا فقال: في الوقت الذي يكون منكم معشر الإخوان ثلاثمائة كتيبة، اطلبوني أن أخوض بكم لجج البحار، وأختم بكم عنان السماء، وأغزو بكم كل عنيد جبار! فماذا فعل وقد كان لديه ألف وخمسمائة شعبة لا يقل متوسط الشعبة الواحدة عن 200 شخص.. ماذا فعلت هذه الأرقام لخير الوطن المنكوب.. اللهم لا شيء غير ممالأة الأعداء ومناوأة الأحرار والتهاون في حقوق الوطن والتقلب في أحضان السياسة".
اقرأ أيضاً: أسرار حوارات القيادي الإخواني أبو شقة مع حسن البنا وأعضاء النظام الخاص
المرشد الكذاب
تتابعت كتابات السكري، وفي مقال (المرشد الكذّاب) يقول: كان البنا يموه على الإخوان ويختلق لكل فئة لوناً خاصاً من التمويه حتى إذا ما ألح عليه السائلون ثار ونفر، ثم أدبر واستكبر. وقال إن السكري يميل إلى الوفد ونحن نريد أن نحاربهم لأنهم أعداؤنا ويجب القضاء عليهم.
انظر إلى أسلوب الحرب الذي يستخدمه الإخوان مع خصومهم السياسيين، فللبنا موقف متناقض من رجال الوفد بعد خروجهم من الحكم وقبله يخالف أبسط مبادئ الإسلام بل أبسط مبادئ الرجولة والشرف. وكان هو من يستحثني على مقابلة رجال الوفد حين كانوا في الحكم وقابلنا جميعاً النحاس باشا رئيس الحكومة.
بل كتب البنا بخط قلمه في مجلة الإخوان 12 / 7 / 1943 وقال: "لست أنسى ليلة 24 من رمضان إذ شرفنا بزيارة صاحب المعالي فؤاد سراج الدين باشا. وتناول الحديث الإخوان ودعوتهم وموقفهم. كان فيها يحاكم المسائل بروح القاضي العادل والمحقق المنصف"، إن هذا يبين إلى أي مدى كان يتملق إلى رجال الوفد، يوم كان بيدهم السلطة والسلطان، وإلى أي مدى كان تمسحه في أعتابهم. ثم كيف تنكر لهم الآن وقلب لهم ظهر المجن واستخدمه رجال العهد الحاضر ليكون مخلب قط لإثارة الفتن والخصومات بين أفراد الأمة. وهذا ليشغل الناس بالمشاغبات والخصومات الشعبية عن قضية الوطن الكبرى ويستحث صنائعه وأذنابه لإذكاء الفتنه وضرب الناس بعضهم ببعض.
أكد السكري أنّه هو من أنشأ جماعة الإخوان حينما كان البنا في الرابعة عشرة
اليهود يدعمون الجماعة
يكمل السكري عن تقلبات البنا والجماعة الدائمة وعملهم ضد الأوطان، لدرجة تلقيهم التبرعات من اليهود، بالقول: "يقول البنا لمجلة "الاثنين" 24 / 11 / 1947: "إن له أصدقاء كثيرين من مختلف المذاهب والأديان يبادلهم الحب والاحترام ويكثر تبادل الزيارات معهم وهو صديق شخصي لكثير من الأساقفة والمطارنة الأقباط. ونسي أن يذكر للمجلة أن له أصدقاء من مواطنينا اليهود كذلك، وعلى رأسهم التاجر الشهير (حاييم دره) الذي تفضل فتبرع بمبلغ كبير من ماله سلّمه له بالإسكندرية لمساعدة الإخوان هناك. وأشاد بكرم حضرة المتبرع وبفضل اليهود وعراقة الدين اليهودي ومجده التليد ونشرت جريدة الإخوان ذلك..
إنّ ذلك لم يستوقفني؛ فحسن المعاملة بيننا وبين مواطنينا واجب إسلامي، لكني أتساءل هنا ما دام البنا يقول: إن له أصدقاء كثيرين من الأساقفة والمطارنة الأحبار يبادلهم الحب ويكثر من زيارتهم؛ فما باله يثور كل الثورة ويرغي ويزبد حين رأيت من واجبي أن أرد تحية معالي مكرم باشا وأشكره على مجاملته المتكررة لنا في كل مناسبة. وقد عقد مكتب الإرشاد اجتماعاً ليقرر لومي على هذا الشكر لمكرم باشا، بل ويلغي المكتب سفري لأمريكا رئيساً لوفد الإخوان!
بل أتساءل إن كان للبنا أصدقاء من الأحبار والرهبان يبادلهم الحب ويكثر زيارتهم فما باله يثور كل الثورة، ولماذا يريد أن يحرم على أحمد السكري صلته الشريفة ببعض رجال الوفد والذين كان يتملقهم فضيلته أيام كانوا في الحكم، ويخاطبهم بنفسه كما هو منشور في جريدة الإخوان بقوله: أنتم صفوة رجال هذا البلد الأمناء على حقوقه المسؤولين عن مستقبلهم!.
التشكيك في الذمة المالية للمرشد
يشكك السكري في ذمة البنا المالية فيقول فاضحاً نفعية الرجل: "الشيخ الكذاب، أثار سخريتي ذلك الخبر الذي نشره أمس في جريدته، وقد نشره فوق كل الأخبار المهمة، بما في ذلك أخبار وزير الدولة ووزير العدل. وفحوى هذا الخبر: صاحب المقام الرفيع النحاس باشا أمر بتعيين أحمد السكري محرراً بجريدة صوت الأمة براتب شهري قدره 60 جنيهاً! ولست أريد أن أفيض في الرد على هذا الفرية، لكن البنا أسدى إليَّ جميلاً بنشر هذا الخبر الكاذب لأنّه كشف رسمياً للملأ عن نوع السلاح الذي يرد به على هجماتي عليه، وقد كنت حريصاً على ألا أتعرض لناحية حياته الشخصية وكيف يعيش؟ ومن أين يعيش؟ ولأن يعمل الإنسان فيأكل من كسب يده خير أم يعيش الرجل من الصفقات السياسية والتضحية بإخوانه الأحرار والاتجار بدعوته في سوق المساومات الحزبية على حساب المبادئ الوطنية".
ويكمل السكري شهادته: "أقام البنا احتفالاً بذكرى المولد النبوي بجوار منزلي تحدياً وتشفياً من الذين ثاروا للحق وكشفوا الباطل، وجوالته تتسلح بالعصي وتربّصوا بأحد الإخوان الأطهار الذي واجه البنا بحقائق دامغة ونطق بالحق فأوسعوه ضرباً وتركوه بين الحياة والموت، وكل ذلك والميكروفون يردد كلام البنا عن الإسلام ومكارم الأخلاق، ويفعل رجاله ما يفعلون في الظلام كأشد ما يتصوره قطاع الطرق والعصابات.
يضيف السكري: "نسي البنا مبادئ الدعوة وانزلق وأنصاره في دنيا الجاه والمناصب والشركات وغرق في تيار السياسة، وأصبح من كان يسبّح بحمدهم بالأمس أعداء ألداء يحاربهم كما يحارب المستعمرين، بل أصبح يتنكر لمن يقرئهم السلام أو يقابلهم بحكم الصدفة".
نسي البنا مبادئ الدعوة وانزلق وأنصاره في دنيا الجاه والمناصب والشركات وغرق في تيار السياسة
وفي مقاله الثالث بعنوان: "كيف انزلق الشيخ البنا بدعوة الإخوان؟" يقول السكري:
"لقد شرحت أسباب الخلاف الحقيقية، ومنها هذا الفساد الخلقي الذي سارت به الركبان، وتستر عليه الأستاذ البنا، وسكت عنه ورضي به بعد أن قامت الأدلة عليه واعترف هو به اعترافاً تاماً، ولعمر الحق كيف يتفق هذا وشأن رجل أو قوم يدعون أنهم يريدون نشر الإسلام. وكيف يتسنى لهم أن يطهّروا غيرهم قبل أن يتطهروا أو يصلحوا الناس قبل أن يصلحوا أنفسهم؟.. إن فاقد الشيء لا يعطيه كما يقول المناطقة والفقهاء.. كما ذكرت فى بياناتي السابقة أيضاً أن من أسباب هذا الخلاف تخبطه فى السياسة تخبطاً أنساه حقوق الدعوة ومبادئها، وانزلق بها إلى مهاوي كنا نستعيذ بالله منها، مما خيب آمال الناس فيه، وظنوها سلعة تباع وتشترى، وأرجوحة بين أيدي العابثين".