أكبر تحدٍ للاستخبارات الأمريكية... تقرير جديد يكشف سبب "متلازمة هافانا"

أكبر تحدٍ للاستخبارات الأمريكية... تقرير جديد يكشف سبب "متلازمة هافانا"


03/02/2022

يحاول أطباء وعلماء ورجال مخابرات ومسؤولون حكوميون الوصول إلى أسرار "متلازمة هافانا"، وهو مرض غامض أصاب دبلوماسيين وجواسيس أمريكيين.

البعض يعتبرها عملاً من أعمال الحرب، ويتساءل آخرون عمّا إذا كانت شكلاً جديداً وسرّياً من المراقبة، ويعتقد البعض أنّ الأمر برمّته قد يكون مجرّد تهيُّؤات، إذن ما السبب، أو من وراء ذلك؟

إصابة (4) دبلوماسيين أمريكيين يعملون في جنيف وباريس، أعادت متلازمة "هافانا" إلى الواجهة

وغالباً ما يبدأ المرض بصوت، يصفه الناس بـ"الطنين"، و"طحن المعدن" و"الصرير الثاقب للأذن"، ثم يتبعه صداع مزمن، وفقدان الذاكرة في بعض الحالات.

إصابة (4) دبلوماسيين أمريكيين يعملون في جنيف وباريس منتصف شهر كانون الثاني (يناير) الماضي بأعراض ما يُعرف بـ"متلازمة هافانا"، أعادت المرض إلى الواجهة، ودفعت وكالات أنباء عالمية والعديد من الصحف للحديث عن المعضلة التي لم يجد الكثير من أجهزة الاستخبارات أيّ تفسيرات منطقية لها.

إقرأ ايضاً: ارتفاع الاصابات بمتلازمة هافانا بين الدبلوماسيين الأمريكيين... ما القصة؟

ظهر هذا المرض الذي يصيب الدبلوماسيين الأمريكيين والكنديين حول العالم في كوبا عام 2016، وما يزال سببه مجهولاً.

وقالت صحيفة "لوموند"  (Le Monde)الفرنسية في تقرير لها: "إنّ أجهزة الاستخبارات الأمريكية لم تتمكن حتى الآن من كشف سبب هذا المرض الغامض، أهو هجوم بالموجات فوق الصوتية، أو ذهان مشترك، أو غير ذلك"؟.

وأبرزت الصحيفة أنّ هذا اللغز اتخذ في باريس أيضاً شكل صداع ودوخة، وفي بعض الأحيان أدى إلى فقدان الذاكرة، وهي المظاهر النموذجية لمتلازمة هافانا، كما يُطلق على هذا الاضطراب العصبي الغامض الذي يستهدف الدبلوماسيين الأمريكيين والكنديين حصرياً دون غيرهم.

لوموند: أجهزة الاستخبارات الأمريكية لم تتمكن حتى الآن من كشف سبب هذا المرض الغامض، أهو هجوم بالموجات فوق الصوتية أو ذهان مشترك

وأضافت أنّ صحيفة "وول ستريت جورنال"  (The Wall Street Journal) الأمريكية كشفت عن (3) حالات جديدة في جنيف وواحدة في العاصمة الفرنسية، يعود تاريخها جميعاً إلى صيف عام 2021.

وأوضحت أنّ سفارة الولايات المتحدة بالعاصمة الفرنسية هي مبنى ضخم شديد التحصين يقع على بعد مئات الأمتار من قصر الإليزيه، مشيرة إلى أنّ بريداً إلكترونياً أرسل إلى جميع العاملين في هذه السفارة لتشجيعهم على الإبلاغ عن أيّ أعراض.

إقرأ أيضا : واشنطن تستعد لـ"عزل" موسكو بقائمة عقوبات طويلة... أهي الحرب أم التهدئة؟

ولفتت الصحيفة إلى أنّه يستحيل معرفة ما إذا كان قد تمّ تحديد حالات أخرى ذات مصداقية، ونقلت في هذا الإطار عن المسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية كولتون بي قوله عبر البريد الإلكتروني: "لأسباب تتعلق بالسرّية والأمن، لا يمكننا مناقشة التفاصيل أو عمليات السفارة فيما يتعلق بالحوادث الصحية الشاذة "إي إتش آي" (AHI)  لكنّنا نأخذ كلّ تقرير على محمل الجد، ونعمل على ضمان حصول الموظفين المتضررين على الرعاية والدعم الذي يحتاجون إليه".

الاستخبارات الأمريكية تحدثت عن حوالي (1000) إصابة في بلدان شتى حول العالم، من أستراليا إلى تايوان، مروراً بعدة دول أوروبية مثل النمسا وألمانيا وصربيا

وذكر أنّ عدد المتضررين يبلغ رسميا أكثر من (200) شخص، وجميعهم دبلوماسيون أو موظفون في القنصلية أو وكلاء بالمخابرات المركزية، أو كانوا كذلك في السابق، وقد كشفوا عن حالاتهم في بلدان شتى حول العالم من أستراليا إلى تايوان، مروراً بعدة دول أوروبية، مثل النمسا وألمانيا وصربيا، بل إنّ الاستخبارات الأمريكية تحدثت يوم 20 كانون الثاني (يناير) الماضي عن حوالي (1000) حالة، وذلك اعتماداً على نتائج هذه الهيئة التي قدّمتها للحكومة الأمريكية.

ورغم أنّ التحقيق الجزئي الذي أجري حتى الآن يرفض فرضية الهجمات المنسقة ضد أمريكيين، فإنّ وزارة الخارجية ترفض بشكل قاطع استبعاد هذا الاحتمال، ويقول مسؤولون: "إنّنا نعمل بنشاط لتحديد سبب هذه الحوادث، وما إذا كان يمكن نسبتها إلى قوة أجنبية".

وفي سياق متصل، رجّح تقرير استخباراتي أمريكي أن تكون نبضات من الطاقة الكهرومغناطيسية وراء إصابة أشخاص بما يُعرف بـ"متلازمة هافانا".

تقرير استخباراتي أمريكي حديث يُرجح أن تكون نبضات من الطاقة الكهرومغناطيسية وراء إصابة أشخاص بما يُعرف بـ"متلازمة هافانا"

وجاء أحدث تقرير صادر عن لجنة خبراء تمثل هيئات استخباراتية أمريكية، ليشير إلى أنّ تلك الأعراض "حقيقية ومقنعة"، وقد تكون ناجمة عن مصدر خارجي، وفق ما أوردت شبكة "بي بي سي".

ولكنّ الدراسة الجديدة شملت التدقيق في أكثر من (1000) وثيقة سرّية ومقابلات مع شهود، للتركيز على مجموعة من الأشخاص يعانون من أعراض معيّنة (لم يكشف المسؤولون الأمريكيون عن العدد الدقيق للحالات).

إقرأ أيضاً : الإسلام في الولايات المتحدة: من صعود الحركات الأفروأمريكية إلى مواجهة الإسلاموفوبيا

وخلص القائمون على الدراسة إلى أنّ هذه المجموعة من الحالات لا يمكن تفسيرها بظروف بيئية أو طبية، وربما نجمت عن نوع معيّن من الأجهزة أو عن مصدر خارجي.

وقد علّق مسؤول استخباراتي مطّلع على عمل اللجنة: "لقد تعلمنا الكثير".

ووجدت اللجنة (4) خصائص أساسية تمثل الأعراض؛ من ضمنها ذلك الشعور بضغط من اتجاه أو موقع معيّن.

وفحصت إمكانية وجود (5) أسباب محتملة؛ هي: الإشارات الصوتية، والعوامل الكيميائية والبيولوجية، والإشعاع المؤين والعوامل الطبيعية والبيئية، وترددات الراديو، وغيرها من الطاقة الكهرومغناطيسية.

القائمون على الدراسة: مجموعة من الحالات لا يمكن تفسيرها بظروف بيئية أو طبية، وربما نجمت عن نوع معيّن من الأجهزة أو عن مصدر خارجي

ودرست اللجنة ما إذا كان هناك نوع من الأجهزة الخفية، يمكن أن يسبب الأعراض المبلغ عنها.

ووجدت أنّ العوامل النفسية أو الاجتماعية لا يمكنها وحدها تفسير الأعراض، على الرغم من أنّها قد تضاعف من بعض المشاكل لدى المصابين، ووجدت أنّه لا يمكن تفسيرها بالظروف البيئية أو الطبية.

وقالت اللجنة: إنّ "العديد من جوانب هذه المتلازمة الحسّية العصبية الفريدة، تجعل من غير المحتمل أن تكون ناجمة عن اضطراب عصبي وظيفي"، وأنّ ذلك يشير إلى "محفز خارجي" أو مصدر ما.

ووجدت الدراسة أنّ نبضات من الطاقة الكهرومغناطيسية "تفسّر بشكل معقول" السمات الأساسية في هذه الأعراض، على الرغم من إقرارها بوجود فجوات في المعلومات.

إقرأ أيضاً : ماذا يلزم واشنطن كي تتأكد أنّ الحوثيين إرهابيون؟

وأشارت إلى أنّ هوائيات غير مطابقة للمواصفات اللازمة يمكن أن تؤثر على جسم الإنسان.

وحقّق تقرير وفيلم وثائقي صادر عن "بي بي سي"، عام 2021، في الدور المحتمل لموجات الميكروويف في التسبب في أعراض متلازمة هافانا.

ولا توجد تفاصيل في التقرير الاستخباراتي الجديد حول ماهية مثل هذا الجهاز، ولا ما إذا كان القصد من استخدامه التسبب في ضرر أو إجراء نوع من المراقبة، ولم تبحث اللجنة في الجهة التي تقف وراء مثل هذا النشاط.

ويعتقد عدد من الأشخاص داخل الحكومة الأمريكية أنّ روسيا قد تكون مسؤولة عن ذلك، وقد أثيرت هذه القضية في الاجتماعات، على الرغم من عدم اكتشاف دليل قاطع لدعم هذا الاعتقاد.

وتقول اللجنة: إنّ التفسير المعقول الآخر للأعراض هو نوع من الموجات فوق الصوتية، وبما أنّها لا تنتقل بسهولة عبر المباني، فهذا يعني أنّ المصدر سيحتاج إلى أن يكون قريباً من الهدف.

لجنة الخبراء تتوصل إلى (5) أسباب؛ هي: الإشارات الصوتية، والعوامل الكيميائية والبيولوجية، والعوامل الطبيعية والبيئية، وترددات الراديو، والطاقة الكهرومغناطيسية

وتقدّم اللجنة سلسلة من التوصيات، تتضمن ضرورة جمع المزيد من البيانات المترابطة، لكنّ بعضها المتعلق بتقنية الرصد يظلّ سرّياً.

ويُعدّ هذا التقرير بمثابة تطوّر رئيسي آخر في لغز متلازمة هافانا الذي طال أمده.

هذا، ولم تعثر دراسة أجرتها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية مؤخراً على أيّ أدلة على حملة كبيرة تديرها دولة أجنبية ضد الموظفين الأمريكيين.

وأصدرت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA مجموعة من النتائج المؤقتة حول مئات الحالات المُبلغ عنها المصابة بـ"متلازمة هافانا" نهاية كانون الثاني (يناير) الماضي، مستبعدة في "غالبية الحالات هجوماً من قبل خصم أجنبي".

إقرأ أيضاً: هل أصبح الفيروس المتوطّن جزءاً من العائلة؟

وقال مسؤول في وكالة المخابرات المركزية: "نحن نقدّر أنّ غالبية التقارير عن الحوادث الصحية غير الطبيعية يمكن تفسيرها بشكل معقول بالحالات الطبية أو العوامل البيئية والتقنية، بما في ذلك الأمراض التي لم يتم تشخيصها سابقاً"، حسبما أوردت وكالة "سي بي إس" نيوز الأمريكية.

وأعلن أنّه "في التحقيق المكثف الذي أجريناه، لم نعثر حتى الآن على دليل يظهر تورط دولة فاعلة في أيّ حادث"، مضيفاً: "نحن نقيّم أنّه من غير المحتمل أن تقوم جهة أجنبية، بما في ذلك روسيا، بشنّ حملة عالمية متواصلة، لإيذاء الأفراد الأمريكيين بسلاح أو آلية معيّنة".

وأكد أنّ "فريق عمل الوكالة سيواصل التحقيق في عدد صغير من الحالات التي لا يمكن تحديد أسبابها"، مشيراً إلى أنّه "في تلك الحالات، الوكالة لم تستبعد تورط طرف أجنبي".

وكشف أنّ "هناك مجموعة فرعية من القضايا، وهي بعض من أصعب قضايانا التي لم يتمّ حلها، وما تزال محور التحقيق الذي ما يزال جارياً"، مؤكداً أنّ هذه الحالات تضمّ موظفين أمريكيين من وكالة المخابرات المركزية والوكالات الحكومية الأخرى، لكنّه رفض تحديد أين ومتى وقعت تلك الحوادث.

وأكد مدير وكالة المخابرات المركزية وليام بيرنز "أنّنا نتابع هذه القضية المعقدة، وقد خصّصنا موارد مكثفة لهذا التحدي"، مضيفاً: "بينما توصلنا إلى بعض النتائج المؤقتة المهمّة، إلّا أنّ التحقيق لم ينتهِ بعد، سنواصل مهمّتنا للتحقيق في هذه الحوادث، وتوفير الوصول إلى رعاية عالمية المستوى لمن يحتاجون إليها".

هذا، وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن قد عيّن أول من أمس منسقاً خاصاً للتحقيق في ظاهرة إصابة الدبلوماسيين الأمريكيين وعملاء الاستخبارات الأمريكيين بما يُعرف بـ"متلازمة هافانا".

 وجاء في مذكرة وجّهها بايدن إلى وزراء الخارجية والدفاع والأمن الداخلي والمدّعي العام ومديري الاستخبارات الوطنية ووكالة الاستخبارات المركزية أنّه يعيّن المدير الكبير لشؤون برامج الاستخبارات في مجلس الأمن القومي الأمريكي في هذا المنصب الجديد، ولم تُشر المذكرة إلى اسم المنسّق الجديد.

ووفقاً لما نقلت وكالة "نوفستي"، طلب بايدن من المسؤولين المذكورين تعيين ممثل واحد عن كل وزارة أو هيئة للتعامل مع المنسق الجديد بشأن "متلازمة هافانا"؛ ممّا يعكس أهمية الوصول إلى نتائج علمية لتلك المتلازمة على صعيد الإدارة الأمريكية التي وقفت عاجزة أمام هذا المرض، حيث إنّ الكشف عن الحقيقة الآن أولوية قصوى للأمن القومي للولايات المتحدة، وهي أولوية وصفها أحد المسؤولين بأنّها أصعب تحدٍّ استخباراتي واجهوه على الإطلاق.

ويظلّ الجدل حول الأسباب قائماً، فقد جعلت الدراسة التي أجرتها وكالة الاستخبارات المركزية الكثيرين يتساءلون حول ما إذا هناك نشاط عدائي، أو أنّ المتلازمة مرتبطة بحالات طبية أو نفسية.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية